الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th October,2003 العدد : 33

الأثنين 24 ,شعبان 1424

الكتابة بأجر لم تكن معروفة من قبل
لم أستغرب وأنا أقرأ ما كتبه الأستاذ إبراهيم التركي مدير تحرير «المجلة الثقافية» في عددها السادس عشر الصادر يوم الإثنين 16/4/1424ه تحت عنوان «حقيقة» وهو يشير إلى تسابق مطبوعاتنا المحلية على استكتاب النخب العربية من محترفي الكتابة الذين اعتادوا الارتحال بين المطبوعات.. وقال: «إن المفارقة هنا إن معظم» مثقفينا «لا يجدون مثل هذه الحفاوة في الصحف والمجلات العربية ولا نفاجأ، حين نجد جهلا أو تجاهلا لكثير من أسمائنا الثقافية البارزة إذ لا يعرفهم.. أو لا يعرف معظمهم الآخرون». وانتهى ب «أليس الأقربون أولى بالمعروف» مما جعل بعضهم يتهمه بالإقليمية أو التحيز للأقربين.
وسبق أن قرأت لأبي يزن في مقال آخر أن بعض هؤلاء الكتاب يكتبون في رسائلهم أرقام حساباتهم مسبقاً وبعضهم يسأل عن المكافأة «الثمن» قبل الكتابة. لأن العملة الصعبة في نظرهم أمر مهم وبالذات من دول النفط أو «البترودولار» كما أطلق على دول الخليج فؤاد زكريا وغيره.
وأذكر أنني قرأت في أحد أعداد مجلة الجزيرة عندما كان يصدرها الشيخ عبدالله بن خميس قبل 45 عاماً ان عميد الأدب طه حسين قد اشترط على الإذاعة المصرية.. دفع مئة جنيه عن كل حديث يدلي به لها.
محمد عبدالرزاق القشعمي
ما لا يريد أن يصرح به «أبو يزن» ولكنه واضح له يقرأ ما بين السطور.
فالمبلغ الذي سيدفع للكاتب كمكافأة أو كقيمة أو كحافز سمها ما شئت المهم أن بعض الكتاب ليس لهم دخل سوى اعتمادهم على ما تدور عليهم كتاباتهم سواء من مقالات أو كتب، وكثير من الصحف لا تدفع لكتابها إلا المتفرغين لديها أو لمن تستكتبهم، وبدعوة رسمية.
أقول: إن كلمة الأستاذ التركي ذكرتني بما سبق أن قرأته من كتابات لروادنا أيام صحافة الأفراد قبل نصف قرن أو يزيد وكيف كانوا يكتبون ويعملون بإدارة الصحيفة إلى جانب مديرها، أو يكلفون أثناء سفر أو كثرة مشاغل رئيسها أياماً قد تمتد إلى أشهر ومع ذلك لا يأخذون مقابل هذا أجراً.
فها هو أستاذنا عبدالكريم الجهيمان يروي ضمن ذكرياته «1» أنه وبعد عودته من المنطقة الشرقية الدمام وقفل جريدته أخبار الظهران بسبب مقال نشر فيها يطالب كاتبها بتعليم البنات.. أقول انه عاد للرياض فها هو يقول:
«.. وبعد أن استقربي المقام في الرياض بدأت أكتب باباً ثابتاً في صحيفة اليمامة بهذا العنوان وهو «أين الطريق».. وكان صاحب هذه الصحيفة ورئيس تحريرها الشيخ حمد الجاسر.. وهي إحدى صحيفتين تصدران في الرياض أما الأخرى فهي صحيفة القصيم.
وكانت الصحيفتان تتنافسان في كسب رضا قرائها وتتسابقان إلى ما يحقق المصلحة العامة.. في مجتمع يسعى حثيثاً ليلحق بركب الحضارة.. وليرقى هذا السلم درجة درجة.
وكان رئيس تحرير اليمامة يسافر في بعض الأيام خارج البلاد فيسند التحرير إلى بعض كتاب الصحيفة.. وقد قمت برئاسة التحرير نيابة عن الجاسر عدة مرات إذا سافر الشيخ وأنا مقيم في الرياض..
وكل تلك المقالات أو نيابة التحرير لا نأخذ عنها أي مقابل مادي.. وإنما نقوم بها على أنها واجب وطني وكان جميع الكتاب من أمثالي في تلك الفترة لا يأخذون أي مكافأة على ما يكتبون.. فليس هناك كتاب محترفون، وإنما هم كتاب وطنيون متطوعون.. هدفهم الصالح العام.. لوطنهم ولمواطنيهم.. وخدمة لحكومتهم الفتية..».
ونجد الأستاذ عثمان حافظ يروي قصة إنشائه مع أخيه على جريدة المدينة«2» ويقول: إنهم بعد استئنافهم لإصدار الجريدة بعد توقف الحرب العالمية الثانية كتبوا طالبين من الجمهور أن يكتبوا بها حتى لو انتقدوا الجريدة فالهدف خدمة الجميع وقال:«.. وكان الأدباء يكتبون في المدينة دون أن يتقاضوا أي أجر على ما يكتبون ولا أذكر أبداً أن جريدة المدينة.. عندما كانت بعهدتنا دفعت أي مبلغ للكتاب عدا ما قدمته المدينة من هدية رمزية أو هي خيالية للأستاذ ضياء الدين رجب الذي كتب مقالاً في جريدة المدينة المنورة بتاريخ 4 ذي الحجة عام 1381هـ في العدد 1061 تحت عنوان حديث في رسالة يلمح فيه بطلب المكافأة للأقلام الكاتبة يقول فيه بعد المقدمة.
«وهذه الأقلام اليوم كما تعلمون تلتمس فضل الله.. من نفثاتها «نتقرش».. وبها نكتسب لخبز العيال من هذا الرزق الحلال.. وأنت تعلم أن قريشاً ما سميت قريشاً إلا لأنها «تتقرش» أي تريد القرش فالحرف والكلمة علماً وتعليماً من أصول الرزق وأبوابه.. لأنها كتعليم كتاب الله والأقلام اليوم لم تعد ترفاً ولا خرفاً.. وأنها أصبحت شرفاً لا تتحمل قرفاً ولا تطلب سرفاً فقرشونا نقرشكم، ونهاودكم في السعر ونقبله نقداً أو غير نقد من محصول البلد تمراً، قمحاً، رطباً، عنباً، «مكانس» قففاً،، مراوح شراباً وكل بحسابه وبلا فضل، ولا رباء إننا وأنت أدرى وأنت سيد العارفين بعد جهد وجهيد مع الزمن، ومعارك النضال والمعرفة، والمحن، أصبحت ثروتنا هذه الألقاب «الكاتب الكبير».
«الشاعر المعروف» وهذه عملة لا يقبلها بنك، ولا تاجر، وبقال، ولا قماش، فكيف الكلام معكم والميدان فيه المنافسون والدافعون للأجر.. وعلى قدر المشقة فماذا نصنع معكم يا ندامانا الأول.. ونحن الذين أدركتنا حرفة الأدب في الصغر وما أعفتنا من زحمتها حتى في الكبر ونحمد الله أدركتنا في فلس الجيوب لا في فلس القلوب فإن فلس القلوب وفقره بلاء ما بعده بلاء يا أمان الخائفين».
والمقال طويل كله بهذا الأسلوب الشيق الذي مزج فيه الأستاذ الضياء الجد بالفكاهة.
وهو يدور حول طلب المكافأة على المقالات الأدبية، وقد أجبته بخطاب مماثل نشر في العدد 1064 المؤرخ 21121381هـ أشرت فيه إلى وضع الجريدة المادي وعدم استطاعتها دفع أي مكافآت للكتاب وجاء فيه بعد المقدمة الجوابية على ما يتعلق بموضوع المكافآت ما يلي« وحديثك عن الأجر والتقريش حديث تمرنت عليه بعض الشيء وكنت أكره الخوض فيه ذلك لأني أرى أن الأدب أثمن من المادة وأن التوجيه والنصح، والإرشاد.. لا يقدر بثمن وهو كالعشب والماء..
وأن علينا مجتمعين أن نتعاون على التوجيه للخير، ومكافحة الشر ولا أدري لعلى أكون مخطئاً في هذه النظرية.. ولعل مبعث هذه الفكرة هو خواء صندوق الجريدة الذي كلما قرعناه نستجديه.. يتراجع صداه في جوانبه، فنرتد خائبين، وقد غذى هذه الفكرة لدينا أناس أمثالكم غذوها بأقلامهم وألسنتهم وجيوبهم فتركزت عندنا هذه الفكرة وهي أن الجريدة.. يجب أن تأخذ ولا تعطي لأنها تؤدي واجباً أدبياً واجتماعياً لا يستطيع أن ينهض إلا بالعون المادي أيضاً أما وقد تغير كل شيء في الدنيا واختلفت المعايير والأوضاع بعد ربع قرن من الزمن «وتبربشت» قليلاً الأحوال الصحفية والنزول على حكم الزمن. وهذه باكورة استجابتنا وهي على قدر حالنا إليك في خجل وتواضع وهي إهداؤنا عباية بيضاء ناصعة كنت ادخرتها لبوساً لصيف تعين عباءتي السوداء التي أوشك أن يعتريها البلى وقد كنت استبقيتها للجمعية والعيدين أو مقابلة الحكام والآن جاء لازمها وربنا يسهل بغيرها ولم نقدمها لك لنضمن أحاديثك فإن أحاديثك مضمونة بدليل البدء فيها قبل معرفة رأينا ووعدك بموالاتها.
وهذه العباءة أبعثها إليك وأنا واثق أن يداً بجانبك ستلقطها قبل خبنها.. أبعثها إليك من باب تسديد الخانة لا من باب تسديد الأجر أو سد الحاجة لأنني أعرف عدم حاجتك إليها.. وهي لا تليق بالمقام ولكنها الموجودة الآن وقد هاودتنا في قبول الموجود وسوف لا نبخل بموجود وأنت لا تطالبنا بمفقود ونسير معك على قاعدة أنت لا تطالبنا ونحن ما ننساك.
يجود علينا الأكرمون بمالهم
ونحن بما جاد الكرام نجود
وأرجو أن يكون هذا سراً بيننا فلا تسره لأحد من إخواننا الكتاب لئلا يفتح الباب علينا فالجريدة ليس في مقدورها أن تسد كل الخانات وأنت خير من يعرفها ويعرف امكاناتها وهي كما تعلم وليدة غواية، أو هواية ولم تكن وليدة ربح أو تجارة ولو كانت لوقفت في الخط من زمن بعيد.
وقال مسترسلاً ومعللاً عدم إعطاء مكافآت للكتاب:«.. على أنه لم يدخل في موازنة الجريدة أو في حسابها إعطاء مكافآت للكتاب وإذا كان وارد الجريدة لايغطي نفقاتها وإذا كنا نحن قائمين عليها لانتقاضى مكافآت على أعمالنا فيها بل نضطر للعمل في الوظائف الحكومية لننفق على عيالنا وعليها فكيف يمكن أن ندفع للكتاب مكافآت.. ومن أين..؟!»
وباطلاعي على أغلب المطبوعات الدورية المحلية لم أعثر على تاريخ أو مناسبة توحي بدفع مكافأة أو أجر لمن يكتب بها سوى ما نشرته مجلة «الدفاع» «3» فقد نشرت في صفحاتها الأولى تحت عنوان «للعلم» تطلب فيه وتلح مشاركة الكتاب بها وتقول: إنه قد صدرت الموافقة السامية على منح مكافآت نقدية لكل من يساهم في تحريرها.
وتقول ما نصه «منذ صدور العدد الأول من هذه المجلة ونحن نوالي النداء إثر النداء للإخوة في السلاح طالبين مساهمتهم للدفع بهذه المجلة وبمدها بالمواضيع والبحوث، ونحن على ثقة بل على يقين أن الكثير منهم يستطيع وقادر، وقد أمد البعض منهم شاكرين تعاونهم. إلا إننا نطمع في المزيد على اعتبار أن المجلة منهم وإليهم.. ومرآة تعكس صور تقدم القوات المسلحة بكفاءات أفرادها.
واليوم وقد صدرت الموافقة السامية على منح مكافآت نقدية لكل من يساهم في تحريرها نكرر النداء، والأمل يحدونا أن يستجيب من يرجو معنا أن ندفع بها إلى الأمام مذكرين أن الغاية من هذه المكافأة ما هي إلا للتشجيع وشحذ الهمم وليس الغاية منها الكسب المادي والله الموفق.
وفي الوقت الحاضر أصبح من المستغرب ألا تدفع أي صحيفة أو مجلة مكافأة لكتابها.


«1» مذكرات.. وذكريات من حياتي، ط 1،1415هـ 1995م، ص 198199
«2» تطور الصحافة في المملكة العربية السعودية، ج2 قصة جريدة المدينة ط1، 1396هـ/1976م.
«3» مجلة القوات العربية السعودية المسلحة، السنة 12، العدد 32 من ذي الحجة 1393هـ ديسمبر 1973م.

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved