Culture Magazine Thursday  17/03/2011 G Issue 335
أوراق
الخميس 12 ,ربيع الآخر 1432   العدد  335
 
من قطب مبرز في المعارضة الإسلامية إبان التسعينيات إلى بزنس مان يبرم عقودا بملايين الريالات
عبدالعزيز القاسم.. الشيخ الليبرالي (1-2)
طارق بن سعود السياط

ينعته أحد المتابعين الغربيين ب «الشيخ الديمقراطي»، ويسميه آخرون «الليبرو إسلامي». ويرسمه فريق ثالث كما لو كان يقف على قدمين متوازيتين: الأولى قدمه الوهابية السلفية التي يستمدها من جذوره النجدية، حيث يؤول إلى بيت عريق في العلم والتدين. ولديه أسلاف بارعون في هذا المضمار. وأما قدمه الأخرى فهي العصرانية المنفتحة.

وفي هذا الصدد، يختزل وجهة نظر متفردة إزاء الآخر الغربي. إذ يعتبر أن اعتناق رأي متواجد في ميثاق حقوق الإنسان، أو في ثنايا أحد دساتير الدول الغربية، دون مناطحة للشريعة، أمر لا غبار عليه، ولا يشير بحال بمنابذة الإسلام. ولذا فقد استرعى انتباهي في زيارتي لمكتبه الفاخر على طريق الملك فهد بالرياض، اللافتة التي علقها على المدخل، وتوضح اسم شريكه الأجنبي في المكتب الذي يمتلكه ويديره. يقول حول ذلك : «إن الشريعة زاخرة بالأفكار المستوردة، أو المهجنة : كفكرة الدية، والعاقلة، والشورى، والمشاركة. وليس بمقدورك أن تحيا بمنأى عن الآخرين. وإذا أوصدت أبوابك ضد التغيير فسيتخطاك الزمن، وستهزل، وتنهار دنياك بما يعود على دينك بالبطلان». وإلى ذلك فهو يستقبل سائر الأفكار على الرحب والسعة، بصرف النظر عن مصدرها. ويحض المسلمين على الانفتاح على الآخرين، وعدم الوجل من استجلاب الأفكار المستحدثة من كل حدب وصوب، بعد تمحيصها.

رأى الشيخ عبد العزيز بن محمد القاسم النور في مدينة الرياض عام 1384هـ. والتحق بحلق تحفيظ القرآن الكريم قبيل المرحلة الابتدائية. درس وأنهى تعليمه العام في الرياض، واستوفى مرحلتي المتوسطة والثانوية في المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. نجح من كلية الشريعة التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود عام 1407هـ. ثم نال بعدها درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء، في «الأنظمة والسياسة الشرعية». تمرن بعد ذلك في سلك القضاء، واختير للعمل قاضيا في أبها، جنوبي السعودية.

يؤمن الشيخ عبدالعزيز أنه من حق أي إنسان أن يفصح عن آرائه، وأن يتخذ خياراته الشرعية كيفما يشاء. ولذا فهو من أعتى المناوئين لاحتكار الفتوى في جهة واحدة تبت في كافة الأمور. وإنما ينادي بالتخصص في ممارسة الفتوى. ويرى أنه ليس من المصلحة حسم الخلافات الفقهية، ولا قولبة الناس في برواز واحد. ولكن من المجدي ترك الخيارات مفتوحة للناس كي يقرروا لأنفسهم ما يشاؤون.

لا يستشعر الشيخ عبدالعزيز أن الشرع يقبع في أتون الخطر، أو أن المجتمع في مأزق. ويعتبر أن الأمور مثار حنق الإسلاميين هي متداولة للكافة، ولا تستحث كل هذا السخط. وهو يبدي انطباعا متفائلا حيال الناس، والمجتمع. ودائما ما يجنح إلى الثقة في أخلاق المسلمين. ولا يستبد به ذلكم القلق الذي يكتنف زملاءه رجال الدين، حيال مرتبة التعاليم الإسلامية المحفوفة والمظفرة، على حد رأيه. وفي هذا، يشن هجوما كاسحا على فكرة الغزو، ونظرية المؤامرة في الثقافة، ويوضح أنها قد ثبت بطلانها. ويخبر أنه منذ أربعين سنة ونحن ننصت إلى التنبيه من الغزو الثقافي، بيد أن هويتنا لم تتزحزح قيد أنملة.

ومن المحتمل أن هذا الفكر هو الذي ساقه إلى التحفظ مرارا على مصطلح «العلمانيون السعوديون». إذ يعدّه أمرا مبالغا فيه على نحو مفرط. ويومئ إلى أنك توشك ألا تجد علمانيا صرفا في السعودية. وحتى أولئك الذين طالتهم تهم العلمنة، هم لا يصدحون بذلك، وهذا كاف لعدم التخوين. ويبرهن على ذلك بالدكتور عبدالله الغذامي الذي يصنفه على أنه متدين، وملتزم بأحكام الشرع في سلوكه بما يتخطى بعض الإسلاميين بمراحل. وحتى على الصعيد الثقافي، لا يعدّه مناكفا للشريعة بحال، ولا يتنكب تعاليمها البتة، كما أشيع عنه. يقول: «كل ما في الأمر أن الدكتور عبدالله لديه وجهة نظر جدلية تضاهي ما كان ينعت في التراث الإسلامي بأفكار أهل الرأي. وإن السجال الدائر راهنا بين الأطراف المتناحرة ليس سوى سجال متكئ على سوء الظن فحسب». وينفي وجود صراع تيارات في السعودية، وإن الأمر لا يعدو كونه مناوشات وتحرشات.

سعوديا، يقرر الشيخ عبدالعزيز أن شخصية الإنسان السعودي يشوبها ضرب من الغموض، والتحايل، والازدواجية. الأمر الذي أفضى إلى اضطراب المجتمع، وقلقه، وعسر بلوغ المعلومات الحقة فيه. يقول إن المواطنين السعوديين حذرون للغاية، وذلك بغية صيانة ذواتهم من بنود المحظورات التي اختطوها بأناملهم بلا ذريعة. وينذر من قمع اجتماعي يتم ارتكابه حيال الفرد السعودي، جراء عماه عن حقه في الاختيار من قائمة المباحات البديلة. يقول إن المربك في الأمر أن فكرة المنع ليست جلية، إذ قد يبت النظام، أو الأوامر، أو الإدارة، أو المجتمع، وهكذا. ويبذل المواطن السعودي وسعه في البروز بالصورة المثالية، حتى لو أرغمه هذا على التواري خلف القناع، واقتراف سلوكيات محظورة اجتماعيا خفية.

يشاهد الشيخ عبدالعزيز التلفاز، ويقتفي المسلسل المثير للجدل «طاش ما طاش»، الذي يعزو نجاحه الكاسح إلى أنه ببساطة حملنا، وأجلسنا نصب المرآة، ثم أشعل أنوار الحجرة. ويبين أن «طاش» يمارس شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن بطريقة مغايرة. وبذلك فهو يؤدي إحدى الواجبات الشرعية حيال المجتمع، بنقده، وإظهار مثالبه، كي تعالج. وسيان أن يطرأ ذلك من على أعواد منابر الجمعة، أو خلال شاشات التلفاز، أو فوق خشبات المسرح. وينكر على من كافحوا المسلسل، ويرى أن الأمر لا يستحق كل ذلك الضجيج. ويقول إن ثمة بونا بين أن تكيل النقد لأفراد، أو لشريحة مجتمعية ما، وبين أن تنتقد الدين ذاته. ويتابع أن في الإرث الإسلامي كتبا فقهية حنبلية تسخر من سلوكيات المتدينين، كما فعل «طاش»، حذو القذة بالقذة، مثل كتاب «تلبيس إبليس» الذي من المحتمل أن يكون سيناريو أكثر من ملائم لحلقات من «طاش من طاش». ويصف مشاعره بشأن تتبع المسلسل بأنها تجربة مفيدة ولذيذة.

وفي سياق متصل، لا يجد الشيخ عبدالعزيز غضاضة في الإيذان بانطلاق السينما والمسرح في السعودية. بل إنه يسأل الاتساع في بثها، ويقرر أنها أدوات مباحة للترفيه. ويبدي اندهاشه من المعترضين على ذلك على أسس دينية. يقول : «ليس صحيحا أن نحرم الناس من ذلك لمجرد أن علماء يطالبون بإغلاق دور العرض». إنه يمقت ممارسة الوصاية على الناس، حيث إنهم ما عادوا بحاجة لمن ينصّب نفسه وصيا عليهم، يرشدهم نحو الذي يتعين عليهم فعله. مفندا أن الممانعين الذين يتكئون على فكرة سد الذرائع، وإيصاد الأبواب أمام ما قد يحتمل أن يوقع ضررا، ولو كان فيه منفعة، إنما يجربون مبدأً قد قضى نحبه على يدي الانفتاح. لكنه يعود ليشدد على رفضه سينما مفتوحة على كل الخيارات.

يحاجج الشيخ عبدالعزيز أن الصحوة الإسلامية أخفقت على نحو ذريع في بلوغ أهدافها، كرفع المستوى الأخلاقي للمجتمع، وتقديم أنموذج باهر للمسلم المتدين. كما أنها فشلت في توفير البدائل. وفي الآن الذي كان المجتمع يبحث عمن يسد رمق احتياجاته، شاهدنا الصحوة لم تف بهذا الغرض، بل غادرت الناس يبحثون عن بدائل أخرى. كما أنها كرست طراز المتدين المتشدد الفظ. ولذا فقد خفت وهجها، واستحال خطابها من المطالبة، والنقد، والتأليب، والتعبئة، ومناجزة التغريب، إلى الخطاب المنافح عن نفسه. وبعد أن كان هما للمجتمع، اضمحل إلى أن غدا شأنا خاصا بالإسلاميين فحسب.

وهو يأخذ على الخطاب الوعظي التوعوي ارتفاع سقف توقعاته الدينية من المجتمع، إلى الدرجة التي يرتقب فيها أن يغدو المجتمع ثلة من الأتقياء، في حين أن تعاليم الدين ترتضي الحد الأدنى من الالتزام. ويقول إن هذا كرس مظاهر التقوى الزائفة في المجتمع، حيث يمارس الفرد نوعا من الرياء الديني، بهدف الظفر باستحسان المجتمع، بينما قد يصنع أمورا نقيضة في الخفاء.

TS1428@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة