Culture Magazine Monday  22/10/2007 G Issue 219
فضاءات
الأثنين 11 ,شوال 1428   العدد  219
 

بعض من عرفت! «4»
عبد الفتاح أبو مدين

 

 

.. وتابعوا معي هذا السرد الذي كنا نقرأه في عصور الانحطاط والجهل.

(وأحملها شموعاً مضيئة إلى من لم يسبق له معرفته، ولم يقرأه أديباً شاعراً وناثراً، ولم يظفر بلقائه، ولم يشهد ندوته، ولم يسعد بالحديث معه، فهذه سيرته).. وتركت الخواتيم في سطور بقيت.. وأرجو أن أعذر إذا حادثت صاحبي، بأن هذا الزخم الغث من تلكم الكلمات، لا يقبلها أستاذ يدرس الإنشاء في مدرسة أولية في العصور الخوالي أو سمها عصور الركود، والتراكمات الساذجة! وكل هذا يا أستاذ يا شاعر إهداء، وكل يسعك أن تقول تحت ذلك العنوان - كليمات -: إلى الذين عرفوا هذا الأديب المجيد ذي الخلق العالي، وكل الذين لم يعرفوه، فليقرؤوا سيرته، أدبه التي أقدمها عبر كتابي، وهما جهد محب ومجتهد.. لو فعل هذا الحبيب الكاتب، لأحسن، وهو قد أحسن بما كتب عن رجل عزيز غال، فيه كل الخصال الحميدة التي يتمنى كل من يحب ذاته أن تكون له، وأعتذر للأخ الأستاذ أحمد، وقد بلغني أنه مريض، أرجو الله أن يدفع عنه الداء ويعافيه، وأنا مضطر أن أقول ما تراءى لي مكرهاً، وإلا فلا أكتب.. وأردد أن المؤلف العزيز أحسن فيما صنع لمواطن كريم، ونحن أصدقاؤه الكثر لم نستطع أن نجاري الجهد المشكور للأستاذ باعطب.. وتمنيت على الأخ أحمد أن يضيف إلى هذين المجلدين في محتواهما، نصوص الكلمات التي قيلت في تكريم الرفاعي، في اثننينية الأستاذ عبد المقصود خوجه، والنادي الأدبي الثقافي، فهما لن يزاحما الكتاب، وهو إكمال لجميله، ولا أحسب أنه نسي ذلك، وهو قد حضرها وشارك وبارك.

ويؤخذ على الأستاذ باعطب اندفاعه غير المتوازن وهو يتحدث عن الأستاذ الرفاعي وملتقى الخميسية، فأجده يقول في ص 122: (إني أعتب على أدبائنا ومثقفينا، الذين لهم علاقة بالصحف وصحفيينا في عدم حضور هذه الندوة الثقافية العلمية الأدبية التي - عجزت النوادي الأدبية - عن إقامة مثلها).. وهذا افتراء وعيب أن يقول هذا رجل إذا كان يتحدث في اتزان ويخاطب عقلاء يزنون ما يقوله باعطب وغيره بلا دليل، بل العاجز هو الذي يقدم هذا القول.. وفي العام الماضي قرأت في الوطن كلمات لمدير التعليم بجدة، أن نشاط إدارته الثقافي يزاحم أو ينافس ما يقدمه النادي الأدبي الثقافي بجدة، وصدق الذين قالوا: (إن الكلام ما عليه جمرك)، وكان حرياً بالأستاذ الثقفي ووزارة التربية والتعليم الارتقاء بمهام التعليم في البلاد المنحدر مستواه وأداؤه حتى أصبح يخرّج أميين، وأصبحت اللغة العربية في مهدها غريبة، على حين نقرأ أن (ماليزيا) تقول: المستقبل للغة العربية، الارتقاء بالتعليم ليصبح قيمة أجدى من قول إن إدارة تعليمية في المنطقة العربية تنافس ناديا أدبيا، نريد يا أستاذ منافسة بالارتقاء بالتعليم فذلك أجدى وأهم، وهو الذي يؤدي إلى الارتقاء بالمعرفة، لكن الأمية تقود إلى التخلف وسوء النتائج في أهم ما ينبغي أن يرقى به أي وطن على وجه البسيطة، لأنه مقاس النهوض والنجح والحياة الكريمة.. والأستاذ باعطب لم ينشر كلمتي التي نشرتها في صحيفة - اليوم -، في رثاء الفقيد الرفاعي رغم أنه نشر أمثالها في كتابه الأول، واكتفى كرماً منه، فقال في ص 224: (وقد أشار الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين في الفترة الأخيرة في مقال كتبه لجريدة اليوم نشر بتاريخ 24- 4-1414، بعنوان: (أيتها النفس أجملي جزعاً)، والمقال من المقالات التي يرثي بها كاتبوها عبد العزيز الرفاعي، رحمه الله،. وكان حرياً به أن ينقل كلمتي أو بعضها مع ما كتب ونشر في رثاء الصديق الحميم الرفاعي، وهذا تقصير منه، فهل له أرب في ذلك، لاسيما وقد نشر الكثير من كلمات الرثاء؟!

* * *

وأريد أن أشير إلى الوفد المكون من الأديبين البارزين: (محمد حسن عواد، عبد العزيز الرفاعي)، إلى مؤتمر الأدباء العرب الثالث في لبنان عام 1374هـ الموافق 1956، كتب العواد بعد عودته منه مقالاً في صحيفة البلاد السعودية، وذكر فيه أنه - رئيس الوفد -، غير أن الأستاذ الرفاعي كتب رداً بعنوان: (وفد بلا رئيس)، ولأول مرة أقرأ الأخ الأعز غاضباً، وهو لو لم يفعل ذلك لكان خيراً له، على الأقل تقديراً لأديب رائد أسن منه.. وينقل الباعطب أو يقول: (وفي هذا المؤتمر دار نقاش حاد بين محمد حسن عواد وعبد العزيز الرفاعي) - رحمهما الله - حول رئاسة الوفد، فقد أعلن العواد أنه رئيس الوفد، وأنكر عليه الرفاعي هذا الادعاء، وقال: (إن الوفد رشح للمشاركة دون تعيين رئيس.. وقد وردت هذه الكتابات حول الموضوع بجريدة البلاد التي تولت نشرها.. وتعتبر هذه المرة الأولى والأخيرة التي دخل فيها عبد العزيز الرفاعي معركة أدبية، بل معركة تصحيحية لموضوع تجاذبته أوجه الخلاف بين الطرفين.. ولقد عاتب نفسه - يعني الرفاعي - فيما بعد عتاباً عنيفاً، لأنه يعتبر العواد رائداً من رواد الشعر والأدب، وأستاذاً كبيراً يجب على عشاق الأدب وتلامذته أن ينزلوه المنزلة التي يستحقها، ولا سيما أنه قد لاقى كما لاقى غيره من أنداده كثيراً من العناء في سبيل نشر أدبهم ومقالاتهم).

وصادفني الكثير من حشو الباعطب عبر صفحات الجزء الأول مما جمع وكتب، ومع ذلك يقول في رأس الصفحة (74): (ولن أجعل للحب الذي أكنه لعبد العزيز الرفاعي سلطة على كتابي عنه فأنسب له ما ليس فيه، ولكني أحاول المستطاع أن أثبت بالدليل.. إلخ)، ونحن لا نعاتبه على حبه ووفائه، وأقول إن الكثيرين يشاركونه الحب والود لهذا النموذج الفريد الكريم، لكن هذا الحشو الذي يثقل التعبير.. وينقل الباعطب سطوراً من بوح الرفاعي الذي نشرته المجلة العربية عام (1413هـ) فقال الرفاعي: (أليس من حق قرائي علي أن يعرفوا من كان يقف ورائي لأكون هذا الذي كنت، مع التحفظ الشديد على هذا التعبير، كانت أمي كل دنياي، كما كنت كل دنياها) إلخ.. ولعلي أقول إن هذا النوع جاء متأخراً، ولو كنت أنا هو، لقلته بعد أن أتيح لي الوقوف في خضم الحياة، ولعل أخي كان متردداً زمناً في نشر وإعلان ما كان في السر، ثم اقتنع بالبوح لأنه من أيام حياته وكفاحه، وفخره أن يبوح المرء بأيام الشدائد التي مرت بحياته، وقد استطاع تجاوزها بفضل من الله وعونه، ثم بصبره وإرادته القوية، ولو قرأت هذا السر لقلت لأخي: ما أنت وحدك، بل لك قرناء، ولقلت له كذلك نحن قريبان فيما حلّ بك، ونحمد الله أن هذه المصاعب تؤسس لصاحبها الإرادة وتحمّل المكاره والصبر، وكل ذلك ابتلاء وتمحيص. ويقول الباعطب في ص (62) وهو يتحدث عن الفقيد: (وشاءت الظروف أن ينتقل من وظيفة مدرس بالمدرسة العزيزية إلى وظيفة محرر بديوان مديرية المعارف).. وأنبه الكاتب أن المشيئة لله وحده، وهو سبحانه ما شاء فعل، وليس لشيء اسمه ظروف أو نحوها أي فعل ولا أي تأثير، ولكن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.. ومن أحاديث الكاتب عن انتقال الرفاعي من التدريس إلى ديوان المعارف، وأن مرد عدم الترقية السريعة في سلك التعليم، كثرة الأعداد التي تتنافس لملء الوظائف التي تشغر أو تستجد، وهذا القول غير صحيح من الكاتب، قبل أكثر من ستين سنة، لم يكن ثم تنافس ولا زحام على الوظائف، فالتعليم بحاله محدود وخريجوه محدودون كذلك، وعدد سكان الوطن محدود، وضعف مرتبات التعليم فشأنه مرجعيته وحجم الميزانية وسبل إنفاقها.. ويتحدث المؤلف في ص - 67 - عن بعض الشباب وطموحاتهم في مكة المكرمة، أنهم أقدموا على تأسيس لجنة التأليف والترجمة ورصيدهم ألف ريال، وصاحبنا الكاتب يشطح في تعبيره بلا قيود، ولجنة التأليف والترجمة في مصر التي كان فيها أقطاب الأدب، يومئذ، كوّنوا تلك اللجنة ونجحت وأثرت مطبوعاتها الساحة الأدبية في مصر والوطن العربي، لكن الشباب الذين تحدث عنهم الباعطب، ربما كان في أذهانهم مشروع متواضع في حدود إمكاناتهم يومئذ، ولكن الظروف والحياة التعليمية حينها لا تعين على مشروع يشبه المشروع المصري يومها، وربما تولد عن ذلك قيام أو فتح مكتبة الثقافة في مكة بجهود أولئك الشباب، وقد نجحت مكتبة الثقافة بعد توفيق الله بتآزر صالح محمد جمال وأخيه أحمد - رحمهما الله - ومن كان معهما، وشاركت بجهد جيد في استيراد الكتب وبيعها للمتعطشين للمعرفة يومئذ.. وتحدث الباعطب عن تأليف كتاب - وحي الصحراء - بجهدي الصديقين الكريمين: محمد سعيد عبد المقصود، عبد الله بلخير وذلك في عام 1355هـ، وقال الباعطب: (وفي تلك السنة تحمس ثلاثة شبان من أبناء مكة المكرمة، هم عبد السلام الساسي، وهاشم زواوي وعلي فدعق، بإصدار كتاب سموه (نفثات من أقلام الشباب السعودي)، والصحيح - الحجازي، وأن هذا الكتاب أريد به منافسة كتاب - وحي الصحراء -، وتعبير الباعطب غير دقيق، لأن كتاب النفثات كان بدعم ذلك الرائد الأستاذ محمد سرور الصبان، ولم يقل حسب علمي ولا كتب أنه منافسة لوحي الصحراء، فالجهود في وحي الصحراء والأسماء التي شاركت بالكتابة فيه نثراً وشعراً مستواها أرقى وأبعد وأعمق من كتاب النفثات، والحال ليست منافسة، وإنما إثبات وجود وطموح.. وقال الباعطب عن الرفاعي في الصفحة نفسها: (إن عبد العزيز الرفاعي كان يسعى جاهداً أن يأخذ مكانه الطبيعي - بين - لداته وأقرانه في سجل النشاط الثقافي على الطريق الصحيح). وأقول إن - بين - تستعمل بين - اثنين أو شيئين - وكان ينبغي أن يحل محل (سجل) - ميدان -.. وينبغي أن يقول الكاتب على الطريق المتاح، أما الصحيح فهدف قاله الباعطب وهو زج من تلقاء الكاتب دون دليل، وربما السرد والحشو هما البارزان في التعبير، وما سعى إليه الرفاعي ورفاقه محاولة متواضعة بدافع طموح شبان ووليدة فترتها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقاس على لجنة التأليف والترجمة المصرية، ذات الإمكانات المادية والثقافية ومناخها عال، وحققت نجحاً بعيداً، وما زالت مؤلفاتها الثرة تملأ خزائن المكتبات في الوطن العربي.

.........................................................يتبع

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال،أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5013» ثم أرسلها إلى الكود 82244

جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة