Culture Magazine Thursday  24/03/2011 G Issue 336
فضاءات
الخميس 19 ,ربيع الثاني 1432   العدد  336
 
المثقف المصري وأزمة الأخلاق
د. زهير محمد جميل كتبي

لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن أرى الصورة الحقيقية وشبه الكاملة لشخصية المثقف المصري ومكوناتها وانفعالاتها وغضبها واحتقانها وتقلباتها المخيفة والمزعجة. إلا بعد أن تابعت بقدر كبير من التركيز والعناية والاهتمام بمعظم وسائل الإعلام المختلفة وكذلك عشت باهتمام كبير بكثير امن فعاليات وتفاعلات انتفاضة 25 يناير 2011م. وأزعم انني تابعت باهتمام بالغ معظم تفاعلات التلفزة أو القنوات الفضائية المصرية. وسمعت وشاهدت وانصت بجدية لكثير وكثير من المثقفين والكتاب والإعلاميين، والأدباء والشعراء والمفكرين والعلماء والفقهاء والمسؤولين المصريين. حول ما حدث في مصر من الانتفاضة أو الثورة. وكذلك قرأت المئات من المقالات الصحافية، والحوارات والتحليلات في الصحافة المصرية المختلفة التوجهات الفكرية والصحافية. والأحداث المجنونة التي وقعت في مصر بعد الانتفاضة وتبعاتها المرتجفة. بعدها استطعت أن اكتشف معدن وحقيقة وخلفية البعض وأؤكد على كلمة..(البعض).. الكثير من المثقفين المصريين. والذين صدمت حقيقة مما سمعته وشاهدته منهم وقرأت ما كتبوه. فتأكد لي وبكل أسف أن المثقف المصري عاش ويعيش..(أزمة أخلاق ) حادة ومنفعلة كشف عورته وأظهرت المستور في شخصيته. وعرت تحركات مكنوناته.

لقد سمعت، مما سمعت، في تفاعلات المؤسسة الإعلامية المصرية وبكافة فروعها ووسائلها من تلفزة وإذاعة وصحافة وعبرشبكة (الإنترنت)، سمعت الكثير من:

1 - الوقاحات في الألفاظ والكلمات.

2 - النفاق الاجتماعي.

3 - الرياء السياسي.

4 - الكذب على التاريخ.

5 - الردح وبكل أنواعه وقنواته وفنونه.

6 - القدح البذيء العالي النبرة.

7 - فعل النميمة .

8 - التحريض ضد بعضهم البعض.

9 - المداهنة السياسية.

10 - المخالفة في الأخلاق القيم والمهنية المتعارف عليها.

11 - تصفية الحسابات القديمة.

12 - الروح الانتقامية العالية.

13 - التشفي بكل أنواعه.

14 - الروح الثأرية.

15 - الكلمات البذيئة التي لا يليق استخدامها في حق الرموز.

16 - الألفاظ المنبوذة خلقا ودينياً وعرفاً.

17 - هبوط اللغة المستخدمة.

18 - العجز عن قول الحقيقة.

19 - الادعاء الكاذب بالصلاح والإصلاح.

20 - التقلب السريع في المواقف.

21 - الفجور في الخصومة.

22 - العهر السياسي والثقافي والصحافي.

23 - المجاهرة بالسوء.

24 - أكل لحوم البشر بطريقة ومنهج التتار المغولي.

25 - نكران الجميل.

26 - عدم الوفاء.

27 - القذف وبكل أنواعه.

28 - الادعاءات الكاذبة.

وعند تفكيك..(النص الإعلامي المصري والصحافي والثقافي )..،. في هذه الفترة، تشعر بهبوط شديد في اللغة المستخدمة لشرح المواقف والاحداث والفعاليات. وهذا يؤكد ان المثقف المصري وقع في ضعف المنهجية التي استخدمها في أطروحاته. لأنه اعتبر..(السباب ).. و(الشتائم ).. و(اللغة التحريضية).. منهجية. تلك المنهجية ارتكزت على فعل الوقاحة والمجاهرة بالسوء. وبصراحة أكثر كانت مرحلة من مراحل تصفية الحسابات بين تيارات سياسية ودينية. وبعضهم فجر في خصوماته لضيق صدره بالاراء المخالفة، ولا يريد سوى صوته فقط. وهذا أمر غريب ولا يمكن قبوله من أي مثقف رصين وحقيقي. وظن بعضهم أنه بأخلاقه تلك وأعماله المرفوضة أنه يريد تفعيل الحراك الإعلامي والسياسي، وتعديل المسار في الأحداث لصالح المنتصر أو القوي والمسيطر على الحراك الشعبي. مع إبراز أخطاء وتجاوزات وفساد المرحلة السابقة والتغافل المقصود عن إنجازاتها وإيجابياتها. وأراد بعضهم أن يمحو تاريخ دولة عمرها ثلاثون عاماً باستخدام.. (استكية).. بلاستيكية. كما فعل الروائي علاء الأسواني، والإعلامي حمدى قنديل، والدكتور عبد الحليم قنديل، لينهي ذلك التاريخ الطويل والمليء بالإنجازات والانتصارات . ولم يفكروا أن يكون هناك حوار منضبط بين كل الاطياف والتيارات والاطراف المختلفة.

للاسف الشديد، والمؤسوف عليه ثقافيا وجدنا من تجاوز كل الخطوط الاخلاقية والمهنية والإنسانية اثناء فعاليات هذه الانتفاضة أو الثورة وخاصة أثناء الحوارات والمناقشات، واستدل بما وقع مع دولة رئيس الوزراء المكلف الفريق أحمد شفيق في برنامج بلدنا مع علاء الاسواني وحمدي قناديل، وذلك التطاول والتجاوز وسوء الادب واللياقة على دولة رئيس الوزراء ليفتخروا بعدها وفي الصحافة انها كانت مؤامرة ضد رئيس الوزراء. وعادة من يفعل ذلك هو من افتقد المنهجية، والانضباط الاخلاقي، فانه يلجأ إلى التجريح والنيل من كرامات الآخرين.

صحيح انه في مصر يؤكد الشارع المصري ان حرية الراي مكفولة للجميع في إطار منهجي، فلا تطاول ولا شتم، ولاسباب، ولكن ما سمعناه وشاهدناه هو..(تعدٍّ صارخ للحريات والكرامات والاخلاقيات)..،. وذاك يوحي، ان بعض المثقفين المصريين ارادوا ان يقولوا لنا إنه يجب على الجميع أن لا يروا ولا يسمعوا إلا ما يرونه ويريدونه هم فقط دون غيرهم. كان من الأجدر على المثقف المصري مناقشة كل ما طرح ما دام أنه رأي وله رأيه ولغير رأيه، فلا بد أن تحترم كل الآراء اذا كانت تفضي إلى الحق والحقيقة. فقد تبين لي ولغيري من المراقبين والمثقفين الخارجيين ان من يدعون حرية التعبير هم بعيدون عنها جداً وبمسافات طويلة. ولقد لاحظنا عملية إقصائية ورفض للآخر مقصودة ومكشوفة ومفضوحة للغاية. إنهم نوع خاص من المثقفين فضل أن يتميز عن غيره من التيارات المختلفة.

لقد سمعت اتهامات باطلة وغير صحيحة على الإطلاق، وسمعت عمليات..(استخفاف بعقلية المواطن العربي )..،. لم أسمع بها من قبل. ونسوا - بقصد - وسوء نية ما واجه حاكم مصر من مواقف عصيبة، وأنه كان صمام أمان. من حقهم أن يكون محل تساؤل واتهام ؟. ولكن ليس بهذا الاسلوب غير اللائق بقائد أمة.

لقد نال المثقف المصري في..(أزمته الاخلاقية ).. من قامات ورموز وطنية وثقافية عالية. لها سمعتها ومكانتها المحلية والاقليمية والدولية. وقد يكون ذلك لظروف.. (.....)..،. وأطماع.. (....) أو قناعة أو موقف خاص، فعل ذلك بفكر جدي في كيفية الاستفادة، من إفرازات الانتفاضة الشعبية. فكان هذا النوع من المثقفين عالة على الثقافة والسياسة والصحافة والإعلام. لأنه فعل فعل المزايدة في المواطنة، وتشدق بحرية التعبير.

المؤسف حقا أيضا، أن المثقف المصري وفي خضم جنون وتهور وفعاليات وانفلاتات هذه الانتفاضة الشعبية ابتعد كليا عن ذكر مستقبل التنمية وعملياتها في مصر. فكان من الأجدر والافضل له ان يوليها حقها من الاهتمام، بدلا من الانشغال في السباب، والشتم والقدح والقذف والهجوم على الأشخاص والرموز.

كنت أتمنى في اثناء هذه الانتفاضة الشعبية أن نعلي من شأن المثقف والثقافة والمؤسسة الإعلامية. كي تمارس دورها في بناء الوعي الوطني والسياسي والديني والثقافي والفكري. لا أن تغرق الاغلبية من المثقفين في السب والشتم والإثارة عبر القضايا الشخصية لقد عمل كثيرهم على..(شخصنة الثورة)..،.

لقد سار المثقف المصري في طريق خاطئ وضل سبيله. وأعرف كغيري أن المثقف المصري بطبعه يميل لفعل الإثارة. ولكنه في هذه المرحلة بعد عن خلق حالات من الوعي الراشد والبناء الوطني.

ارغب أن اقول إن المثقف المصري يحتاج إلى مراجعات كبيرة جداً، بعد هدوء العاصفة ومراجعة حساباته وإعادة سماع ما قاله أو كتبه حتى يستطع العودة لمكانته الحقيقة والرائدة السابقة، والتي ميزته عن غيره وحتى يعود للمستوى المأمول منه في خدمة القضايا العربية والإسلامية. وحتى يرتقى بمستوى الأداء الثقافي والسياسي المهني الذي عرف عنه.

كما أود أن أصل إلى نتيجة مفادها أن المثقف المصري لم يستطع في هذه الانتفاضة تجاوز.. (ثقافة القدح والردح والشتم والسباب ).. فنقلت هذه الثقافة بنفس أدوات أعداء مصر. وألقي اللوم على عدم تحكم العقل والحكمة والموضوعية على شخصية المثقف المصري.

واتهام شخصيات كبيرة ونافذة بعدم القدرة على الوفاء واحترام الرأي الآخر المخالف. وانه لم يمارس النقد بكفاءة واقتدار، ولم يمارس منهجية، ولم يحترم مهنيته.

لم يستطع المثقف المصري أن تكون بينهم حوارات هادفة بين أصحاب كل الرؤى، فلو فعلوا ذلك مع توافر حسن النية الصادق، وسلامة المقصد لما وقع فيما وقع فيه من انهيار اخلاقي شكل..(ازمة اخلاق)..، رفضها الكثير من المراقبين السياسيين والمثقفين العرب. فلقد عرض مصر للتشويه التاريخي والظلم البين للإنجازات الحضارية المصرية.

على المثقف المصري أن يعيد بناء الوعي الوطني الحقيقي بهذه الانتفاضة الشعبية ومارافقها. على أن لا ينحني ذلك البناء منحي خطير جداً، يلفت الأنظار. وأن لا ينزلق إلى أقصى اليسار فيفقد مصداقيته. حتى لا يسيء لحرية التعبير.

فأين الفروسية؟. وأين الرجولة؟. وأين النخوة،. وأين الشهامة المصرية المعروفة؟.

لقد فقد بعضهم كل أخلاق المهنة. ومارس شتى انواع..(النفاق الإعلامي)..،. لقد عجز كثيرهم على الوقوف والثبات على المواقف الوطنية. ولعجزه اتجه وركض فوراً إلى.. (استديوهات القنوات الفضائية).. و..(أوراق الصحف والمجلات ).. و..(استديوهات الاذاعة ).. ليؤكد عجزهم عن فعل كل فعل وطني. فتسلق على سمعة الوطن والحاكم. فانكشفت سيقانهم الجرداء والقصيرة ولم تساعدهم على الظهور اكثر لان المتلقي المصري فهم اللعبة، ولم يوافق على الاستخفاف بعقليته. وفقد الكثير من حيز مصداقيته ومكانته السياسية والثقافية والاجتماعية. مثل وضع الأستاذ أسامة سريا رئيس تحرير جريدة الأهرام، وغيره من رؤساء التحرير.

كان المثقف المصري يقف على حافة التاريخ، وعلى حد السيف السياسي، بيدانه فقد توازنه وارتبك لدرجة أنه صار يشتم ويسب ويقدح أي إنسان اختلف معه. وما كان مطلوب منه أن يمتدح من لا يستطيع نقده في مرحلة ما.

قام المثقف المصري بغرس..(خناجر ).. سامة في ظهور الكثير بسبب وبدون سبب. وذلك لتحقيق أهداف شخصية ولرغبته أن يحجز لنفسه كرسي في المركب الجديد. وحتى لا يحسب على العهد القديم. وكثيرهم شحذ لسانه وقلمه للتغني بالجديد. في حين انه كان في الماضي من القريبين من رجال الحكم والسياسة وله علاقات مميزة وخاصة في اروقة الحكم، ودهاليز السياسة . واعرف احدهم وصف الرئيس محمد حسني مبارك بانه الهرم الرابع، وبعد الثورة وصفه بالخائن والفاسد وقرأت لآخر وصف الرئيس مبارك بانه (خوفو) الذي بني مصر الحديثة. ثم قال إن مبارك عميل لإسرائيل وأمريكا. يا سبحان الله ! يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على الايمان.

وحتى من لم يملك..(خناجر )..، استعارأو اشترى..(خناجر ).. غيره. وطعنوا من شاءوا !. وكيف شاءوا !. وصرخوا بحناجرهم التي كادت ان تخرج من اعناقهم. كل ذلك النفاق الإعلامي والرياء السياسي، من أجل التغني بالجديد الذي لا يعرفونه. بل انهم يخافون منه وعلى مصالحهم منه.

أؤمن بنقد السياسات والاجراءات والافكار والمواقف والتوجهات، وحتى الاشارة لكل بواطن الفساد والمفسدين، ومن حقهم نقد المواقف الرسمية وبمختلف اشكالها وهذا منهجي ومنهاجي الذي اسير عليه في حياتي السياسية والصحافية والثقافية لكن إلا القدح والردح والشتم والسباب والقذف غير المبرر، وبسبب، وبدون سبب. انهم لا يملكون..(المادة ).. التي تمكنهم من فعل تلك الأفعال المشينة. والتي فعلها معظم المثقفين والكتاب المصريين من كتاب أجهزة المخابرات وغيرهم مما يقتاتون على كل الموائد.

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.

Zkutbi@hotmail.com - www.z-kutbi.com * أديب وكاتب سعودي

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة