Culture Magazine Thursday  24/03/2011 G Issue 336
فضاءات
الخميس 19 ,ربيع الثاني 1432   العدد  336
 
بريد القلب
ما أشقى الكتابة
خالد البسام

على عكس الحكمة الشهيرة «لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم» عشت أكثر من شهر ومهنتي الوحيدة ووقتي كله: أشاهد وأسمع وأتكلم وأتابع الثورات العربية التي تساقطت فوق رؤوسنا كالمطر.

وأطلقت كملايين العرب غيري هذا الكم الهائل من المشاعر والأفكار والتأملات والحماس، بل ذرفت الكثير من الدموع وانتزعت مني ضحكات السخرية، وصرت أصفق لتلك الثورة هنا وأهتف لثورة هناك.

لكن تلك الثورات عصفت بكل شيء. فبدأت أولا في حياتنا اليومية التي انقلبت بالكامل، واختفت الشهية من كل شيء حتى ساعات القراءة تبخرت أمام نشرات أخبار قناة الجزيرة، بل طالت حتى شهية الكتابة مهنتي الوحيدة.

فطوال الوقت وأمام اشتداد الثورات وانتصار بعضها كثيرا ما توقفت عند سؤال بريء واحد: ماذا سأكتب؟ ماذا عساي أن أقول؟ أي كلام يمكن أن يليق ويقال بحق الثورات والجماهير الغاضبة؟ أي سطور صعبة يمكن أن تكتب الآن؟ أي كتابة يمكن أن يسيل الحبر منها بكل هذه السهولة؟

أعترف إنني كنت عاجزاً عن الإجابة عن الأسئلة والكتابة أيضا. فلا أظن أن هناك قسوة على كاتب محترف مثلي أن يستسلم لعجزه ويعترف بفشله أيضا لعدم الكتابة.

الأسوأ من كل هذا الكتابة هو أن تشعر بعدم قيمة الكتابة وجدواها أمام تلك الملايين التي تهتف في الساحات والشوارع تنفض الظلم عن نفسها وتصرخ بالحرية وتموت من أجلها. والأكثر سوءاً هو أن ترى التاريخ وهو يصنع أمامك على الهواء مباشرة وأنت مجرد متفرج يائس من كتابة كلمة واحدة!

لم تكن الكتابة وحدها هي العصية فقط، بل الأفكار أيضا التي انقلبت وثارت وثار الناس عليها وأسقطوا الكثير منها وداسوا عليها بأقدامهم في الميادين.

حتى الأحلام تغيرت على حسب رأي صديقي الذي قال لي إنه كان يحلم كل ليلة بالثراء وكيف يحصل على الملايين، وفي أيام الثورات كانت زوجته تسمعه يصرخ وهو نائم: ارحل.. ارحل.. ارحل.

كنت أقرأ قبل أيام مقالا لكاتب مصري يقول: ما أسعد الكتابة في أيام الثورات!

عندها سقطت الدموع من عيني وقلت لنفسي بأسى: بل ما أشقى الكتابة!

Albassamk1@hotmail.com المنامة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة