Culture Magazine Thursday  01/12/2011 G Issue 354
قراءات
الخميس 6 ,محرم 1433   العدد  354
 
وثيقة الموت 2-2
د. زهير محمد جميل كتبي

وجدت نفسي في هذه الحياة أمام العديد بل الكثير من الامتحانات والأحداث، التي لم تكن سهلة التعامل، وفي حقيقة الأمر إنني لم أطلب الدخول لتلك الامتحانات بطوعي، بل وجدت نفسي فجأة في قاعات الامتحان، كما أجبرت على السباحة بملابسي النظيفة حين قذفت إلى البحر وأنا لا أجيد السباحة، وما أخاف من شيء في هذه الحياة مثل خوفي من البحر، لأنه غدار وغير أمين في التعامل معه. وأنا أسبح، وأكاد أغرق طلب مني أن أخلع ملابسي، ورفضت بشدة ذلك الطلب، خوفاً من أن تنكشف سوأتي وعورتي النظيفة، وأجبرت على شرب الخمر حين كنت أشعر بعطش لم أعشه في حياتي، فطلبت ماء فقالوا ليس لدينا سوى..(الخمر).. أو..(ماء المراحيض)..، ولم أشربها، وصبرت على عطشي حتى أغمي عليّ.

وقاومت الكثير من متغيرات هذه المرحلة وبما فيها من ملذات ومتع دنيوية، واستطاعت عقيدتي القوية، و إرادتي الصلبة، وكرامتي الشريفة، وذهني المتيقظ، وجسدي المريض، وقدراتي العقلية النظيفة، الصمود أمامها بقوة، فالمتغيرات لم تستطع اختراقي : نعم وضعت أمامي الكثير من العقبات والصعاب القوية التي استطعت الصمود أمامها وتجاوزتها بإيمان قوي وراسخ. لأنني أملك التزاما أخلاقيا ودينيا، وكانت تلك العقبات والصعاب تحبس حريتي وإرادتي وجسدي ولا تجعلني أتحرك حسب إرادتي. وكانت أمامي..( إغراءات مالية قوية).. قابلتها بخوفي من الله جلت قدرته والمحافظة على ديني ووطني وسمعتي وسمعة عائلتي، وعانيت كمثلى من بعض المثقفين الذين يصابون..( بالملل).. و..(الإحباط).. و..(الكآبة).. ولكن عالجتها بالطواف حول الكعبة المعظمة وشرب ماء زمزم، وزيارة مسجد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

*.. ومن عاداتي الراسخة أنني أتمسك بمبادئي وقيمي وأخلاقي. ولا أسأل أحدا فيما أريد أن أقدم عليه، وأنا احمل قناعات به. وبعض الكثير أراد أن أكون مثل..(البهم).. وهي صغار الأغنام. لكي يراعني مثلها ويعتني بي. فرفضت ذلك بشدة وقلت أنا إنسان وقيادتي صعبة المنال. كما تمردت على إرادة..(الإمعة، والتبعية)..، . وشخصيتي لا تقبل..(التردد).. بأي شكل من أشكاله. ومن سوء حظي في هذه الحياة أنني تعاملت مع معظم فئات..*الظالمون*.. الذين جاوزوا المدى. ولم يخافوا ويتقوا الله فيّ.

يا رب يسر حسابي، يا رب سامحني، واغفر لي. وارحمني فأنت أرحم الراحمين. والله أني أخاف من ظلمة القبر وضيقه، إني خائف من ظلمة القبور، وأتمنى على الرحمن الرحيم أن يعفوني منها كما أعفى السيدة فاطمة بنت أسد أم سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. إني خائف من منكر ونكير. إني خائف من شجاع الأقرع. إني خائف من الدود الذي يلد من جسدي، ودودة تلد أخرى، حتى نصبح جميعا جزءا من الطين.

*..، . والمتمثل في قول الحق لولي الأمر.

اجتهدت وأصبت في حياتي كثيراً بأعمال وإنجازات كثيرة، وتجاوزات وأخطأت، وغفلت في حياتي كثيراً ولكن استطعت أن أستدرك ما فاتني. من..(غفلة).. و..(سهو)..، . فأنا بشر من دم ولحم وأعصاب. ودون إرادة مني وجدت نفسي أتحسس الأزمات تلو الأزمات، واقتربت كثيرا من أطراف الموت، وجاءتني الكثير من فرص الموت، التي لم يشأ القدر أن تكون لحكمة يعلمها مالك كل شيء، فالموت يتوالد ويتضاعف بمتوالية مرعبة في حياتي، تتواصل فيها مقدمات الموت بالنتائج التي تنتجها الأزمات الصعبة التي مرت عليّ، وبي، وكان تصاعدا مخيفا لا يتوقف. وكان دماغي يقف على طرف الموت عندما أخطأ مشرط الطبيب السوداني في إجراء عملية جراحية لاستئصال المرارة، فجرح الكبد بثقب وهتك القناة الصفراوية. والتي كدت أن أموت بسبب تلك العملية الجراحية. لولا لطف من الرحمن الرحيم.

أتمنى أن يكرمني الله فلقد أكرمني الله في الدنيا بجيرة حسنة بسكني جوار سيدي ومعلمي وشيخي وصديقي فضيلة السيد محمد علوي مالكي - اسكنه الله الفردوس الأعظم - فأتمنى أن يكرمني القدوس السلام المؤمن بسكن في صندوق قبري بمجاورة احد من أولئك. وان يسكنني الجنة معهم ومع الشهداء والصديقين.

لم استطع أن أشكل..(شحنة).. متفائلة مدفوعة بفرحة الأمل. لأن نفسي..(لوامة).. بل إنها شديدة اللوم فهي تعترف..(بالندم)..، . من كثرة الذنوب. رافقه تلكؤ عميق في تكوين..(ابتسامة)..، لكي أفرح، ولكن..!...(الأحداث والأزمات والأمراض). لم تساعدني على ذلك. إن الحنين عندي..(للحزن).. كبير جداً ويتضخم يوما بعد آخر.

لم أخش، ولم أخف، من الفشل، فهو من طبائع الأمور، وحظيت بالفشل في عدم اتفاقي مع النفاق والرياء والكذب والمديح والثناء... أحمل غضاضة في الشعور أشعر بها لأنها لا تزال على اتصال متواصل بداخلي. لا أخفى خوفي من الموت، وأنبهر بأنني سوف أموت وأنا حامل لأمراض جبارة يصعب أن يتعامل معها كل إنسان. وعجز الإنسان عن علاجها. أتمنى أن أموت واقفاً مثل النخلة، أتمنى أن أموت في شهر رمضان أو يوم عرفة، أتمنى أن أموت في صحن الطواف أو المسعى.

عشت كثيراً من مراحل حياتي تحت وطأة..(اليأس).. ولكنه..(يأس الطفولة).. الذي كبر في داخلي بتقدمي في العمر لدرجة أن بعض الوقائع الكبيرة اعتقدت أنها ..(خرافة)..، . لأنه وكما قلت سابقاً إن عمري محسوب عليّ حسب الأزمات والأحداث، التي وقعت لي وعليّ. تلك الأزمات أدخلتني منطقة سوداء من مناطق العدم التي أفقدتني بعض ..(حواسي)..، . وهذا يجده القارئ لنصوصي المختلفة التي أكتبها بآلامي، وألم دموعي، بسبب ذلك..(الإحباط).. الذي تمرد وسيطر عليّ.

وأقسم بالله، انه في مرحلة ما من حياتي تمنيت لو أنني لم أولد، ولم أخرج من رحم أمي، رحمها الله، كما خرجت من تجربة إصابتي بالمرض بخسارة صحتي، ولحقتني الشماتة، ولم أجد شفقة من احد عليّ وبخاصة أولئك الكبار الذين كنت أظن خاطئا أنهم من الكبار. وانطبق علي المثل القائل : ((المتعوس متعوس، ولو علقوا على رأسه فانوس)). نعم حتى في مرضي لم أخل من سوء الحظ. وحملت جراحي معي، وهي تنزف بغزارة.

وما أزعجني كثيراً وعكر صفو حياتي ومشواري السياسي والثقافي والصحافي والإصلاحي أنه أثيرت الشبهات والوشايات ضدي من أعدائي وخصومي الذين وصل الأمر ببعضهم أن اتهموني ب..(الردة)..، . وكانت تهمتهم قد بنيت على..(الظن).. وبقرار متسرع انتقامي، وبعدها عاد الصمت لحياتي وأصبح سيد الموقف، وكان من الطبيعي أن أصمت طويلاً بعد تلك التهمة الكبيرة. لقناعتي أن المؤزمون ينبشون بذمم وقلوب أهل القبور، فما بالكم بذمم وقلوب الأحياء. ودائما أتذكر قوله تعالى: ((وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)) (70) سورة الأنبياء. ((فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ)) (98) سورة الصافات.

*.. كبيراً وغالياً لبضائع لم أطلبها، ولم اشترها، وغيري حصل على كل شيء وبدون ثمن لا مقدم، ولا مؤخر. في مرحلة ما حاولت فعل وممارسة.. (التغابي)..، . ولم أستطع ممارسته، ووجدته ثوباً لا استطيع أن ارتديه فتركته وتركني. لإيماني أن.. (الاستغباء).. يعني أن من أتعامل معهم هم افهم واذكى مني كثيراً، وأنهم يستطيعون أن يفرزوا الصالح من الطالح بطريقة أفضل مني. وأظهرت دراسات علمية أمريكية أن الإنسان الذي.. (يستغبي).. من دون أن يظهر أي سلوك أو علامة..(استغباء).. فهو يعاني طبيا خللا دماغياً. وذكر باحث أمريكي اسمه (أدريان راين) إن.. *الاستغباء*.. يتطلب الكثير من الجهد العقلي لأنه يحتاج إلى الخداع والكذب، وذلك عائد إلى وجود اختلافات في توزع المادة الرمادية والمادة البيضاء في الدماغ.

وعندما أتكلم في قضايا الشأن العام، وقضايا وطني الكبرى يخرج صوتي بعبء الوطنية والمسؤولية الدينية، وفزعت في كثير من الأحايين، وهذا ما جعل صوتي مفزوعاً من الخوف والهلع. فأصبح..(الخوف).. عندي..(لغة).. أخاطب بها كل من حولي، وكل من في وطني وقد يرافق صوتي الخائف من المستقبل سخرية من الواقع وقيوده. إنه..(الأرق).. على مستقبلنا الذي أخشى، ما أخشاه، أن يقع في قعر الجب الكبير المظلم.

*..، . اللهم اجعلني ممن أعطى وطنه ومجتمعه واتقى الله فيهم.

*.. للشاعر الكبير خير الدين الزركلي ومنها:

العين بعد فراقها الوطنا

لا ساكنا ألفت ولاسكنا

إن الغريب معذب أبداً

إن حل لم ينعم وإن طعنا

فاكتبوا..(وثائقكم).. يا أهل الفكر والقلم والثقافة. قبل أن يكتبها عنكم وعليكم غيركم.

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.

أديب وكاتب سعودي البريد: Zkutbi@hotmail.com الموقع: www.z-kutbi.com مكة المكرمة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة