Culture Magazine Thursday  08/12/2011 G Issue 355
فضاءات
الخميس 13 ,محرم 1433   العدد  355
 
نبضات غير منتظمة
فيصل علي أكرم

(الندم):

الحقائق كلها تتكشّف أمام هذا العملاق: (الندم).

فكم ذا سنكتشف حقائقنا ونحن في حضرته.. فنحن نندم على شيء كتبناه، ونندم على أشياء قرأناها، ونندم على حياة لم نعشها وحياة عشناها فلم نخرج منها بغير الندم..

سألتُ نفسي مرة: كيف استطعت التنفس طيلة هذه السنين وأنا أغصّ بهذا الكم الهائل من الندم؟ فكان الجواب: لأنّ ثمة حبّاً هائلاً يتقابل فيك مع الندم الهائل فيشكلان نموذجاً لميزان معتدل تشفق الجبال على ما يحتمل في كفّتيه..

- هل أحببتَ الندم يوماً؟

- لا..

- هل ندمتَ على حبٍّ؟

- لا..

إذاً أنتَ كما قُدّر لمثلك أن يكون.....

(رجفة):

كلما اشتد البردُ قسوةً ازداد الدفءُ انكساراً، حتى الحصاة العالقة بين أجفاني منذ موتٍ قديمٍ تكسّرت الآن برداً ولا يزال البردُ يفتح أبوابه التي تتوسع في كل عام ولا تمنح إلاّ الانكسار. ولا تأخذ إلاّ رجفةً فاترة الإيقاع، التفّ بها من طار بعيداً.. وعاد مكسوراً وحيداً.

فلماذا ترتجفُ الأجسادُ الحيةُ حين يمسها البردُ الموات؟

قيل: حتى تكون (العطسة) التي يشترك فيها كلُّ حيٍّ من بين كل المخلوقات، فالنملة تعطس، والحوت يعطس، ولكن.. من غيرك يملك منديلاً نظيفاً؟

قلتُ: الحمد لله.

(حلقة مفقودة):

كنا صغاراً نكسر الطرقات ذهاباً وذهاباً، يعجبنا الكبارُ ونعجبهم، نتقوّى بهم فيزدادون صلابةً بنا. وها نحن قد كبرنا وحدنا. كبرنا انكساراً، فانكسرنا كباراً.. لماذا كبرنا؟

ثمة نوعٌ من الطيور يموت حين يموت وليفه، فلماذا لا تطيّرنا الرياح..؟

ثمة نوعٌ من السباع يموت حين يرى أباه أو أخاه ميتاً، لذا يبتعد السبعُ في رمقه الأخير عن كل أفراد أسرته وينزوي بعيداً عن الأنظار حتى يفارق الحياة..

فلماذا أكثرنا ينزوي بعيداً ويعيش؟

لماذا أكثرنا لا يلفت الأنظار إليه إلاّ حين يموت؟

نعم صحيح. فهي البراءة التامة من نظرية (داروين) وعلينا أن نكون أوفياء لتلك (الحلقة المفقودة) – فقد وجدها من أوجدها!- ونكاد نفقده ونفقدها في زماننا هذا..

فلماذا كبرنا حتى زماننا هذا؟!

ولماذا نزعم أنّ لنا بعضاً من صفات الطيور حيناً، ومن صفات السباع أحياناً..؟؟

(أطلال):

ها قد اكتمل السواد من حولك وأنت مغمضٌ عينيك، تستطيع الآن الوقوف على الأطلال فارسمها على هذا السواد وقف. قف على الأطلال وأنت مغمضٌ عينيك وتذكّر كيف وارى الغرابُ سوءة أخيه. سوادٌ يواري سواداً فافتح عينيك واسعتين لكل الشموس البيض وانظر إلى وجه الأرض، ها قد تغيّر كلُّ شيء على الأرض ولم تتغيّر السوءات ولا المواراة..

أغمض عينيك إذاً، أو افتحهما واسعتين، فأنت تقف على الأطلال في كلّ حالاتك!

(الذكرى):

أن تسمعَ صوتاً يُشبهُ صوتَكْ

وترى وجهاً يُشبهُ وجهَكْ

وإذا تنظرُ خلفَكْ

سترى أنكَ سرتَ طويلاً، من قدميكَ إلى كفّيكَ

ولم تسألْ:

من أينَ أعودُ إلى نفْسي؟

وكأنكَ صرتَ بلا نفْسٍ، تحتاج إليها أن تبقى

تحتاج إليكْ..

ffnff69@hotmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة