Culture Magazine Thursday  09/02/2012 G Issue 362
فضاءات
الخميس 17 ,ربيع الاول 1433   العدد  362
 
سندريلا في غابة الجنادرية
لمياء باعشن

 

في موقعها على الانترنيت تطالعنا الجنادرية بأهدافها السبعة، وهي أهداف قيمة وجادة يتكرر فيها ذكر التراث (والموروث) الشعبي كما يتكرر التأكيد على العمل على اكتشافه واسترجاعه وحمايته من الاهمال وتعهده بالحفظ ورعايته وصقله وبلورته وتوظيفه ودفعه إلى واجهة المخيلة الابداعية. ثم يأتي الهدف السابع جلياً واضحاً في حرصه على مسرحة التراث الشعبي وتقديمه كشكل درامي:

7- العمل على التعريف بالموروث الشعبي بواسطة تمثيل الأدوار والاعتماد على المحسوس حتى تكون الصورة أوضح وأعمق، وإعطاء صورة حية عن الماضي بكل معانية الثقافية والفنية.

ألا تصيبنا الدهشة بعد كل ذلك من مسرحية للأطفال سيتم تقديمها في مهرجان الجنادرية لهذا العام عنوانها ((سندريلا في الغابة المهجورة)) ؟؟؟ هل قلت الدهشة؟ أنا شخصياً أصابني حزن شديد على هذا القحط التراثي الذي نعاني منه إلى درجة تجعلنا نحتفي في مهرجاننا المحلي الذي ينظمه الحرس الوطني من أجل الاهتمام بتراثنا وثقافتنا بحكاية مستوردة من وراء البحار.

بعد البحث تبين لي أن هذه المسرحية لم تكن موجهة للمشاركة في الجنادرية أصلاً، فهذا سيكون عرضها الثاني بعد أن عرضت في مهرجان صيف أرامكو 2011، ومعنى هذا أن جمعية الثقافة والفنون بالدمام لم تتوقف طويلاً لتسأل عن مدى توافق العرض مع أهداف المهرجان وإنما لجأت إلى نص قديم متوفر لإعادة عرضه مرة أخرى لمجرد أنه كان ناجحاً في مهرجان صيف أرامكو وحاز جوائز كثيرة (كما يقول الخبر).

ثم تابعت عرضاً موجزاً للمسرحية على اليوتوب فظهر لي أن اسم سندريلا في العنوان هو اسم البطلة الصغيرة، لكن القصة التي كتبها وأخرجها أحمد الحسن لا علاقة مباشرة لها بسندريلا المستوردة. هنا سندريلا السعودية تجد نفسها وحيدة في غابة خالية من الأهل والأصدقاء وتحاول أن تتغلب على وحشتها بمصادقة أطفال الغابة لكن تجربتها تفشل وتتعرض للخوف والرعب، لكنها وهي تصرخ تكتشف أنها كانت تحلم فتصحو من نومها وتغني.

الآن سأطرح الدهشة والتعجب أيضاً!! ما الذي دفع المؤلف إلى الاستعانة فقط باسم سندريلا دون حكايتها؟ هل هو وجود فتاة وحيدة خائفة كبطلة للعمل؟ لكن هذا نمط ناقص وعناصره الضائعة تخلق تشويشاً في مخيلة الطفل السعودي القادم إلى العمل بتوقعات محددة، فكل أطفالنا يعرفون سندريلا حق المعرفة. ما الغرض من خداعهم وإدعاء تقديم عمل مسرحي لحكاية يحبونها؟ هل يتوسل المؤلف بهذا الاسم كعنوان جاذب لمسرحيته المجهولة فيضمن الاقبال عليها؟

ما كنت سألوم الجمعية ولا مؤلف مسرحيتها إن هم اكتفوا بتقديم هذا العرض في مهرجان صيف أرامكو، أو ما شابهها من مناسبات طفولية عامة، لكن أن يتم إقحام هذا العنوان وهذه المسرحية في مهرجان الجنادرية فالتناقض لا يطاق. اسم سندريلا في عمل مسرحي سعودي سيعرض على خشبة مهرجان تراثي وطني لهو أمر معيب ومخجل، وغياب المحتوى التراثي الشعبي من حكاية المسرحية وشخوصها وحبكتها يزيد من فداحة ذلك الأمر.

وأتساءل هنا عن دور اللجنة المسئولة عن البرامج الثقافية في الجنادرية: ألا يراجعون الأنشطة المقترحة قبل اعتمادها ويقيّمون مدى تماشيها مع أهداف ومنطلقات المهرجان التراثي الوطني؟ ألم يلحظ عضو منهم هذا التنافر الشديد بين الحدث والمكان المحليين وبين العرض المسرحي الذي يحمل ملامح أجنبية بحتة؟ بصراحة تامة، هذه المسرحية لا مكان لها في مهرجان الجنادرية لا من قريب ولا من بعيد، فلا سندريلا عندنا ولا غابات، واحتفالنا الوطني يجب أن يبرز تراثنا وهويتنا وموروثنا الشعبي المحلي فقط.

المهرجان الوطني للتراث والثقافة الشعبية هو مناسبة عظيمة لتحديد ملامح هويتنا المحلية، يأتيه المواطنون من أنحاء المملكة حاملين كنوزهم الثقافية التي تميز مناطقهم لعرضها في شكل تكاملي عميق الدلالة على اتساع رقعة هذا البلاد وتنوع ثروته البشرية. هذه المناسبة الوطنية تؤصل موروثاتنا الشعبية وتحاول الإبقاء عليها وإعادة تقديمها للأجيال القادمة. ففي أي مربع ستقف سندريلا من هذا المهرجان، وأي موروث ستتمثل، وعن أي ماض ستعطينا صورة حية؟

أطفال السعودية كلهم يعرفون سندريلا، وهذا جيد، فالاطلاع على ثقافات العالم أمر ضروري ومثير، لكن السؤال الذي يؤلم القلب هو: لماذا لا يعرف أطفال السعودية بطلات وأبطال آخرين لحكايات من التراث الشعبي المحلي؟ ألدينا بطلات وأبطال؟ بكل تأكيد لدينا...

لن أتحدث عن عملي في جمع التراث الشفهي في منطقة مكة المكرمة وتقديمه في سلسلة تحت عنوان (التبات والنبات)، ولكنه عمل متوفر وبه نماذج مختلفة لشخوص طفولية وغيرها تسكن حكايات خيالية جميلة صاغها أهل هذه البلد وأثروا بها عقول أجيال وأجيال. ولا يمكن أن يغفل أحد جهود الأستاذ المرحوم عبد الكريم الجهيمان في جمع أساطير الجزيرة العربية في مجلدات ضخمة حوت الكثير من الحكايات الخيالية اللطيفة التي يتولى بطولتها فتيات يشبهن سندريلا وسنو وايت وروبنزول وغيرهن من بطلات الحكايات الغربية.

وربما ظن البعض أن سندريلا هي منتج ديزني كرتوني وسينمائي، لكنها في الحقيقة قصة من التراث الشعبي الأوروبي الذي جمعه الأخوين جريم في 1812، تماماً كما فعل عبد الكريم الجهيمان في أساطيره، وكما فعلت أنا في التبات والنبات. مشروع جمع التراث الحكائي الشعبي مشروع عالمي ضخم تدعمه منظمة اليونسكو في بلدان العالم كله، ولكنه عندنا مشروع فردي وجهد خاص لا يذهب بعيداً ويبقى حبيس الكتب. ها هي سندريلا تخرج من بين أغلفة الكتاب وتنطلق إلى ديزني وعالم الاطفال والكرتون والفيلم ثلاثي الأبعاد، ثم تجد طريقها إلى كل أشكال الفن من مسرح وأوبرا وسيمفونية وباليه وعروض سينمائية ضخمة، مرات ومرات.. فيتعرف عليها كل الشعوب، ولكنها تبقى المسيطرة على خيال الأطفال السعوديين في غياب تام لتراثهم الخاص بهم.

كان من الأجدى أن تتمسك لجنة النشاط الثقافي في مهرجان الجنادرية بأهداف المهرجان وتطالب كتاب المسرح أن يغوصوا في قصص التراث الشعبي ويحاولوا استخراج نصوص غنية يمكن مسرحتها وتمثيلها حتى يتعرف الطفل السعودي على ملامح ثروته الخيالية الشعبية بشكل حيوي ملموس. متى سيحضر أطفالنا مسرحية تحتفي بلولوة بنت مرجان وبفطيمة الغالية وغيرهما من بنات الحكايات المحلية؟ هل ستشرق علينا شمس يوم نرى فيه أطفالنا على معرفة وإدراك لمعنى أن يكون لهم تراث يميزهم وأبطال يخصونهم وحكايات نابعة من أرضهم؟

جدة lamiabaeshen@gmial.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة