Culture Magazine Thursday  24/05/2012 G Issue 374
فضاءات
الخميس 3 ,رجب 1433   العدد  374
 
هل يكون العزاء لفاروق شوشة وحده..؟!
فيصل أكرم

 

حتى هذه اللحظة، وصفحة الشاعر العربي الإفريقي الكبير محمد الفيتوري في موسوعة (ويكيبيديا) الإلكترونية الحرة المتجددة يومياً لا تزال متوقفة عند حياته ولم تذكر شيئاً عن وفاته التي كانت بصمت مطبق (كما يقول فاروق شوشة) منذ أكثر من شهرين..

شيء في منتهى الغرابة والعجب أن يرحل شاعرٌ بحجم محمد الفيتوري دون نقرأ في الصحف العربية أخباراً عن رحيله وعن سيرته وعن إنجازاته، ودون أن يكتب في رثائه أحدٌ من أصدقائه الشعراء المعاصرين له من مجايليه وتلامذة شعره..

فقط هو الشاعر والإعلامي المصري المعروف (فاروق شوشة) الذي كتب مقالاً مؤثراً نشرته صحيفة (أخبار اليوم) بتاريخ 29-4-2012 بعنوان (أنعي لكم محمد الفيتوري.. درويش الشعر المتجول) وبدأ فاروق شوشة مقالته الطويلة بهذه السطور:

(المصادفة وحدها هي التي جعلتني أعلم بهذا النبأ الحزين. كنت في جلسة من الجلسات الجانبية لمؤتمر مجمع اللغة العربية في دورته الأخيرة منذ أيام، ومعي المفكر المغربي الدكتور ميلود حبيبي رئيس مركز تنسيق التعريب بالمغرب والأديب الباحث العراقي علي القاسمي عضو المجمع المراسل عن العراق الذي يقيم ويعمل في المغرب منذ سنوات. ولما كان المغرب حاضرًا بقوة، فقد وجدت نفسي أسألهما فجأة عن «محمد الفيتوري» المقيم في المغرب منذ سنوات، باعتباره دبلوماسيًّا ثقافيًّا ليبيًّا، عمل مستشارًا ثقافيًّا لليبيا في بيروت والقاهرة والرباط، وفوجئت بإجابتهما معًا في نفَس واحد: لقد مات منذ أسابيع?!).

طبعاً كلّ من يقرأ مقالة فاروق شوشة سيعرف مدى الزمالة والصداقة التي ربطت بينه وبين محمد الفيتوري منذ كانا على مقاعد الدراسة في بداية المشوار مع الكتابة والشعر، ومع ذلك لم يعلم بوفاته إلاّ حين سأل عنه في تلك المصادفة. فكم مرة نحتاج أن نردد التعجب؟!

أنا لم يسبق لي التعرف عن قرب على الشاعر محمد الفيتوري، فلم ألتق به في أيّ مناسبة، كما أنني لا أمتلك شيئاً من دواوينه ولم أقرأ شعره قراءة حقيقية، ولكني أعرف أنه أحد كبار الشعراء في عصرنا. حتى أنني حين أقيمت لي أمسية شعرية في مدينة (صور) التاريخية اللبنانية عام 2007 بمبادرة واحتفاء من الحركة الثقافية هناك، وقد فتحوا لي قاعة كبرى قالوا لي إنها لا تفتح إلاّ للأمسيات الكبيرة والشخصيات البارزة من الشعراء، فوجدتُ نفسي أسألهم: من كان آخر شاعر فتحت له هذه القاعة؟ فقالوا لي: آخرهم من الشعراء العرب، كان: محمد الفيتوري. فشعرتُ بالفخر والاعتزاز حقاً أنني أجد من التقدير ما وجده هذا الشاعر العملاق.. (رحمة الله عليه، وعلينا جميعاً).

وأتساءل الآن: هل ارتباطه بالزعيم الليبي المخلوع والمقتول بأيدي شعبه (معمر القذافي) كان سبباً في تجاهل الإعلام العربيّ كله لخبر وفاته؟ وهل قرار الثوار الذين يمسكون بالحكم في ليبيا الآن، القاضي بإعدام كل من يذكر معمر القذافي ونظامه بالمديح والثناء، له دور في طمس كل ذكر لخبر وفاة الشاعر محمد الفيتوري فقط لأنه كان من المقربين للقذافي؟

عرفنا، في مختلف العصور السابقة، أن الشعراء هم من يخلّدون الزعماء، فهل نحن وصلنا الآن إلى زمن أصبح فيه الزعيم هو من يتحكم بمجد الشاعر فكما تكون نهاية حكم الزعيم تكون نهاية مجد وقيمة وشهرة الشاعر؟!

المسألة تستحق البحث والدراسة حول العلاقة بين الشعراء والزعماء، على مر العصور المنتهية بعصرنا، وكنتُ قد بدأتُ بشيء من التأمل حول ذلك، ولكني وجدتُ أشياء مخجلة ومؤسفة جعلتني أتوقف عن المتابعة وأكتفي بهذه المقالة القصيرة، عند هذا الحد، غير أن أخباراً من هنا وهناك بدأت تظهر، بعضها ينفي خبر وفاة محمد الفيتوري، ويصف مقالة فاروق شوشة بأنها استندت على كذبة كذبها عليه الرجلان اللذان أخبراه بموته!

ولكنّ فاروق شوشة نفسه لم يستدرك مقالته بمقالة أخرى تؤكد اطمئنانه على صديقه محمد الفيتوري وأنه لا يزال حياً حتى الآن، كذلك لم يصدر أيّ بيان من محمد الفيتوري نفسه أو من أحد المحيطين به يؤكد أن خبر وفاته مجرد شائعة..

إذاً، فما أخشاه – أو أحسّ به الآن – أنّ النعي قد يكون صحيحاً، وأن نفي صحته ما هو إلاّ أداة من أدوات التهميش الذي أرادوا به القضاء على قيمة الشاعر حياً كان أو ميتاً..

* * *

يقول محمد الفيتوري:

(شحُبتْ روحي، صارت شفقاً

شعَّتْ غيماً وسناً

كالدرويش المتعلق في قدميْ مولاهُ أنا

أتمرَّغُ في شجني

أتوهّج في بدني

غَيْري أعمى، مهما أصغى، لن يُبصرني

فأنا جسدٌ، حجرٌ

شيءٌ عبْرَ الشارع

جُزرٌ غرقي في قاع البحرِ

حريقٌ في الزمن الضائع

قنديل زيتيٌّ مبهوت

في أقصى بيتٍ، في بيروت

أتألق حيناً، ثم أرنّقُ، ثم أموت..)

ختاماً أقولُ: إنا لله وإنا إليه راجعون، في كلّ الأحوال ، وأسألُ الله حسنَ الختام.

الرياض ffnff69@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة