Culture Magazine Thursday  24/05/2012 G Issue 374
فضاءات
الخميس 3 ,رجب 1433   العدد  374
 
نعم لنموذج ليبرالي سعودي
رائف بدوي

 

يقول المفكر المغاربي الأستاذ: سعيد ناشيد في كتابه (الاختيار العلماني وأسطورة النموذج)

لو حاولوا أن يقلدوا لأوجدوا تجارب هزلية أو هزيلة مثلما فعل آخرون كثيرون، تجارب لا ذكر لها في غير موضع الأخبار والعبر.

كل إبداع جديد إلاّ ويبدو في مستهل عهده وكأنه زيغ عن الممكن، وضرب من المحال، لكن العوالم الجديدة لا تولد في العادة إلاّ حيثما يتم خرق مبدأ العادة. هوس النموذج امتداد لصورة الأب لدى الطفل القاصر وتعبير عن النموذج الأعظم والأكمل لدى الشعوب المتأخرة والنخب القاصرة.

لنترجم هذا الإعلان إلى شعار سياسي واضح، فنقول: ستكون الدولة العلمانية دولة يتيمة، ليس فقط من رعاية الغيب، وإنما ستكون دولة يتيمة من حضن واحتضان كل نموذج.

ثم ماذا؟ الوعي العلماني الأصيل لا يبحث عن أب بديل للعلمانية..

اعتراف بسيط ألا وهو أنني بعيد قراءتي لكتاب ناشيد هذا تحولت نظرتي وأفكاري بالكامل عن النموذج الغربي الصرف للعلمانية والليبرالية، فلقد كنت أنظر بفخر شديد وملء عيني بريق وتفاؤل وأنا أستعرض التجربة الليبرالية الفرنسية والاشتراكية الليبرالية لدول إسكندنافيا.

لقد جاء ناشيد بكتابه وحطم كل أصنام الآمال في أن نستورد أية تجربة ليبرالية لنطبقها في عالمنا العربي.

إذن دعونا نتفق إن أحببتم على ضرورة الابتعاد عن التقليد في كل شيء، وخاصة ما يتعلق بموضوعنا هذا. إننا نريد ليبرالية سعودية تتشكل من داخل بيئتنا، فتأخذ من ملامح هويتنا وطبيعة حياتنا ما لا يتعارض مع القواعد الأساسية لليبرالية.

إننا إذا قلنا (الليبرالية السعودية) فهذا لا يعني أننا نريد في بلادنا ليبرالية مماثلة لما نشاهده في أميركا أو أوروبا او أي مكان في العالم. لا لا نريد ذلك يا سادة، ويجب أن يتم تصحيح هذه النظرة المعاقة التي ينظر لنا من خلالها أرباب التطرف في دين الله.

كل ما نريده كليبراليين سعوديين هو رفع سقف الحريات الفردية بطريقة حضارية راقية، وعدم تدخل الإنسان في حياة غيره، وأن يكون نظام الدولة وحده المحاكم للفرد إذا ارتكب ما يخالف القوانين والأنظمة.

ومن المهم التنبيه على أن كلامي السابق لا يعني أننا ضد جميع القيم الليبرالية الناتجة من واقع التجربة الغربية والأوروبية بشكل مطلق، بل نأخذ منهم ما نراه مفيداً ونافعاً لنا، ولكن دون أن نجعلهم نموذجاً نحتذي به في كل شيء.

هناك فرق كبير بين الأمرين، بين أن تجعل غيرك مثالاً تحتذي به بشكل كامل، وأن يكون لك شأنك الشخصي وهويتك وملامحك المجتمعية الخاصة بك، ثم تأخذ من الآخرين ما يعجبك، والحكمة ضالة المؤمن كما تعلمنا منذ الطفولة.

يعجبني كثيراً عندما أجد إنسانا متديناً يقول أنا ليبرالي، ويعجبني أيضاً إذا وجدت إنساناً متمسكاً بثقافة مجتمعه وتراثه وموروثاته الاجتماعية والقبلية والأسرية والدينية والتاريخية وغيرها من العادات والتقاليد والخصوصيات التي يقتنع بها.. يعجبني كثيراً هذا المتمسك عندما يقول (أنا ليبرالي) أحترم الجميع ولا أرفض الآخر أبداً، ولا أتصادم مع أي مواطن في بلادي مهما اختلف معي في ذلك التراث الذي أحبه وأتمسك به، فلكل واحد منا حريته الكاملة في العيش الكريم بالصورة التي تناسبه وتقنع عقله، حتى وإن اختلفنا في المذهب أو الفكر أو الأقوال والأفعال الشخصية والقيم والمبادئ التي يتبناها كل واحد منا ويؤمن بها.

همسة:

ليس شرطاً أن يكون الليبرالي السعودي نسخة من الليبرالي الفرنسي أو الأمريكي أو الكندي أو الأسترالي كما يتوقع البعض، ولكنه يجب أن يطبق في حياته أسس الليبرالية وقيمها السامية التي تكفل الاستقرار لجميع البشر وتحقق لكل مجتمع يلتزم بها التقدم الحقيقي المنشود تحت مظلة الأخوة الاجتماعية التي تجمع كل أطياف المجتمع بغض النظر عن ألوانهم وأشكالهم وأفكارهم وأنسابهم وأعراقهم ومذاهبهم الفكرية أو الدينية.

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة