الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th September,2005 العدد : 124

الأثنين 22 ,شعبان 1426

تهشيم دوائر الخوف (2)
أمل زاهد
حتى يصل الكاتب إلى صلب قضيته، وهي التعرف على حقوق المرأة والأقليات في الإسلام، لا بد أن يأخذنا إلى حيث نتعرف على مكانة الإنسان وحقوقه في ثنايا النص نفسه وفي عمق بنيته الأصلية. وهنا يقرر الكاتب أن هناك فجوة دائماً بين النصوص وتطبيقها على أرض الواقع، سواء كانت هذه النصوص دينية أم دنيوية. فالنصوص الدينية تحمل بين ثناياها مبادئ مثالية ذات طابع إنساني، ولكن الأمر دائماً يظل مرهوناً بعملية التأويل والتفسير التي تخضع بدورها للإطار المرجعي للمفسر وللسياقات التاريخية الاجتماعية في الزمن الذي تتم فيه عملية التأويل. فالأديان كلها والإسلام على وجه الخصوص يجعل الإنسان محور الكون، وكل ما في الكون مسخَّر لخدمته ومنفعته، والقرآن الكريم حافل بهذه المعاني الإنسانية التي تركز في مركزية الإنسان ومحوريته في الكون، كما أن هناك أدلة لا حصر لها في سلوك النبي صلى الله عليه وسلم وممارسته الاجتماعية والشخصية والسلوكية تؤكد مفهوم احترام حقوق الإنسان بغض النظر عن عقيدته ولونه وجنسه. ولكن مَن هو هذا الإنسان في إطار الفكر الإسلامي الكلاسيكي ومن وجهة نظر علومه المختلفة من فلسفة وأصول فقه وتصوف وعلم الكلام؟ ومن خلال استعراض مفهوم الإنسان في الفكر الإسلامي يتوصل الكاتب إلى أن الإنسان الذي احتفى به القرآن والسنة قد سُجن في إطارات ضيقة حددتها هذه العلوم، فهو الإنسان المفكر عند المعتزلة، والعارف عند الفلاسفة والمتصوفة، وهو المكلَّف المطيع عند الفقهاء في تغييب شبه كامل للإنسان بصفته كائناً اجتماعياً غير عارف أو غير مطيع عن ذلك الفكر، وهذا بدوره أدى إلى نفي الإنسان غير المسلم وأيضاً إلى نفي المسلم غير المطيع، فيتحول إلى زنديق في حال كونه عارفاً، ويتدخل الانحياز الفكري والتعصب الأيديولوجي ليمارس الإقصاء والنفي لأسباب سياسية واجتماعية تتقنع بمبررات دينية وفكرية. ويحاول السياسي دائماً إدماج العارف وضمه تحت لوائه حتى يتم عن طريقه توجيه دفة العامة وتدجينهم، فإذا رفض العارف الإذعان لمنظومة السلطة اضطهد وسجن وعذَّب، وفي أحسن الأحوال يُكتفى بحرق كتبه.
وهنا نلاحظ التهميش المستمر والإهمال التام للإنسان الاجتماعي العادي الذي غالباً ما يرجع إليه بأوصاف تحقيرية على شاكلة العامة والرعاع والدهماء والطّغام والحشوية. وبالتدريج تحوَّل الفكر الإسلامي من ترشيد للواقع ومحاولة صياغته من جديد إلى تبنِّي آلية تبرر سوء ذلك الواقع بوضعه تحت مظلة أيديولوجية ومنحه مشروعية دينية.
أما الإسلام السياسي في وقتنا الحالي فيمارس التعبوية وحشد الجماهير مستثمراً فشل مشروعات التنمية والتحديث، ويعلن وقوفه ضد التبعية الثقافية والحضارية. وهنا لا بد أن تتمسك قطاعات متعددة من الجمهور بأهداب تأويلاته السياسية البراجماتية للعقائد والنصوص، ومن هؤلاء مَن يعتد بهم من النخب فيتحول الدين عن وظائفه الأساسية الروحية والأخلاقية ليؤدي دوراً أيديولوجيا المعارضة ضد أنظمة الحكم القائمة. ولكن الإسلام السياسي لا يخرج بالأوطان من أزمتها على قدر ما يكرِّس لتخلفها؛ لأنه يعتمد في مقولاته الأساسية على الفكر السلفي في عهد الانحطاط.
الشريعة في الإسلام تشير إلى مجموعة القواعد والمبادئ الكلية المُوصى بها من الله عز وجل، في حين أن الفقه يمثل الاجتهادات البشرية في مختلف العصور في تنزيل المبادئ على الوقائع الفعلية. والتمييز الذي يقيمه البعض نظرياً بين الشريعة والفقه لا يلبث عند التطبيق أن يتلاشى لحساب الفقه بأصوله وفروعه وحواشيه وشروحه، ويصبح الفقه شريعة واجبة التطبيق، ويصبح أيضاً فقيه العصر مرجعاً للفتوى في كل شيء. ولذلك يرى الكاتب أن الخلط بين مفهوم الشريعة والفقه أحد أهم الأسباب التي توقع الخطاب الإسلامي في فخ التأويل والتأويل المضاد، وخصوصاً في قضايا المرأة، وهو الذي يقود بدوره إلى التلاعب الدلالي الذي ينتهجه المفسر حتى يصل إلى معنى مناقض ومضاد لما وصل إليه خصمه. فعلى سبيل المثال عندما تثار قضية حقوق المرأة يلجأ المدافعون عن الإسلام (المجدِّدون غالباً) إلى تبيين حقوق المرأة التي كفلها الإسلام معتمدين في ذلك على النصوص القرآنية ويتم التركيز في النصوص التي تؤكد المساواة. أما السلفيون التقليديون فيرون أن تلك المساواة تتمثل في الثواب والعقاب في الآخرة، بمعنى أنها مساواة دينية وليست اجتماعية، ويؤكدون على الفروق الطبيعية بين الجنسين، وهم أيضاً يستخدمون النص القرآني في عملية إهدار للسياق السجالي الذي خاطب به القرآن العرب، دون إلقاء اعتبار لطبيعة النص تاريخاً وسياقاً وتركيباً وتكويناً ولغةً ودلالةً.
وحتى يتم الخروج من إشكالية التأويل والتأويل المضاد يقترح المؤلف منهج القراءة السياقية للنصوص، وهذه القراءة تنظر إلى المسألة من منظور أوسع، هو مجمل السياق التاريخي الاجتماعي القرن السابع الميلادي لنزول الوحي؛ لأنه هو السياق الذي يمكن للباحث أن يحدد في إطار التشريعات بين ما هو من إنشاء الوحي وبين ما هو من العادات والأعراف الاجتماعية السابقة على الإسلام. والقراءة السياقية تضع تمييزاً بين (المعاني) والدلالات التاريخية المستنبطة من السياق من جهة، وبين (المغزى) الذي يدل عليه المعنى في السياق التاريخي الاجتماعي بشرط أن يكون المعنى نابعاً من المغزى ولا يعبر عن هوى المفسر أو رغبته في الإسقاط. على أن يؤخذ في الاعتبار أيضاً سياق ترتيب تلاوة النزول، وهو السياق التاريخي التتابعي للوحي، وهو سياق مغاير لترتيب السور والآيات في المصحف الشريف. فالقراءة حسب ترتيب النزول أساسية للكشف عن المعاني والدلالات، بينما القراءة حسب ترتيب التلاوة تكشف عن المغزى والتأثير. ومنهج القراءة السياقية هو مراعاة السياقين في نسق كلي تركيبي لا يغفل الفروق بينهما.
ويتبع السياق السابق سياق السرد، وهو ما ورد كسرد قصصي أو وصف لأحوال أمم سابقة، ويتمكن الدارس بذلك من التمييز بين ما ورد على سبيل التشريع وبين ما ورد على سبيل المساجلة أو الوصف أو التهديد أو العبرة والموعظة. ثم يأتي مستوى التركيب اللغوي، وهو أعقد من مستوى التركيب النحوي؛ لأنه يتناول بالتحليل علاقات مثل الفصل أو الوصل بين الجمل النحوية، وعلاقات التقديم والتأخير، والإضمار والإظهار، والذكر والحذف والتكرار، وكلها عناصر دلالية أساسية في الكشف عن مستويات المعنى.
ويصل الكاتب إلى نتيجة تؤكد أن الوصول إلى موقف الإسلام الحقيقي من مسألة حقوق الإنسان، وحقوق المرأة خصوصاً، لا بد أن يتم عبر عملية مقارنة تاريخية بين حقوق المرأة قبل الإسلام والحقوق الجديدة التي شرعها الإسلام، وهناك منطقة وسيطة بين هذين التاريخين، وهي المنطقة الجسر التي يؤسس من خلالها الجديد قبوله المعرفي في وعي الناس المخاطبين بالوحي. وهذا التحليل للفروق بين جديد الرسالة وبين منطقة العبور الوسطية هو ما يسمى إعادة زرع الخطاب في السياق التاريخي الذي فارقه منذ أربعة عشر قرناً، وهو ما سيمكننا من إعادة قراءة خطاب المرأة حسب متغيرات عصرنا ووفقاً لأنساقه التاريخية والاجتماعية.


amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved