Culture Magazine Monday  26/03/2007 G Issue 192
عدد خاص
الأثنين 7 ,ربيع الاول 1428   العدد  192
 
اللعبة
مسفر الغامدي - جدة

 

 

ذاكَ الذي يسمِّيهِ الآخرونَ شارعا، يسميه هو نهرا: ليس جهلا ولا تقربا ولا خوفا، ولكنه تواطؤُ الفرشاةِ مع الرسام، وحيلةُ الشعرِ في مواجهة العالم!!

لعبتُهُ أن يرى الأشياءَ على غيرِ ما هي عليه:

- ألا يتكئَ على جدارٍ لكي لا يؤلمَه...

- ألا يرمي حجرا لكي لا يجرحَ الهواء...

- أن يجلس على مقعدٍ مفترضٍ في الشارعِ، فلا يمدَّ ساقَه مخافةَ أن تسقطَ شجرةٌ هاربةٌ فرتْ من جذورِها...

لعبته أن يذهبَ إلى الصحراء...

أن يخترعَ نهرا يطوِّقه بالعشب والأشجار، ويوزعَ المقاعدَ على ضفتيهِ، ثم يأتي بالعشاق من كل أنحاء العالم...

يقول لهم: .......

تُرى: ماذا سيقولُ لهم؟!

يحدثُ أحيانا:

- ألا يشمَّ الزهرةَ حتى لا يفسد رائحتها...

- أن يتوكأَ على الحرفِ كعجوزٍ هرمٍ...

- أن يقدَّ قميصَ البحرِ من دبرٍ...

- أن يتوسلَ إلى الليلِ ألا يغادرَ حتى يتمَّ قصيدتَهُ...

- أن يمشي على الرصيف كمن يتشمم غزالة شعرية هاربة...

ينتظرها مادًّا عينيه إلى الأمام، مخترقا آلاف الأجسادِ التي تحومُ حولَه...

يقولون عنه: متسولٌ!! وهو يقولُ: الكلماتُ معي؛ ولكني أبحث عن الزناد!!

معهم وليسَ معهم...

يملك قرارَ ألا يرى ولا يسمعَ، أن يقبضَ على ذلك الجهازِ السحري، ويبدأَ بخفضِ الأصواتِ متى شاء، يغلقُ بعض الأشخاص نهائيا، إذْ لا حاجةَ لوجودِهم أصلاً...

هو لا يرى الوجوهَ، بل يسمعها...

يسمع حفيفَ الهواءِ حين يعبر بين أخاديدِها...

بكاءَ التجاعيدِ حين تُحْكِمُ السنين قبضتها...

يجيد لعبة أخرى:

يفصِّلُ من جسده أجسادا كثيرة: جسدا ينام ويصحو...

جسدا ينحني أمام مديره إذا لزم الأمر...

جسدا ينتظم في مطاردة الولائم...

لكنه يحتفظ بذلك الجسدِ الأصليِّ المولعِ باللعب، والمخاتلِ واللا مرئيّ...

يحتفظ به في خزانة الشعر...

ويطمئنّ: لا أحدَ يستطيع أن يدخلَ إلى هذه الخزانة...

قليلون الذين يملكون مفاتيحها، وهم أيضا لهم أجسادهم المخاتلة واللا مرئية...

أجسادُهم التي تعبُرُ ولا تعبُرُ، تمشي وهي تتوسل الرقص...

أجسادهم التي تتقدم في الهواء وهي تحاذر أن تجرحَه أو تؤذيه!!

الذين عرفوه قبل الشعر وبعده، أدركوا فداحة الأمر... مثلا:

- يضحك فيرى ضحكته خارجة من فمه، يمسك بها بعناية من يمسك بفقاعة من الصابون.

- يقلِّم أظافره، وفي ذهنه صورةٌ لبستانيّ يقلم أغصانا.

- يصل إلى حائط مغلق، فيتناول فرشاته (الفرشاةَ اللعينةَ ذاتها)...

يرسم بابا، ويرسم على الباب مقبضا، ثم يدفع الباب، لكنه لا ينفتح...

عندها يصرخ في غضب: اللعنة على الأقفال!!

موكلي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة