Culture Magazine Thursday  29/11/2012 G Issue 387
فضاءات
الخميس 15 ,محرم 1434   العدد  387
 
العيد... القوة الناعمة
محمد عبد الله الهويمل

 

الاحتفال في الأصل اللغوي هو التجمع وليس نشاط هذا التجمع، بمعنى أنه رقم لا أكثر، واشتقاقاته اللغوية تمضي في هذا التحديد الدلالي. ومع اختمار هذه الكلمة في ضمير المعجم والتداول طرأ عليها تبديل طفيف حيث اكتسب الاحتفال دلالة الملازمة، وانتهت إلى أن الاحتفال عدد يمارس نشاطاً لا يتم بدون تجمع حي يبدأ من اثنين إلى ما لا نهاية.

العيد توفر له الشرطان: الرقم، والنشاط المعبر عن مشتركات يجري إشهارها بوسائل إعلانية مدوية تبلغ القصيّ لا ليعرف، بل ليعترف بهذا الرقم من خلال نشاطه المنظم.والتنظيم ضروري لتعبير عن حضور الجماعة في الخريطة الاجتماعية أو الإنسانية الكبرى, ولا تكاد تخلو أمة مهما بلغت من تقدمها أو تخلفها من العيد.

العيد في لغة العرب مشتق من العودة أو الإعادة أي التكرار، وهو يعمل في هذه الوظيفة الدلالية حتى عند الأمم الأخرى دون أن يسمى عيداً، لأن التكرارية صفة لازمة فيه ولا تتم متعته دون تحديد زمان معين يحفظ هيبة الاحتفال وهيبة قيمته الثقافية.

وأقر الله عيدين للمسلمين على نفس القدر من التعبئة والتعبير من تجمع وصلاة وتهانٍ ومشاركة منظمة في تناول أطعمة بالتنقل الحرّ بين الصحون التي يقدمها الجميع كشكل من أشكال إبراز القوة الاجتماعية بالتحلق على الصحن.والصحن بشكله الدائري يقتضي التحلق أو الحلقة التي تعطي دلالة أخرى للتراص والانتظام في ممارسة تناول الطعام.

الطعام هو الآخر تعبئة وتقوية جسد للاستمرار في نشاط قادم يخدم الفرد والجماعة فضلاً عن لذّة المأكول حيث يتنافس الجميع في تقديم أفضل ما لديهم ما يشي بحضور ما يمكن تسميته بـ(قوة الجمال) والتسابق في إبرازها.

عيد المسلمين ينطلق من مسجد وعبادة، وتسمى صلاته (صلاة العيد)، يؤدي المسلم صلاته بعد أن لبس زي الاحتفال المتمثل في ثوب وشماغ جديد، أي أن الفرح يبدأ من صلاة (جماعة)، ما يعزز من القوة الناعمة لهذه المناسبة.

اللبس الجديد في العيد يمنح معنى الطموح والأهلية لأن أكون سيداً، وأن تأتي بالجديد يقتضي أنك سيد على القديم وأنك قادر وبيسر على إصلاح مظهرك إذن أنت إصلاحي، وحقوقي بالاهتمام بأحوال الناس والفقراء.

العيد سعيد، والسعادة سيادة وانتصار على حزن، وتم عبر إجراء احتفالي مادي مدو، كثّف معنويات المنتصر.ومظاهره كثيرة كالرقصة بالسيف المسماة بالعرضة والتي تسمى أيضاً رقصة الحرب، والتي تحضر في العيد، ما يشي بأن العيد قوة ناعمة وإعداد عبر الرقم والمعنويات لإعادة فهم ثقافة تنظيم الأفراد في سبيل عسكرة ناعمة للهوية, وقد سمي اليمين بالسعيد أي القوي بالسعادة، لأن الدول لا تسمى أو توصف بغير ألفاظ القوة.

الفرح هو عسكرة المشاعر تجاه مغلوب، أو توثب إلى غلبة مغالب.ولا يخلو شعور بالفرح من طرف متراجع أمام قوة الفرح، فالفرح بالنجاح هزم الفشل والفرح بالعافية لهزيمة المرض والفرح بالأكل لهزيمة الجوع والفرح بالوحدة لهزيمة الفرقة والفرح بالخير جاء لهزيمة الشر.. إذاً الفرح قوة مقاومة داخلية لا تخطئ مغلوبها.

Hm32@hotmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة