Culture Magazine Thursday  24/05/2012 G Issue 374
قراءات
الخميس 3 ,رجب 1433   العدد  374
 
كتاب الفقه المدرسي وتفاصيل بلا معنى
أحمد اللهيب

 

لا أطرح هنا رأيًا فقيهًا، فلست من أهل هذا العلم، وليرح كلٌّ حصانه عن الصهيل في وجهي!. وإنما أتناول موضوعًا تربويًا تعليميًا يهم الطالب في مراحله الدراسية التعليمية، وهنا أخص مادة بالحديث (نموذجًا) كتاب الفقه للصف الأول المتوسط، ولعل القارئ أن يتأنى معي قليلاً لنحدد بعض الملامح الطبيعية لنمو الطالب في هذا المرحلة، فالطالب يعبر محيط الثالثة عشرة من عمره، وتبدو ملامح عقله متنازعة بين مرحلتين الطفولة والمراهقة، ولا شك أن تاريخنا العربي الإسلامي حفل بعدد من النوابغ في هذه السن، ولكنّ الاستثناء يكون في ظروف المجتمع والحياة التي تغيّرت وتغيّرت طرائق استجابتنا للعلم معها. وإذا كنا نؤمن إيمانًا قطعيًا بأن العلم في الصغر كالنقش في الحجر، فذلك مدعاة للنظر والتأمل في أن سنّ الحفظ والمذاكرة يبدأ مبكرًا، إذ يكون العقل فارغًا من مشاغل الكِبَر والتقدم في السن وحاجات النفس ودواعي اللذة والبحث عن المال، ومن لم يحفظ صغيرًا فإنه لا يحفظ كبيرًا! هكذا تعلمنا وجربنا وجرب غيرنا، فصياغة النفس البشرية تبدأ من نعومة أظفارها لتسعد في خشونة أناملها!.

هذا كلّه مما يُدرك ولا يخفى على عاقل، ولكن في هذا الزمن أصبحت قراءة مقال مثل هذا متعبة وتفاصيله مزعجة، ولا أعجب إن لم يقرأه أحد غيري!. فكيف الحال في الكتب المدرسية التي تغرق في تفاصيل دقيقة تدخل في دائرة الاحتمال والممكن، وقد تكون نادرة الوجود فتصبح من (العلم المضنون به على غير أهله)!.

هذا الكلام ينطبق على كتاب (الفقه) للصف الأول المتوسط، ففي موضوعاته المقررة (سجود السهو) ويشمل 11 صفحة، صلاة التطوع ويشمل 12 صفحة، وفيها تفاصيل 8 صلوات أخرى. صلاة الاستسقاء وصلاة الكسوف وتشمل 12 صفحة، وصلاة الجماعة في 8 صفحات، وموضوع الإمامة والائتمام 11 صفحة، وصلاة أهل الأعذار في 12 صفحة، وصلاة الجمعة في 8 صفحات وصلاة العيدين في 9 صفحات والجنائز 10 صفحات، هذه موضوعات الكتاب، وهو كتاب قيم إذا علمنا أن هذه الموضوعات مهمة في حياة المسلم، وأن نتعلم أصولها من صميم حياته اليومية والأسبوعية والسنوية. لكن أين القيم الروحية والقيم الإنسانية من هذه الموضوعات؟، فكل الكتاب يحتوي تفاصيل دقيقة ربما يجهلها المعلمون والمعلمات على حد سواء، بل قد أشك إن كان يدرك معظمهم تفاصيلها ودقائقها. وللقارئ أن يعود معي إلى موضوع واحد فقط، وهو موضوع (الإمامة والائتمام) ففي صفحة 55 من الكتاب يجد القارئ تفاصيل أحوال المأموم مع الإمام، وهي أربع حالات (المتابعة، والموافقة، والمخالفة، والمسابقة) مع عرض أحكامها وأدلتها، وإن العجب يقف بي موقف الدهشة من ذكر هذه التفاصيل، التي لا حاجة للطالب بها، فإذا عرف أن المأموم يأتم بالإمام ويجب عليه المتابعة فقط مع الدليل الصحيح لكفى!، وبخاصة أن هذه التفاصيل تدرس للطالبات أيضًا، ولا أعلم هل واضع المناهج يدرك أن المرأة لا تصلي جماعة إلا في حالات قليلة مثل رمضان أو في مكة والمدينة، وقليل من يفعلها في السفر مع أهله؟!.

هذا مع غياب القيمة الإيمانية أو الروحية للإمامة والائتمام فلا تذكر ولا يشار إليها في الموضوع، مع أن الطالب في هذه السن يغلب عليه الجانب العاطفي المثير.

فواصل مهمة:

1- يجب على وزارة التربية مراجعة كتب الفقه لتعزيز الجانب الإيماني للعبادات.

2- أتصور أن وضع كتاب خاص بالطالبات أمر ملح، وبخاصة لمثل هذه الموضوعات التي لا تعني المرأة إلا نادرًا.

3- الابتعاد عن تفاصيل الأحكام وتعزيز القيم الروحية مطلبٌ ملحٌ.

تساؤلات:

1- إذا كان الطالب منذ مراحل مبكرة يتعلم كل هذه الأحكام الفقهية، فلا بدّ بعد ذلك أن يصل إلى مرحلة من الفقه بالدين بعد وصوله إلى نهاية المرحلة الثانوية، لكن الواقع يقول غير ذلك، فلماذا لا يخرج الطالب عالمًا؟.

2- على الرغم من كل هذه الدقائق الفقهية التي يتعلمها الطالب في أدق الأمور إلا أنه في حال التطبيق والواقع العلمي لا يدرك أشياء كثيرة منها، لأن هذه العبادات تحوّلت إلى عادات تُؤدى من غير إحساس بها، فلماذا؟.

3- بين التارة والأخرى يخرج برنامج ديني جديد مختص ب(الفتوى) أو متخصص بها، ولا ضير في ذلك إلا أن هذا دليل على أن ما تعلمه الطالب في كل هذه السنوات من الفقه بهذه الطريقة لم يؤثر على حياته ولا حياة من حوله، ولذا يلجأ الناس للفتوى والبحث عنها؟!

4- في كتاب فقه للصف الأول المتوسط كتبت عبارة (قام بتأليفه مجموعة من المختصين) والحقيقة أن الكتاب لا يوجد فيه أي ملمح مشوقٍ للطالب، فهو كتاب جاف يفتقد للروحانية والإيمانية. وإني أتساءل لماذا لم توضع أسماء المؤلفين؟. لأني أشك أن بعض الأساليب الموجودة في الكتاب مرّت على مدقق لغوي!.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة