مفكرة
صحافة مشغولة
ماجد الحجيلان
|
يوم الأربعاء السابع من سبتمبر الحالي جرى تدشين (تقرير التنمية البشرية لعام 2005م) في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، وبالتزامن تم الإعلان عن نشرة في عواصم العالم ومنها الرياض، حيث عقد صباح ذلك اليوم مؤتمر صحافي للممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مبنى الأمم المتحدة بالرياض. وقد وجهت المسؤولة الإعلامية للبرنامج الدعوات للصحف المحلية والإعلاميين لحضور هذا التدشين وإطلاق التقرير الذي تنتظره بتحفز منظمات دولية ومؤسسات إعلامية ووكالات أنباء حول العالم.
وكعادة أي مناسبة جادة في الرياض اعتذرت صحيفتان محليتان عن عدم الحضور، بينما تأخر الإعلاميون المدعوون أو اعتذروا أيضاً. ورغم تأكيد المسؤولين عن البرنامج حرصهم على حضور أكبر وتفاعل أكثر وتأكيدهم الرغبة في عرض ما يخص السعودية في هذا التقرير، إلا أن الحضور كان فقيراً بما يثير الانتباه ويعزز أي صور نمطية أو واقعية عن حال الإعلام والصحافة والثقافة هنا.
تستمد هذه التقارير التي بدأ البرنامج اصدارها عام 1990 بشكل سنوي أهميتها من مصداقيتها وحياديتها، وتراهن على اهتمام المخططين والسياسيين بنتائجها واحصائياتها، وسمعتها آخذة في التحسن والموثوقية. وتقرير هذا العام فيه اعتراف صريح لمؤلفه الرئيس بأنه يجلب التشاؤم، إذ إن الدول الفقيرة تزداد فقراً والأهداف الثمانية في إعلان الألفية ما زالت بعيدة التحقق رغم مرور سنوات خمس على العهد بها (وكان المسؤولون عن التقرير من التفاؤل بحيث يطمعون أن يغيّر أكبر تجمع لرؤساء دول وحكومات العالم في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي شيئاً).
وكما التقارير السابقة يحذر هذا التقرير من (تأبيد أنواع فاحشة من اللامساواة) وتجاهل أوضاع الفقر المدقع المهينة و(المُحَبْوِنة)، رغم إعلان الألفية الذي يتعهد بتحرير البشرية منها، ويورد التقرير احصاءات ومقارنات توضيحية حول المعونات الدولية التي هي وجه آخر للابتزاز والفحش في التباين بين مكاسب الفقراء والأغنياء مثل أنه (من أصل كل دولار ينفق في أحد مقاهي الولايات المتحدة لشراء قهوة من نوع أرابيكا الفاخرة التي تنتج في تنزانيا يحصل المزارع الآن على أقل من سنت واحد).
ليس هناك تحليل أو قراءة أو رد فعل محلي واحد يجدر ذكره حول صدور هذا التقرير الدولي في الصحافة ولا الاذاعة ولا التلفزيون، الأمر الذي يذّكر بردود الفعل حول التقرير العربي للتنمية البشرية في الأعوام السابقة، حيث انصب معظمها في خانة التجاهل أو الاتهام والتوجس، رغم كل ما يحشده المؤلف الرئيس للتقرير الدولي (كفن وتكنز) والعربي (نادر فرجاني) من باحثين جادين ومتخصصين ومنظمات أهلية ومراكز بحوث مستقلة، مع ذلك كله يوصم التقريران الأخيران بتهمة رائجة الآن هي (التسييس). وكان الدكتور جلال أمين أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والكاتب المشاغب في لقاء تلفزيوني وفي كتابات متعددة يسخر في المقارنات التي تجريها هذه التقارير بين الدول ويشكك في معلوماتها ومصادرها بل ويتهم مؤلفيه بالنفعية والغرض. بينما لم تستبعد صحيفة بحرينية معارضة أن يجامل تقرير سابق الحكومة لاعتماده أرقامها ومعلوماتها وتصنيفه البحرين في مركز متقدم تنموياً. لكن أين الصحف السعودية وصحافيوها من هذا الجدل؟
إنه لمعرفة المستوى الذي وصلت اليه الصحافة السعودية يمكن مراجعة الأسبوعين الماضيين في صحف دولية وعربية وتحليلاتها حول تقرير التنمية البشرية ومقارنتها بانشغالات الصحف المحلية التي لم تنشر حتى خبر التدشين أو تغطيه (صحيفة واحدة نشرت الخبر فقط). أما الاعتذار السمج عن عدم الحضور فوحده كفيل بتصور الهزال الذي وصل اليه الصحافيون، صحافيو الأخبار الجاهزة والمعلبة التي لا تعني أحداً، وصحافة الاعلان وحرب استقطابها. ويمكن للمخيلة أن تذهب إلى أقصاها فتضع صورة لذلك الصحافي الذي يعتذر عن عدم حضور حفل التقرير الدولي بينما ينشغل بكتابة خبر عن افتتاح مركز حكومي جديد في هجرة ما، وتفرش له الصحيفة أعمدتها وصفحاتها.
ولو كانت هناك مهنية أو جدية لدى هذه الصحافة أو هيئة الصحافيين لجرى تحقيق حول غياب الصحف ومنسوبيها عن هذه المناسبة ومثيلاتها، ولكن هل هناك قارئ يسأل بالفعل وإن وُجد فهل هناك محررون ومسؤولون يعيرونه اهتماماً؟!. إن ما يحصل عليه القارئ من الصحف هنا أقل مما يحصل عليه مزارع البن في تنزانيا.
hujailan@yahoo.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
