Culture Magazine Monday  22/10/2007 G Issue 219
فضاءات
الأثنين 11 ,شوال 1428   العدد  219
 

صدى الإبداع
الرواية وتحولات المجتمع في المملكة (2)
د. سلطان سعد القحطاني

 

 

من الطبيعي أن تمر الرواية في المملكة بعدد من التحولات الاجتماعية، تبعاً لتحول المجتمع نفسه، من حال إلى حال، فالروائي ابن هذه المجتمع، يتحول معه ويناقش قضاياه الاجتماعية وما يستجد فيها، من تحول؛ وقد كان التحول الأول في مجتمع الجزيرة العربية، على وجه الخصوص، والمجتمع العربي والعالمي، على وجه العموم، قد تحول من طور إلى عدد من الأطوار بعد الحرب العالمية الأولى، بتغير حكومات، ودمج بلدان في أخرى، وعزل بلدان عن أخرى، بالرغم من وجود الصلة العرقية والدينية والثقافية، ووضعت الحدود الوهمية بينهم، وبقي الصراع على هذه الحدود يشكل منعطفات في مجتمع ما تجاه هذه الحدود، من يتمسك بها ومن يرفضها، وهي مفروضة عليه؛ أضف إلى ذلك ظهور التدخل الأوروبي والصراع بين القوى الكبرى على غنيمة اسمها (العالم العربي الإسلامي)، فظهور التدخل الأوروبي في شئون العالم العربي الإسلامي، وظهور موجة الاستشراق الغربي، بما فيه موجة التنصير، وجولات الرحالة الأجانب كجواسيس في بلاد المسلمين تمهيداً لدخول القوة العسكرية، في زمن ضعف الخلافة الإسلامية العثمانية، وما خلفته من جهل وسوء أحوال صحية واجتماعية شجعت هذا الاستشراق على النمو والتدخل؛ووقف الكتاب والشعراء والأدباء والعلماء ينظرون إلى هذه الموجة والتغير بعين الريبة، منقسمين إلى قسمين: الأول،فريق ينظر إلى هذا التحول على أنه مصيبة حلت بالمسلمين في ديارهم، ويلوم السلطنة العثمانية التي أيقظت هذا المارد الأوروبي، فصنع لنفسه قوة عسكرية وعلمية وحضارة،ففي الوقت الذي كان المسلمون يتغنون بانتصارات صلاح الدين الأيوبي على مدى خمسة قرون، يغطون فيها في نوم عميق مطرز بأحلام وردية(1) كانت أوروبا تواصل الليل بالنهار لعد العدة للسيطرة عليهم عن طريق الاستشراق المهيمن باسم الدين، فهم يرون أن الوقت قد حان لتنصيرهم لما شاب الدين من خرافات وعقائد فاسدة؛وحاول بعض المستشرقين عزل البلاد الإسلامية، من غير العرب(لغة وفكراً وعقيدة) بإعادتهم إلى العقائد القديمة قبل الإسلام، وهي(إيران وتركيا) ففي إيران دخل(إدوارد براون) في القرن السابع عشر الميلادي، عن طريق فلسفة ملااصدرا (فلسفة صدر المتألهين) التي أحياها المستشرق الفرنسي(كوبينو) مفوض فرنسا في طهران،سنة 1380 للهجرة، واستغلها براون لعزل اللغة العربية، وصحح ما فيها من أخطاء، فلهم لغتهم ومعتقداتهم، في كتابه الضخم(تاريخ الأدب الإيراني)، ولم يقل الفارسي، فلو قال الفارسي، فلن يجد أدباً، فالأدب واللغة جاءتا بعد الفتح الإسلامي(2)،وتم عزل بعض البلاد غير العربية عن اللغة التي تحمل الدين بين جنبيها، إما عرقياً، كما ذكرت ،وإما قومياً، مثل تركيا، وتدخل البعض في اللغة على أنها لا تصلح للزمن العلمي الحاضر، ويجب استبدالها بالعامية، ففتحت مدرسة الدراسات الشرقية في باريس لتدرس اللغة العربية بشقيها (الفصيح والعامي) ونبغ في هذه الدراسات مجموعة من المستشرقين يجيدون اللهجات العربية، وطلبوا من البلاد العربية، خاصة في مصر الكتابة بها،لكن مجموعة من الشباب تحدوا هذه الدعوة وأصدروا مجلة علمية باللغة العربية(3)، وصار الخطر يهدد العرب في عقر دارهم من الصليبية، بعد قرار اتحاد الكنائس العالمي في روما، وتأسيس كراسي لها في (باريس، ونابولي، وسالونيكا...)،وقيام المارونيين العرب بمساعدة المستشرقين الدينيين،في تعلم اللغة العربية،وتأليف الكتب والموسوعات، وفي إصدار كتاب بعنوان(حوليات الإسلام) للمستشرق الإيطالي (كاتيباني)،وبذل هذا المستشرق جهوداً جبارة في نشر الدين المسيحي وأنفق عليه أموالاً طائلة، ثم تطور إلى أعمال خيرية إنسانية، نظراً لحاجة العرب المسلمين لمثل هذه الضرورات، من الناحية الصحية،لما اجتاحهم من أمراض فتاكة، كالجدري، والرمد والتيفوئيد والحصبة، والكوليرا....، وكان للمستشرق القس(صاموئيل زويمر) دور كبير في عمليات الطب والتنصير، أو التنصير عن طريق الطب، وهو صاحب المجلة العالمية المعروفة إلى الآن(العالم الإسلامي)، أسسها سنة1911، كان رئيس البعثة التنصيرية في الخليج العربي، وبلاد الشام وشمال إفريقيا، وهو صاحب المقولة المشهورة: (المسلمون اليوم بأمس الحاجة إلى دعوة المسيح لإزالة ما بهم من أمراض وجهل...)(4)، وعندما فشل في مشروع التنصير، حيث لم نجد إلا عائلة واحدة في البحرين، مركز التنصير في الخليج العربي، تنصرت، قال مقولته المشهورة: (لا نستطيع أن نحول المسلمين عن دينهم، لكنا نجحنا في أن نحرف عقائدهم،في هدم دينهم وإخراجهم منه إلى الإلحاد)، وللأسف أن هذا حصل في عقيدة بعض المسلمين، فتحول الإسلام إلى عقيدة (كاهانوتية)..، وهي أن يتخلى الإنسان عن عقله فيسير بتوجيه ممن يثق بهم، كمرجعية دائمة أو وقتية؛ وأنقسم العالم الإسلامي إلى قسمين: شرقي إسلامي، وغربي علماني، يظن أنه وجد ضالته في الحضارة الغربية، وظهر من المفكرين العرب من اقتفى هذا الأثر، ممن بهروا بتلك الحضارة في عالم متخلف جاهل، ينقصه كل شيء، لكنه وجد أن مال الغرب لهم، ومال الشرق العربي الإسلامي لهم، مهما تعالت الأصوات، منادية بالتغيير(5)، ومن هذا التفكير الاجتماعي، كتب عبد القدوس الأنصاري روايته الأولى والأخيرة(التوأمان) في زمن مبكر، من عمر النهضة العربية،في المملكة، ولما تصبح بهذا المسمى بعد،يعالج فيها انقسام العالم العربي المسلم إلى قسمين، أشرت إليهما فيما سلف، وسنفصل القول في هذه الرواية عند الحديث عن المرحلة الأولى من عمر الرواية في السعودية، فقد مرت الرواية في المملكة العربية السعودية بأربع مراحل، تحولت فيها من طور إلى آخر.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة