Culture Magazine Saturday  05/10/2013 G Issue 414
فضاءات
السبت 29 ,ذو القعدة 1434   العدد  414
 
رؤية
الكلب الأسود لا يستطيع الطيران
فالح العجمي

 

هل تتعاطى المؤسسات العامة في البلدان العربية المعنية بالصحة النفسية لأفراد المجتمع مع واقع مجتمعاتها، وتتابع التغيرات التي تحدث في أحوال الناس، وأحاسيسهم إزاء إيقاع الحياة من جهة، وكذلك إزاء المحيط البشري الذي يعيشون فيه من جهة أخرى؟

فإذا أبحرنا في شرق الجغرافيا العربية وغربها، لا نجد إلا أحزاناً تترك آثارها على نفوس الناشئة على وجه الخصوص؛ حتى وإن لم يظهروا ذلك في تعبيرات لفظية أو ردود فعل حسية. فالأحزان الناشئة عن يأس أو عجز أو ضيق بالأوضاع المعيشية تحفر في اللاوعي خارطة لمعاول هدم الذات من الداخل؛ وفيما يقول المحللون النفسيون، أنه لا أخطر على المجتمعات من وجود مثل هذه العناصر في فئة الشباب العمرية على وجه التحديد.

جلست مع مجموعة متنوعة يمثل أغلبها العالم الغربي والعالم الآسيوي المتقدم؛ فكانت جلّ أحاديثهم وأطروحاتهم تتناول المستقبل، والتغيرات الممكنة في الكون من حولنا (ليس على الأرض فقط، بل أيضاً في كواكب المجموعة الشمسية، التي قد تكون مستقراً لهجرة البشر إليها مستقبلاً)، وما الذي يمكن أن يفعله البشر الآن لتوفير المناخ الآمن للأجيال القادمة؟ وما الأخطار التي يجدر بمؤسسات الدراسات المستقبلية أن تعنى بها، وتضعها في أولويات أصحاب القرار في كل بلد على حدة، وفي المؤسسات الأممية المعنية؟

وكنت قد استمعت قبل هذه الجلسة بأسابيع إلى ما يدور في ردهات التفكير العربية شرقاً وغرباً؛ فكان التفكير منصباً على الماضي، ومن هو الصحيح في نقله وتطبيقه، ومن الذي حفظ تراثاً نقياً، أو له حق إرث سماوي؟ ولم تهبط كلمة «المستقبل» على أرض النقاش، إلا من أجل الوعيد، بأن الفئة الأخرى لن تكون موجودة في مستقبل قريب، وكانت عبارات «مزبلة التاريخ» و»أصحاب البدع» و»أحزاب...» هي المهيمنة في وصف الآخر (المجاور) والتأليب عليه.

بالنسبة إلى شخص مثلي، أقصى ما يصاب به سيكون الاشمئزاز من أوضاعنا ومن مناقشتها، أو التفكير في حلول لها، لأن البشر وكذلك المؤسسات تبدو جميعاً في عجز تام عن استيعاب الحالة، ناهيك عن التموقع في المكان الصحيح، أو التداول في الحلول. لكن اليافعين، وكذلك الخاضعون لسيطرة مؤسسات التأليب وأنصاف الأميين، لن يكونوا بمنأى عن آثار عظيمة من جراء النظر إلى تلك الحالة المستعصية. فإما أن ينجرفوا مع التيار، ليكونوا ضمن معاول الهدم، أو أن يصابوا بالإحباط، الذي قد يؤدي ببعضهم إلى الانتحار الجسدي، أو نحر العقل، والعيش كقطعة خشبية طافية على المياه، تحركها الرياح حيثما توجهت. وإذا خيّم هذا السواد على عدد كبير من أفراد المجتمع، فإنه يكون قد ولّى إلى غير رجعة؛ إذ سيكون مجتمعاً مأزوماً وموبوءاً بالاكتئاب (أو ما يطلق عليه: الكلب الأسود).

فهل تسعى أي من المؤسسات المعنية إلى تلمس الطريق، لكيلا تتكالب الظروف على أفراد مجتمعاتها، وتغلق الأبواب في وجوههم؟ وهل تساعد أفراد المجتمع المعرضين لها على التخلص من أن يجثم ذلك السواد على صدورهم، ثم على نفوسهم؟

آمل ألا يكون تفكيرهم بالطريقة القدرية، التي يدير بها كثير من المسؤولين العرب أمورهم، وما تحت أيديهم من مسؤوليات. فإذا اقتنع جمع من الناس، ممن يؤمنون بروح المبادرة، وكانوا على قدر من الشجاعة والقدرة على اقتحام سكينة المسؤولين عن ذلك التكاسل، فإنهم سيكونون رواداً للتغيير، الذي لن يهبط بأي حال من السماء، كما يروّج من خدروا المجتمعات العربية عقوداً من الزمان. فالنظريات لا بد أن يكون لها عناصر عملية، وإلا ستبقى سيمفونية تجلجل في رؤوس من يصدرونها، دون أثر في الواقع.

- الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 9337 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة