Culture Magazine Thursday  29/11/2012 G Issue 387
أقواس
الخميس 15 ,محرم 1434   العدد  387
 
التقنية وثقافة الاختصار.. حدود الإفادة وإشكالات التسطيح

 

الثقافية - خلود العيدان

أشبعنا الاختصار ركلاً وضرباً وتمجيداً وتنوعت الأسئلة حوله مابين إن كانت المئة والأربعين حرفاً في تويتر تسطيحاً لثقافة القارئ أم دعماً له وفي اقتباسات سريعة (لثقافة الاختصار) عند (*) محمد بدوي عن تويتر تحديداً ولدى (*)عبدالصمد غازي تأريخاً وتفنيداً سنجد لحكاية الاختصار زوايا أخرى!

ذكر غازي أنه عيب على الثقافة الإسلامية في كثير من الأحيان، وعند عدد غير قليل من المنظرين لنهوضها وحداثتها، شيوع ما سمي بالمختصرات، والتي كان يروم أصحابها تقريب العلوم، من أفهام المبتدئين السالكين في دروبها الوعرة، بحيث عملوا على تذليل صعابها وتسهيلها من أجل مقصد الإفهام والاستيعاب، واعتبرت بهذا الغرض ذات أهداف ديداكتيكية محضة، ولم تكن عنوان الانحطاط واندحار العلوم وطغيان التقليد، إلى غير ذلك من شتى الصنوف والنعوت السلبية مشيراً إلى أن والمتأمل لتلك المتون والحواشي والتذييلات وغير ذلك من المصطلحات التي برع الأوائل في نحتها وصناعتها واشتقاقها، عندما كان الفكر طاقة مبدعة ولادة تنتج وتخترع من المناهج والعلوم ما به يتوصل إلى تحصيلها وتعلمها، يجد بأنها في حد ذاتها علوم تسبح بك في مجالات متعددة، من علوم رواية ودراية وآلة تنم عن تمكنِ مَن تصدى لاختصار علم من العلوم، فهي مهمة ليست بالهينة، لأنه لا يجرؤ على اختصار علم وتبسيطه إلا من حاز درجة عليا من الإحاطة الشاملة بمسالكه ومقاصده وأغراضه والتمكن في صناعته.

و في شرح بدوي عن سبب اكتفاء موقع (تويتر - Twitter) بهذا العدد من الحروف ذكر « أن فكرة الموقع الأساسية كانت للتكامل مع الرسائل النصية (SMS) عبر مزودي خدمة الهاتف بحيث يكون الموقع هو منصة لتوزيع هذه الرسائل بين الأصدقاء لمعرفة أخبار بعضنا البعض، وكما نعلم بأن الحد الأقصى لعدد حروف الرسالة باللغة الانجليزية هو (160) حرف فإن موقع (تويتر - Twitter) قام بحجز ما مقداره (20) حرف ليكون أسم المستخدم - المرسل وأبقى على (140) حرف لتكون الرسالة وبهذا يكون المجموع (160) حرف، وبعدها تغيرت طريقة الموقع بدلا من الاعتماد على رسائل الجوال ليكون الموقع هو أساسا المنصة الرئيسية للتواصل وتوزيع الرسائل بالاعتماد على تطبيقات (عميل - client) على الهواتف الذكية ولم يبقى ذلك العائق التقني ولكن أبقى الموقع على هذا الحد من الحروف واشتهر به»

وأشار بدوي إلى أن البعض اتهم مواقع التواصل الاجتماعي بأنها سبب لتسطيح ثقافة الناس لكون الأفكار أصبحت مجردة مختصرة بعدد قليل من الكلمات حتى يمكن نشرها، بل إن من أسوئها هو احتمال فهم الكلمات في حال لم تكن مصاغة بشكل واضح جدا جدا بحيث يسيء البعض فهمها واحتمال أكثر من معنى لها وتأتي الطامة أيضا عندما يضطر البعض لشرح أو تبرير موقف معين فيقع في فخ الاختصار مما يقلب عليه الناس وخصوصا المشاهير منهم الذين لم يتعودوا على الاختصار فالكثير من الكتاب كانت محدودية المقالة في الصحف والمجلات التي تكون ما بين (200 - 250) كلمة غير كافية لشرح ما لديه فما بالك بـ(140) حرف والتي لا تتعدى (20) كلمة بالمتوسط.

لنعود لغازي مؤكداً أن الاختصار ليس علامة اندحار فكري وليس مؤشرا له البتة، لأنه آلية من آليات العقل التي بها يقع انتقال العلوم بين الأجيال، ويحصل العناية بها وحفظها من الإهمال والنسيان. فالجمود وصف يتعلق بفاعلية العقل ككل، وهو عندما يتوقف فعل الإبداع فيه يصير مقلدا للأوائل أو الأواخر في عجز تام عن الإتيان بجديد مستوفز للهمم، فالعيب ليس في منهجية الاختصار، إذ العقل الإنساني أبدع، في هذه المضامير وما زال، ما به يقتدر على الفهم والتحصيل والتوصيل، والعقل الإسلامي توصل إلى ما عرف بالمنظومات والشروح الصغرى والمتوسطة والكبرى وغيرها من المناهج التقريبية، بل كانت أنواع هذه التبسيطات والاختصارات مجالات يُبرِز فيها العلماء سعة معرفتهم،وموسوعية اطلاعهم، إذ لا تجد متنًا أو أصلا علميًّا إلا تداولته شروح كثيرة، هي بمثابة فهوم جديدة، تبرز كفاية اجتهادية تلتزم الأدب مع النص المؤسس وتتجاوزه في نفس الوقت، وهو شكل من أشكال مراعاة أخلاقيات العلم دأبوا على ترسيخها تجنبا للتنطع والتسرع، والتطرف والشذوذ، حيث تكون الطفرات العلمية المرجوة، مبنية على أساس التراكم ونقل الخبرات، والفحص والتمحيص العالم والبناء، وليس المتعالم الهدام.

ويظل السؤال قائماً وإن تعددت الأجوبة، هل ماقل ودل هو طريق سريع يوصلنا لروما؟ وهل ما نرفضه لابد أن نزج به في ساحة الاتهام!.

* * * *

(*) ثقافة الاختصار بـ140 حرفًا فقط http://www.badwi.com

(*) ثقافة الاختصار http://www.massarate.ma


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة