Culture Magazine Thursday  01/03/2012 G Issue 365
أوراق
الخميس 8 ,ربيع الآخر 1433   العدد  365
 
شيء من الذاكرة عن الراحل عبدالله بن صالح الفالح
محمد عبدالرزاق القشعمي

 

عندما يرحل عنا من كان له مكانة في قلوبنا ودور مؤثر في حياتنا يترك في نفوسنا أسىً ولوعة وفي نفوس من عرفوه وقدروه حسرة.. ولكن هناك من مر ولم يعرفه إلا القلة ممن زاملوه أو رافقوه أو جالسوه وناقشوه عن قرب.. لنختصر الموضوع ونذكر للتاريخ أن هناك شخصاً نابغة ومبدعاً لم يجد من يقدره وينزله المكانة اللائقة به، وفي النهاية غادرنا بصمت وانتقل إلى رحمته تعالى ذلك هو (عبدالله الصالح الفالح) بتاريخ 22/ ربيع الأول/ 1433هـ الموافق 14/ فبراير/ 2012م في مدينته ومسقط رأسه عنيزة، وقد قرأت خبر نعيه أنه توفي عن عمر يناهز الخامسة والثمانين سنة إثر معاناة مع المرض وقد صلي عليه يوم الثلاثاء بجامع الشيخ محمد الصالح العثيمين بعنيزة، ويعد الفقيد من طلبة العلم ومن تلاميذ العلامة الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، وكان له دروس دينية يلقيها على طلابه وعرف بها..)) هكذا نشر نعيه، ولكوني قد قابلته لمرة واحدة في المسجد الجامع الكبير بعد صلاة ظهر يوم 29 صفر 1419هـ، إذ سمعت عنه الكثير من نبوغ وذكاء وسرعة استيعاب لما يقرأه منذ كان طالباً في دار التوحيد بالطائف في أواسط الستينيات الهجرية من القرن الماضي - الأربعينيات الميلادية – فكان منغمساً في قراءة الدوريات الثقافية المختلفة وبالذات المصرية منها مثل: الرسالة والثقافة والهلال وغيرها، فكان يأخذها معه إلى الفصل ويضع إحداها في وسط الكتاب المقرر ويتخذ من آخر الفصل مكاناً له، فتنبه له المدرس وهو يلقي أحد الدروس النحوية . عندما وقف المدرس على رأسه وهو منهمك بالقراءة لامه على عدم متابعته للدرس وانشغاله بأمور أخرى لا علاقة لها به، فسأله المدرس، ماذا كنا نقول ؟ فرد عليه بجواب المتابع الفاهم قائلاً له: إنك أخطأت في شرح أو إعراب الجملة التالية، والصحيح أنها كذا!! فتعجب منه المدرس بعد أن عرف أنه قد أخطأ فيما سبق شرحه للطلبة فأعفاه من العقوبة والمتابعة، وتركه يقرأ ما يشاء علماً بأنه يأخذ الأول على زملائه في أغلب الامتحانات وعندما تخرج من كلية الشريعة بمكة عام 1372هـ كان هو الأول على دفعته.

بعد أن سمعت بمثل هذه القصص وغيرها حرصت على رؤيته خصوصاً وهو يزور بلدته صيفاً إذ كان يقيم في مكة المكرمة أيام مزاولته لعمله أميناً لمكتبة مدرسية هناك.

كنت وقتها في زيارة لعنيزة لمقابلة بعض أبنائها ومنهم:

الموسوعي وصاحب الصالون الأدبي الشهير عبدالرحمن بن إبراهيم البطحي - رحمه الله - والأساتذة: محمد السليمان الشبل ومحمد العثمان القاضي وعبدالرحمن العليان وإبراهيم الدامغ وغيرهم.

عندما سألت عنه أخبرني أحدهم أن أفضل مكان تجد فيه عبدالله الفالح هو المسجد وهكذا، فبعد صلاة الظهر انتظرت حتى خرج أغلب المصلين، فدلني عليه أحدهم، فوجدته قد افترش منديلاً واضطجع عليه، فجلست بجواره مسلماً، فلما أحس بوجودي نهض جالساً ورد التحية بمثلها ووجدته قد كف بصره وبملابس متواضعة وشبه متسخة، فذكرت له أسماء بعض زملائه في دار التوحيد بالطائف ونقلت له تحيات بعضهم وبمجرد ذكر أسماء: محمد بن جبير وعثمان الحقيل وصالح الحصين وعبدالمحسن التويجري وعثمان بن سيار إلا وبدأ يبتسم ويذكرهم بالخير ويترحم على من توفي وهو الشيخ عثمان بن إبراهيم الحقيل والذي تعرض لحادث سيارة وهو في طريقه من مكة إلى الرياض في حدود عام 1392هـ رحمه الله.

وعندما ذكرت له ما سمعته من زملائه من نباهة وذكاء وسرعة استيعاب، قال: إن زملائي يحسنون الظن بي وفي ذلك شيء من المبالغة. وسألني عن بلدي وعندما عرف أنها الزلفي قال: إن بها من يسمى بالفالح ويقال: إنه يمت إليهم بصلة، فبدأ بسرد شيء من ذكرياته عندما عرف أنني أسجل معه ضمن برنامج التاريخ الشفهي لمكتبة الملك فهد الوطنية قال: إن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بعث ببعض طلبة العلم لاختيار من يرغب من الشباب الدراسة بالمدرسة الجديدة التي افتتحت مؤخراً بالطائف باسم (دار التوحيد) وأنهم قد اختاروا مجموعة من شقراء وبريدة والرس والزلفي وكان مرور السيارة (الملاحة) بعنيزة التي سيلتحق بها من يتم اختياره منها وكان أحدهم .. وقال: إنهم قد ودعوا أهاليهم وركبوا السيارة قاصدين الطائف وكان يتبع سيارتهم سيارة صغيرة بها الشيخ إبراهيم الرشودي من بريدة وكان يشجعهم ويحثهم على طلب العلم وبمجرد وصولهم إلى النفود توقفوا فوجدوا الرشودي وقد بعث من سبقهم ليعد لهم طعام الغداء، وبعد الغداء ودعهم وعاد إلى بريدة .

عندما دخلت سيارتهم رمال النفود بالقرب من الرس وتباطأت سرعتها تقافز اثنان أو ثلاثة من الطلبة هاربين ليعودوا إلى أهلهم خوفاً مما أشيع أن القصد من نقلهم ليلحقوا بالجيش ليحاربوا إسرائيل دفاعاً عن فلسطين.

وقال: إنه كان يرافق طلاب بريدة وعنيزة مدير مدرسة بريدة الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سليم نهاية عام 1364هـ، وكان مدير دار التوحيد الشيخ محمد بهجت البيطار من الشام وذكر أن والده كان مندوباً للتاجر الشهير في الشام والعراق وفلسطين عبدالله البسام وأنه كان مقيماً في حيفا بفلسطين وأنه عاد بعد الاحتلال الإسرائيلي ليعيش لدى أحد أبنائه في الدمام حتى توفي، وأن شقيقه كان يعمل بالتجارة وقد اغتيل من أحد المجرمين في دمشق قبل فترة.

وقال: إنه عمل مدرساً في مكة المكرمة وقد ابتُعثَ مع مجموعة من المدرسين إلى لبنان في حدود 1374هـ لتلقي بعض الدورات التدريبية في التعليم في الجامعة الأمريكية وغيرها. وأن آخر عمل تولاه بصحبة الأستاذ محمد السليمان الشبل عندما كان مديراً لمدرسة العزيزية الثانوية بمكة المكرمة. وكان ذلك في التسعينيات الهجرية حيث تفرغ لإدارة المكتبة المدرسية دون إلزام بالحضور اليومي، وقال: أو سمعت من غيره أن الرواتب كانت تصرف نقداً في السابق فأستبدلت بشيكات تصرف عن طريق البنك، وقد تأخر استلامه لعدة أشهر، فكان مراسل المدرسة يدس الشيك من تحت باب منزله ولضعف بصره كان يجدها فيعتقد أنها قطعة من جريدة أو كتاب فيأخذها ليسد بها أحد خروم الجدار، فذهب إلى المدرسة ليسأل عن رواتبه المتأخرة فأبلغ بأنها توضع تحت باب منزله فذهب أحدهم معه ليخرجها من فتحات الجدار.

سألته متى تقاعد عن العمل؟ فذكر أن ذلك كان على رأس القرن.

يعني 1400هـ وأنه يقيم في منزل قديم مهجور بمفرده، إذ لم يتزوج وفي هذه الأثناء حضر إليه الشاب إبراهيم مهنا التركي ؛ ليصحبه لتناول طعام الغداء. عرفت فيما بعد أن هذا الرجل قد اهتم به وحرص على مرافقته ونقله إلى حيث يريد واعتنى به عند مرضه آخر حياته حتى توفي، فجزاه الله خيراً ورحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

Abo-yarob.kashami@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة