Culture Magazine Thursday  31/03/2011 G Issue 337
ذاكرة
الخميس 26 ,ربيع الآخر 1432   العدد  337
 
سعد الدريهم.. المحب والمحبوب
محمد بن عبد الرزاق القشعمي

عرفت الأستاذ سعد بن عبد الرحمن الدريهم وهو طالب في جامعة الملك سعود بالرياض (كلية الآداب - قسم الجغرافيا)، عام 1384هـ، وهي - فيما أعتقد - سنة تخرجه فيها مع زميله الصديق عبد الرحمن العبد السلام؛ إذ كنت أسكن بجواره في حي معكال جنوب الرياض.

وكان الأخ سعد يتردد على زميله ونلتقي بين وقت وآخر، وبعد انخراطه في العمل المدني مُدرِّساً في المدرسة المتوسطة، وعند إنشاء أول مدرسة ثانوية بمدينته الدلم بالخرج عُيّن مديراً لها عام 1391هـ، وكان كما يعرفه الجميع شعلة نشاط متحمساً للمطالبة للخرج وللدلم بشكل خاص بكل ما يفيدها، وخصوصاً في مجال الشباب ومزاولة نشاطه الرياضي والثقافي ولتطوير التعليم ونشره بين فئات المجتمع.

لقد كان يتمتع بصفات حميدة وأخلاق عالية وتواضع جم، وأذكر أنه خلال فترة رئاسته للنادي في العطل الأسبوعية كان مجموعة من شباب الدلم يتجمعون بالرياض عصر كل خميس للذهاب إلى بلدتهم، وكنت أرافقهم، وخصوصاً صيف عامي 1386هـ.

و1387هـ؛ حيث أُنشئ مقر نادي الطليعة الرياضي وبُني مقره، وكنا نساهم في خلط الطين ومناولة اللبن للمعلم (الاستاد) مساء، على نور الكهرباء أو الإنارة البدائية (التريك)، ونذهب ظهر الجمعة إلى المشتل بالسيح لتناول طعام الغداء والسباحة هناك؛ إذ كان مشتل الخرج وقتها هو المتنفس المناسب لأبناء الرياض، عوائل وعزاباً.

انتقل عملي من الرياض إلى المنطقة الشرقية عام 1389هـ، وتنقلت بين مناطق المملكة من الدمام والخبر إلى القصيم فالأحساء فحائل فالعودة إلى الرياض بعد أكثر من عشر سنوات.

مطلع عام 1400هـ جاء فريق نادي الشرق بالدلم لمقابلة أحد فرق أندية حائل، وقابلت المسؤول، وسألته عن الأخ سعد الدريهم فأفادني بأنه يعمل رئيساً لبلدية الدلم؛ فكتبتُ له رسالة، فجاءني سريعاً جوابه، ونسيت الرسالة، ولكن العلاقة عادت معه بعد عودتي للرياض، فرغم مشاغله ومسؤولياته المتعددة إلا أنها لا تمنعه من الحضور للرياض للمشاركة في أي مناسبة اجتماعية تعود لمصلحة البلد أو القيام بالواجب في الأفراح والأتراح، وكنت مع أصدقاء مشتركين نلتقي مساء كل جمعة بالرياض؛ فلا نعلم به إلا بيننا بدون أي إشعار مسبق رغم بُعد المسافة، واستمر على هذه الحالة حتى بعد كِبَره وضعف بصره، فكان يستعين بأحد أبنائه البررة كعبد العزيز وعبد الله وإخوتهما ليتولوا مرافقته وقيادة السيارة بدلاً منه، وكان كثيراً ما يدعونا ويلح بالدعوة صيف كل سنة لزيارته في مزرعته بالدلم، والبقاء معه طوال اليوم وخصوصاً وقت حصاد الزرع، وكنا نبدأ بزيارة والده - رحمه الله - في المنزل ثم نذهب معه للمزرعة.. وهكذا.

فقد كان كريماً مرحاً واسع الصدر والأفق، وقد كان الدكتور زيد الدريهم صادقاً في مقاله عنه: "يتميز بصفات عديدة من أبرزها الجانب الإنساني والاجتماعي الذي يُعتبر سمة من سمات صفاته؛ فهو يتصف بأخلاق فاضلة وتواضع جم وجَلَد وتحمُّل.. ويكرم الضيف بسخاء، ويبحث عن راحته، ذو دعابة ونكتة.. يتميز بالوفاء المنقطع النظير لمشايخه وأصدقائه ومعارفه وأقاربه.

بعد عودتي للرياض حيث كنت أعمل في الشؤون الثقافية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، وبداية تبني إصدار سلسلة (هذه بلادنا) اتصلت به وطلبت منه الكتابة عن الخرج فوافق بعد تمنع، وهكذا قدم كتاباً جميلاً عن الخرج ضمن السلسلة يحمل الرقم 40، عام 1413هـ، وتبلغ صفحاته 284 صفحة؛ ما شجعه على التوسع في بحثه وبخاصة الجانب التاريخي، وأذكر أنني قد زودته بصورة من كتاب أحمد عبد الغفور عطار (من الشرائع إلى الخرج) لهذا الغرض، ولا أعرف ماذا تم عن الموضوع؟ وبعد انتقال عملي إلى مكتبة الملك فهد الوطنية والعمل على تسجيل ذكريات الرواد ضمن برنامج (التاريخ الشفهي للمملكة) طلبت منه وبإلحاح مرات كثيرة أن يزورنا للتسجيل معه. وقد تم ذلك - ولله الحمد - في عام 1426هـ.

والآن أستميحكم العذر للعودة إلى رسالة الأستاذ سعد التي بعثها لي وأنا بحائل قبل اثنين وثلاثين عاماً، وفيها يذكر الأيام الجميلة، ويشكرني على نشاطي بالمكتب، ويخبرني بأنه يعمل منذ سنتين رئيساً لبلدية الدلم، وأنه بصدد الحصول على المرتبة الحادية عشرة، وأنه قد حصل على أرض زراعية، وأن لديه طموحاً لإقامة مشروع ألبان. وعن نادي الشرق يقول إنه قد تعرض لبعض الصعوبات؛ ما اضطره للدخول عضواً بمجلس الإدارة، ويخبرني بأن صحة والده والعائلة على خير ما يرام، وأن لديه من الأولاد عبد العزيز بالصف السادس، وعبد الله بالخامسة من عمره، وثلاث بنات، وأن الهاتف الآلي لم يصل للدلم بعد، وأن هناك سنترالاً متعباً، وطلب رقم هاتفي لكون اتصاله بي أسهل من اتصالي به.

قبل تسع سنوات تقريباً حضرتُ زواج أحد أبنائه مع بعض الأصدقاء فناقش معي فكرة إقامة صالون ثقافي بالدلم، وأنه سيدعو المحافظ والأهالي لافتتاحه، وسيكون في إحدى الاستراحات، وقد أيدته على هذه الفكرة، إلا أنني قد أبديت له رأيي بألا يعطي الموضوع أكبر من حجمه فيكفي بأن يكون لقاء أسبوعياً أو شهرياً في منزله ويطرح فيه بعض المواضيع الثقافية العامة، وطرح ما يهم البلد من خدمات واحتياجات، وهذا بحد ذاته مكسب مهم، وهو المستهدف من مثل هذه الملتقيات.

وقبل نحو عشر سنوات انتقل عمل أخي عبد اللطيف لبلدية الدلم لفترة محدودة، وقد اهتم به واحتفى مع بعض زملائه وأكرموه وتوثقت علاقتهم، وما زالت بينهم زيارات عائلية حتى الآن.

وبمناسبة إقامة هذا الاحتفال بالمكتبة العامة بالدلم وتكريمها لمن نحتفي به اليوم، وهو أستاذنا سعد الدريهم، الذي أتمنى له شفاء عاجلاً من مرض الزهايمر، الذي ألمّ به منذ سنتين، وقانا الله وإياكم شر المصائب والأمراض، فلا يسعني إلا أن أشكر مديرها الأستاذ عبد الله بن حمد البسام وزملاءه على هذه البادرة النبيلة التي أرجو أن يتبعها أنشطة أخرى تفيد وتنفع الشباب والمجتمع بشكل عام، وقد سبق أن اقترحت تحويل المكتبات العامة إلى مراكز ثقافية يزاول بها الشباب هواياتهم الثقافية المختلفة وبخاصة المكتبات الأهلية الموجودة في مدن وقرى لا يوجد بها أندية ثقافية أو فروع لجمعية الثقافة والفنون؛ فالشباب لهم علينا حق الأخذ بأيديهم وتوجيههم وتوفير وسائل العلم والمعرفة بكل أشكالها وألوانها لهم، وقلت لوزارة الثقافة والإعلام في مقال نشر قبل أيام إن إعطاء هذه المراكز الوليدة بعد دعمها مادياً ومعنوياً فترة تجربة خمس سنوات من خلال المكتبات العامة سيجعلها جديرةً بالمناقشة لتحل مشكلة الفراغ لدى الشباب، ولتكون بديلاً للأندية الأدبية ولجمعيات الثقافة والفنون.

وختاماً، أشكر وزارة الثقافة والإعلام ممثلة بالمكتبة العامة بالدلم، وأشكر كل من حضر، وأدعو من كل قلبي للأستاذ سعد الدريهم بالصحة والعافية والشفاء العاجل.

- الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة