Culture Magazine Thursday  17/03/2011 G Issue 335
فضاءات
الخميس 12 ,ربيع الآخر 1432   العدد  335
 
عن لماذا
حرية سياسية أكثر أم أقل؟
لمياء السويلم

كان القول بأن الشباب السعودي يُشكِّل حالة جماهيرية مقابل ضعفه الواضح عن تشكيل حالة مواطنة يجد قبولاً منطقياً، لكن عند تفسير هذا القول سيكون مرفوضاً الوقوف عند حاجة الشباب إلى الانفعال كسبب وحيد في تفاعلهم مع أحداث الآخرين بشكل جماهيري، فاللحظة الراهنة التي أشارت إلى فقر حياة الشاب السعودي من الأحداث الشخصية التي تثيره للتفاعل معها أو تحفز انفعالاته، كان يقابلها إشارة أخرى إلى اتساع مساحة التعبير التي يستطيع أن يظهر فيها هذه الانفعالات، فالشبكات الاجتماعية على الإنترنت التي عبَّر من خلالها الشباب عن تفاعلهم مع الثورات الأخيرة تُعد سقف تعبير مرتفعاً نسبياً، لكنه يبقى تعبيراً بالرأي وإن تنوعت أشكاله سواء بلغة الكلمة أو الصوت أو الصورة فمخرجه واحد فقط، والسؤال هنا باستفهامين، الثاني هل سيكفينا الإنترنت كمساحة للتعبير في حياتنا؟ أما الأول فهو عن الفراغ ما بين مساحة التعبير المتاحة والتي تطور من أدواتها لحظياً، وما بين الحياة الخاصة للشباب التي تضيق ويزداد فقرها كل لحظة، هذا الفراغ بينهما ماذا سيملؤه؟!

الفراغ الذي عزفت عليه الأشرطة والكتب الدينية عنوانها الأكبر: (شبابنا إلى أين) وحشدت المجتمع تجاه خطره سنين حتى انفرط الوتر إلى التحذير من الشباب أنفسهم بدل التحذير من فراغهم، هذا الفراغ من الذي خلقه، ومن يُسأل عنه اليوم، لقد عرف الشباب كيف يجعلون من الإنترنت مخرجاً ومتنفساً لهم، لكنهم يدركون أن صداقاتهم التي خلقوها على الإنترنت سريعاً ما ستذهب إلى المقهى في وعيهم بقيمة الحقيقتين وحاجتهم إلى الاثنين سوياً، هم يدركون كذلك أن الإنترنت ليس بديلاً عن حياتهم الخاصة، ربما كان الجزء الأهم في الحياة التي يعيشونها لكنه يبقى جزءاً أيضاً، يعرف الشباب أن الأفلام التي يستطيعون تحميلها ومشاهدتها بأسرع وقت ممكن لا تغني بأي حال عن حاجتهم البسيطة إلى عبور شارع وقطع تذكرة سينما وحضور نفس الفيلم، حاجتهم إلى مشاركة الآخرين الضحكة أو الدمعة أو الدهشة، إنها ليست فقط حاجتهم للتعبير عن انفعالاتهم إنما إلى مشاركتها مع الآخرين، وهو المعني هنا، إنه التفاعل المشترك الذي يختاره الشباب، إنه جمهور السينما الذي يُشكّل مشهداً يومياً من العالم، وفي مختلف المجتمعات ويغيب عن مجتمعنا، هذا الجمهور سيختلف عن الحالة الجماهيرية التي دخلها الشباب مع أحداث سياسية فرضت نفسها عليهم ولم يختاروها، والمسألة هنا ليس في واقعية وحقيقة القيمة بين التفاعلين، فكلاهما جزء من حياته وله الحق في الاثنين، المسألة تدور وبشكل محدد حول طبيعة الانفعالات وحدتها، أسبابها الواعية واللا واعية بالنسبة للجمهور سواء كان جمهور حدث سياسي أو جمهوراً سينمائياً ورياضياً.

المشكلة المفترضة هنا تخص فكرة الصناعة، فلا يمكن تجاهل الإعلام كسبب في صناعة الجمهور سواء كان سياسياً أو رياضياً، المشكلة أننا نعتقد كشباب أن تفاعلنا مع مصر وتونس كان فقط لأننا مؤمنون بقيمة الثورة ضد النظام الفاسد، نعتقد أن انفعالاتنا الحادة تجاهها كانت مجرد أثر قناعتنا بالحرية السياسية وقيمتها المفقودة، لكن الذي لم نعه وصار لزاماً أن ندركه أننا كما نُشكّل جمهوراً سينمائياً ونندهش مع كل فيلم لذاته أو جمهوراً رياضياً ونبكي من خسارة أي مباراة لذاتها نشكل أيضاً جمهوراً للأحداث السياسية، فتفاعلنا مع مصر لم يكن هو تفاعلنا مع ليبيا، ألم يخفف الظهور الإعلامي للقذافي حدة غضبنا وزاد من فكاهتنا رغم أن خسائر الأرواح في الثورة الليبية هي الأعلى والأقسى مشهداً! لماذا تضاءل تفاعلنا معها إذن؟ ألأنها طالت فقصرت أنفاسنا عن المتابعة؟! الإعلام وصناعة الجمهور ليست لعبة، إنها أكبر الحقائق التي ندركها جميعاً وقد قرأنا ولم نزل نقرأ عنها، والوعي بالحقيقة لا ينقصنا، لكننا لم نستطع بعد أن نلمس أثرها علينا في لحظة الحدث ذاته، لم نستطع بعد أن نختار إلى أي الجماهير نريد أن ننضم، الغضب على حجم الفقر في مصر أين هو معادله الموضوعي؟ هل هو حجم الفقر المادي فقط، أم أنه فقر الحياة البسيطة فقر الشارع المزدحم، فقر السينما فقر الملعب والسيارة للفتاة فقر النادي الليلي فقر الحفلات الفنية فقر المكتبات فقر مواعيد الحب الحرة فقر الحرية الشخصية!

الحرية السياسية التي انفعلنا بحدة تجاهها هذه الأيام هي جزء من الحرية الشخصية لا العكس، وهو الذي جعلنا نخلط في تفاعلنا بين الحنق من عجز حقيقي عن ممارسة أبسط الشؤون الخاصة وبين الغضب المدني والإنساني من أحداث عامة، إننا في شأننا الخاص ننفعل انفعال مواطن محروم اجتماعياً وسياسياً لكننا في الثانية ننفعل كجمهور هو صناعة حدث سياسي - إعلامي يمس الجميع وعلى نفس المستوى.

نحن كشباب مواطن نعرف أننا مأزومون، لكننا أيضاً علينا أن نعرف الفرق ونتحسسه، هل أزمتنا في التعبير عن حقنا السياسي أولاً، أم أن الحرية السياسية ليست إلا جزءاً من أزمة أكبر وأشد أثراً علينا هي أزمة حرياتنا الشخصية، إننا مأزومون حقاً لكن على مَنْ علينا أن ننتفض؟؟

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة