Culture Magazine Thursday  01/12/2011 G Issue 354
أوراق
الخميس 6 ,محرم 1433   العدد  354
 
الإسلاميون والليبراليون في السعودية.. فقر نهضوي!
د. بندر آل جلالة

يعتبر مفهوم النهضة من أكثر المفاهيم الفكرية مداولةً وفي نفس الوقت من أكثرها غموضاً، ولهذا يقول المؤرخ والمفكر هشام جعيط: «لقد تصفحت الدراسات الحديثة فلم أجد أي تعريف أو وصف مقنع لمفهوم النهضة»، ولكن يمكن أن نعتبرها عبارة عن أفكار حية تلتقي في بيئة ركود فتثيرها وتفعّلها ثم تُدخلها في دورة حضارية كما يقول الدكتور جاسم سلطان.

لقد أعادت الدول الغربية إحياء الفكر اليوناني الفلسفي والعلمي إضافةً إلى استفادتها من المنجزات الإسلامية، وقدمت إضافات إليها فبنت نهضة شاملة منذ قرون ولازالت متفوقة في معظم المجالات على شعوب الأرض، بينما بدأت محاولات بعض المسلمين منذ سنين في سبيل بناء نهضة إسلامية إلا أنها واجهت عقبات وإخفاقات منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

وحين يُقال إن تياراً ما يعاني من «فقر نهضوي» فإن ذلك يعني أنه لا يملك ما يكفي من أفكار ومشاريع لبناء نهضة شاملة، ويكون ذلك جلياً في خطابه وآليات ممارسته.

وسوف أركز هنا على مناقشة بعض الأفكار والممارسات لتيارين في السعودية كان ولا يزال لهما صولات وجولات في محاولة النهوض بالمجتمع.

وبالطبع ليس بناء النهضة محصوراً بينهما فهنالك جهات عديدة ولكن يظل لهما تأثيرٌ واضح سواء أكان ذلك إيجابياً أم سلبياً.

ولو تأملنا في خطابهما وممارساتهما خلال العشر سنوات الماضية لوجدنا أن هنالك فقراً في الأفكار والمشاريع النهضوية الحضارية، ولذا أصبح المجتمع يلتفت هنا وهناك ولا يجد إلا القليل، إضافة إلى أنه أصبح منزعجاً من صراخ بعضهم على بعض دون تقديم ما هو مهم.

سوف أصف شيئاً من ملامح الفقر النهضوي لدى كل تيار على حدة ثم بعض الملامح المشتركة بينهما.

من ملامح الفقر النهضوي لدى التيار الإسلامي:

لست هنا بصدد تقييم كل ما قدمه هذا التيار لمجتمعنا، ولكن سوف أركّز على بعض النقاط التي لها علاقة بقضية النهضة والدعوة إليها.

ففي ظني أن هنالك العديد من الأسباب التي أدّت إلى قلة إنتاج أفكار ومشاريع نهضوية منها:

- يتميز الإسلاميون بأنهم أكثر اهتماماً بالشباب ولهم جهود مشكورة والتاريخ والواقع يشهدان بذلك، ولكن في نفس الوقت كان هنالك ضمور في التعامل مع بعض الشباب أصحاب الإمكانات العقلية العالية، فكما هو معلوم فإن الأفكار العظيمة والمشروعات النهضوية الكبرى هي نتاج عقول مبدعة مفكرة ودفنها سيؤدي إلى مزيدٍ من التخلف.

وهنالك العديد من الشواهد منها:

أولاً: البعض يُربي الشباب على التبعية التامة ولو بطريقة غير مباشرة، ولا يمنحونهم قدراً من الاستقلالية في التفكير، بل يعمدون إلى التدخل في حياتهم ونمط معيشتهم وبنائهم لذواتهم بحجة أنهم أكثرُ تجربة وخبرة منهم.

ثانياً: هنالك تخلف في تقديم بعض البرامج والأنشطة الشبابية، فبعض القائمين عليها يكررون أنشطة قديمة سطحية تجاوزها الزمن، ومن المؤسف أن نجد برامج يتم تقديمها لشباب الجامعة في حين أنها كانت تُقدم قبل سنوات لطلاب الابتدائي!!، كما لا يوجد عند بعضهم قدرة على إيجاد برامج مطورة تساهم في صقل العقول المُفكرة.

ثالثاً: البعض يتعمد عدم فتح المجال أمام الشباب لنقاش بعض القضايا والأفكار التي يُضفى عليها نوع من القداسة وهي ليست كذلك، وهم بذلك يكرسون تضييق الخناق على عقولهم لكي لا تفكر ولا تحاور إلاّ في الأمور السطحية والساذجة أحياناً، ويرددون دوماً «قال العلماء» و»قال السلف»، ولا يمكن أن يقولوا «قال العالم الفلاني كذا والآخر خالفه في كذا»، أو «قال بعض السلف كذا وآخرون قالوا كذا»، ولذا فقد تفاجأ الكثير منهم ببعض من كان بين أيديهم وقد أصبحوا يطرحون آراءهم بجرأة في الفيس بوك وتويتر دون أن يقبلوا من غيرهم التصحيح، لأنهم أحسّوا بالكبت كثيراً، بينما لو تم فسح المجال لهم ومحاورتهم بالإقناع لما رأينا تلك التجاوزات الخطيرة - أحياناً -.

رابعاً: قصّر الكثير منهم في توجيه الشباب نحو الفكر والقراءة الفكرية، بل لم يكن للفكر والثقافة وجود يوازي المسارات الأخرى، فمعظم جهودهم تتمحور حول بناء الداعية والخطيب والمربي وغيرها دون أدنى اهتمام ببناء المفكر أو حتى المثقف، والسبب الرئيس في ظني هو أن فاقد الشيء لا يعطيه.

خامساً: غرس بعضهم في أذهان الشباب نظرة قاصرة عن العمل الجماعي، ولذا كان التعصب الأعمى للشيخ أو للجماعة سمة بارزة لدى بعض الشباب، كما أنهم لم يُدرّبوهم على العمل المؤسسي الإداري الذي يمكن أن يحوي أطيافاً متنوعة، بل حتى لو أراد بعض الشباب العمل والإنتاج بشكل فردي مستقل في ظل الارتباط العام فإنهم يثنونهم عن ذلك ويقفون ضدهم وقد يعتبرونهم خارجين عن طريق الاستقامة والدعوة!!.

- يزعم البعض بأن لديهم أفكاراً ومشاريع لعلاج الكثير من القضايا والنهوض بالمجتمع في عدة مجالات ويتعذرون بأنهم لا يجدون صوتاً إعلامياً، وأعتقد أننا لو كنا نسمع ذلك قبل الانفتاح الإعلامي لقلنا هذا صحيح، ولكن واقع الإعلام اليوم بكل صوره يؤكد أن الجميع بإمكانه نشر فكرته ومشروعه في وقت وجيز، فلم يعد مجتمعنا مهتماً - كما كان - بالصحف الورقية بل اتجه بشكل واضح إلى الإعلام الجديد والصحف الإلكترونية بشتى أنواعها.

ولعل الجميع يلاحظ أنه حين تكون هنالك قضية أو فكرة يتصارع فيها بعض الإسلاميين مع الليبراليين فإننا نجد في الإنترنت وبعض القنوات المحافظة ارتفاعاً قوياً في الرد، فلماذا لا يكون التسويق لمشروعاتهم - إن وجدت - بمثل تلك القوة؟!!.

- تفتقد كثير من مشاريع الإسلاميين إلى التنظيم الإداري ولديها وهن في التخطيط، فمعظمها تكون مرتبطة بشيخ أو داعية وإذا انشغل عنها تحلل المشروع، كما يغلب على معظمها طابع العمل دون أجور مما يساهم في عدم النجاح على المدى المتوسط والبعيد.

- لدى بعضهم غلظة وغرور لدى نقاشهم مع من يختلفون معهم، حيث يحاربونهم ويرون أنه لا يوجد في الدنيا رأي راجح غير رأيهم ورأي علمائهم وأن الآخرين لا يمتلكون أدنى حق في نشر آرائهم الفقهية والاجتماعية، وبذلك يُجهضون ولادة أفكار ومشاريع نهضوية قد تفيد المجتمع.

- حين تخرج بعض الأفكار والآراء التي قد لا تناسب مجتمعنا يتصدى كثيرون للدفاع والرد وقد يكون أغلبهم غير متخصص، وذلك يؤدي إلى عدة مساوئ من أهمها إشغال الساحة الفكرية بالردود وتوقف إنتاج ونشر أفكار ومشاريع نهضوية، ولا بأس أن تكون هنالك فئة يكون الرد على الأفكار الأخرى تخصصاً لها، لكن لا ينبغي أن يكون الجميع على ذات النهج.

- في بعض الأحيان إذا برز خطيب مُفوّه أصبح يُقدّم على أنه رائد من رواد النهضة، ولذا فقد ينشر أفكاراً تزيد من التخلف.

- يعمد بعضهم إلى الرجوع لحال السلف في النظر والحكم على أمور قد لم توجد في زمانهم أو قد تكون وجدت ولكن الظروف المحيطة مختلفة مما يجعلهم خارج العصر.

- هنالك تقصير كبير في تدريس ونشر علم مقاصد الشريعة، ومعروف أن لهذا العلم أهمية في الحكم على كثير من مستجدات العصر الحضارية، ولذا فقد أدى ذلك إلى تحجيم بعض العقول عن رؤية القضايا المعاصرة برؤية الإسلام الشاملة.

- يرفض بعضهم الظهور في بعض وسائل الإعلام بحجة أن فيها مخالفات، ومن حقهم ذلك لكن العجيب أن يرفض الظهور ثم يشتكي مما يُعرض!!

أبها

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة