Culture Magazine Thursday  13/06/2013 G Issue 410
فضاءات
الخميس 4 ,شعبان 1434   العدد  410
 
أبيض غامق
(واحد طَشْ)
نورة المطلق

 

استيعاب الحياة وتقبلها على النحو الفلسفي، والوعي المُشَرّب بالخبرات المُرَاكَمة، والمرض، والصحة، والخيبات، والفرح، من شأنه أن يفسد بساطة الأشياء اليومية، ويورّث هذا الإفساد لكل موقف في نطاق الحياة بطريقة لا تستطيع معها إلا أن تقبل بهذا الإفساد الذي يزيد من قوة الضوء على التفاصيل وكأنه ينحتها حتى تبدو له الخطوط الأولى والتصميم الأولي.

هذا الاستيعاب مؤلم لدرجة فقد الإحساس بمتع الحياة الصغيرة فلا يقف بنا في منطقة تقاطع الدائرتين، بل يقلب الشكل تماماً وكأنه يريد للأشياء أن تكون على درجة شفافة مثالية لا يغتفر لها أن تكون بطبيعتها أو ما أصبحت عليه بعد طبيعتها. لن أقول انه استعلاء الروح المثالية أو التي تُحَكّم الأشياء وفق معاييرها التي لن أقول أيضاً انها تنتقص الواقع، وإنما لا تستطيع تقبله في أحيان متفرقة لأنه يبدو خارجاً عن الذي يجب أن يكون عليه! أتساءل أحياناً ما الذي سيحدث؟! ليُهدر الآخرون أوقاتهم، ولا يلتزموا بمواعيدهم، حتى مع المنبه الذي يضبط نفسه ويأبون إلا أن يتأخر بخمس دقائق!؟ وليكتبوا بإملاء سَام وأخطاء لا تُخْطَأ! ما الذي سيحدث لو ننسى قليلاً أن الأطفال يموتون في كل لحظة ويختفون والعالم ما زال يلعب لعبة (واحد طَشْ)!؟ أو أن تلبس إحداهن ما خصص لطفلة في الخامسة والسادسة من العمر، ولا تبدو مضحكة!؟ أو أن تخطئ الدكتورة في (spelling) لكلمة بسيطة!؟ وأن الكثير من الأشياء لم تكن في أماكنها قَدَراً، ولم تُغَيّر بدعاء بعد ذلك!؟

ثم أتساءل أخرى، هل ثمة أشياء خلقت لكل هذا التبديد!؟ الماء، والكتابة، والوقت والمال، والمشاعر!؟ هذه المجانية السائغة مستفزة لمسافة أن يأتي رد الفعل حاجة للمثالية أو الفلسفية الحادة، وبالنتيجة إفساد العيش الطبيعي، أو السكوت تماماً والعزلة المُصَمِّغة!

كل الأشياء تحتاج لنقائضها لتحيا، ولبعضها البعض وإن احتجنا نحن لبعضها فقط، إلا أنني أشعر بفزع حقيقي حين تهدر وتستباح بلا جدوى ضئيلة حتى! وتعييناً (الوقت) هذا الذي أحلم كثيراً لو احتفظت ببعضه في علبة زجاجية لحين الحاجة إليه - كما تفعل جدتي بكُرات البَخور الصغيرة -؛ لأتمكن من استيعاب بعض نطاقات الحياة بشكل لا يفسد علي تقبلها.

- (واحد طَشْ): لعبة قديمة. تعرف في الحجاز وأماكن أخرى بـ(الاستُغُماية).

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة