Culture Magazine Thursday  13/06/2013 G Issue 410
فضاءات
الخميس 4 ,شعبان 1434   العدد  410
 
التاريخ المسكوت عنه للحبّ
يوسف عبدالعزيز

 

المتتبع للتّراث الشّعري العربي القديم والمعاصر، وكذلك لتراث (الغناء) العربي أيضاً تُبهره صورة العاشق القاتل السّفاح الذي يبطش بالمحبوب، ويصرعه، ويقضي عليه، حتى ليتحوّل الحبّ بفعل هذا القتل من كونه عاطفةً إنسانيّة نبيلة قائمة على الشعور بالغبطة والأمان، إلى ساحة حرب شرسة تدور بين (عدوّين) لدودين طرفاها العاشقان!

الأمثلة على حالة الحبيب القاتل كثيرة في الشعر، فهذا امرؤ القيس يقول في معلّقته:

«أغرّكِ منّي أنّ حبّكِ قاتلي

وأنّكِ مهما تأمري القلب يفعلِ»

أمّا جرير فيقول:

«إنّ العيون التي في طرفها حورٌ

قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا»

وقد عدّت العرب هذا البيت من أجمل ما كُتِبّ في الغزل! مثال حديث يمكن أن نسوقه من إحدى قصائد نزار قبّاني التي يغنّيها كاظم السّاهر، حيث جاء فيها: «قاتلتي ترقص حافية القدمين، في مدخل شرياني». في الغناء نجد الأمر أكثر سوءاً، فهذه المطربة وردة تهدّد وتتوعّد (المحبوب) في إحدى أغانيها حين تقول: «جرّب نار الغيرة، جرب ليلك يبقى نهار، تحتك شوك وعيونك نار».

حالة العداء اللفظي بين العاشقَين، ربّما تتطوّر في بعض الأحيان إلى حالة من العداء الحقيقي، التي تدفع العاشق إلى ارتكاب فعل القتل! وهناك أمثلة عديدة في هذا المجال، ولعلّ ما حدث مع الشاعر ديك الجنّ الحمصي يوضّح شيئاً من ذلك التاريخ المسكوت عنه، والذي يمكن أن نسمّيه التّاريخ الدّموي للحبّ، فعبر قصيدة كاملة كتبها هذا الشاعر العاشق، نجده يدلي باعترافاته كمجرم قام بقتل حبيبته (ورد):

«أجريتُ سيفي في مجال خناقها

ومدامعي تجري على خدّيها

روّيتُ من دمها الثّرى ولطالما

روّى الهوى شفتيّ من شفتيها

فوحقّ نعليها وما وطئ الثّرى

شيءٌ أعزّ عليّ من نعليها

ما كان قتليها لأنّي لم أكن

أخشى إذا هبّ الهواء عليها

لكن ضننتُ على العيون بحسنها

وأنفتُ من نظر الحسود عليها

طبعاً توقّف النّقاد والقرّاء على حدٍّ سواء منذ ذلك الزّمن، إعجاباً بذلك الشعر الذي كتبه ديك الجنّ في هذه الواقعة الفانتازية، ولم يلتفت أحد منهم إلى الجريمة البشعة التي جرت بحقّ ورد!

الغيرة قد تكون سبباً في شيطنة المعشوق عند العاشق، حيث تعمل على سدّ الفضاء في وجهه، وتحقنه بمزيد من الشّعور بالكراهية تجاه أقرب الناس إليه. إنها نوع من المرض والإحساس غير السّويّ الذي يتلبّس العاشق، ويجعل حياته جحيماً، ممّا يدفعه إلى الاعتداء، وارتكاب الجريمة في بعض الأحيان. هناك شعور طاغٍ بالامتلاك لديه، والمرأة المعشوقة مجرّد شيء في مملكته الواسعة، وخروجها على حبل الطّاعة أو توقّفها عن حبّه أمر يدعو إلى الغضب وربّما إلى شحذ الخنجر! غير أنّ الغيرة ليست سوى عامل صغير في غمرة هذا الجنون الذي يتلاطم في هذا البحر المضطرب الذي يسمّونه الحبّ، فالعيون قاتلة، والنّظرات بمثابة سيوف تُسحب من أغمادها، والعناق الجسدي مواقعة وطِعان.

هل يمكن أن تكون النّظرة الذّكوريّة تجاه الأنثى منذ امرئ القيس حتى الآن سبباً في كلّ ما يُثارحول هذه الحرب التي تجري فصولها على مسرح الحب؟ لو ناقشنا الأمر برويّة لاتّضح لنا أنّ المرأة لا تشنّ الحروب، وأنّ الرجل هو صاحب الباع الطويلة فيها، ولذلك فأنا أعتقد أن المسألة برمّتها هي مجرّد حيلة ذكوريّة ابتدعها الرجل لصدّ أيّ محاولات من قِبَل المرأة من أجل نيل حقوقها.

Yousef_7aifa@yahoo.com فلسطين

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة