الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th September,2005 العدد : 124

الأثنين 22 ,شعبان 1426

الانتصار
د. صالح زيَّاد

قراءة الواقع الاجتماعي، في امتداده التاريخي، بوصف هذا الواقع بنياناً ذهنياً ونسقاً ثقافياً، تقود إلى إدراك معضلة التغيير لهذا الواقع بشكل تلقائي، بحيث نتصور مثلاً أن يبادر المجتمع الجاهل إلى العلم، والبدائي إلى التحضر، والفوضوي إلى الانتظام.
ويعود ذلك كما أتصور إلى أن واقع هذه المجتمعات ينبني على تقابل بين ثقافته ومتصوراته الذهنية الساكنة من جهة، ووقائع حياته المعيشية من جهة أخرى، فتكتمل دائرة (العمى الحضاري) إن صحت التسمية عبر متوالية المألوف الذي يدور به الواقع على ذاته، و دائماً (مَنْ جهل شيئاً عاداه). التغيير، في هذه المجتمعات، باتجاه الأفضل، هو انتصار لها على ذاتها العمياء، والانتصار على الذات، في معناها الوطني الاجتماعي، هو الدلالة المضيئة التي نقرؤها في توحيد الملك عبدالعزيز رحمه الله لأرجاء المملكة، وصوغه إياها في قالب وطني واحد.
إنه انتصار على الذات الاجتماعية، الذات المترهلة، المتلاشية مزقاً خارج إطار الزمان الحديث، الذات المسكونة بالفوضى، المحكومة بالقبيلة وما يشبهها من سلطات ضيقة، المطعونة بالجهل والضعف، والمطوقة بظلام العزلة وهموم عيش الكفاف الذي تغتصبه مخالب القادرين فقط لقمة ممزوجة بالدم والعناء.
أن تنتصر على ذاتك، في المستوى الفردي، يعني أن تخرجها من قمقمها الذي يقمع حركتها، ويعمي بصرها وبصيرتها، فتفتح وعيها على طاقات القدرة الواعية بالانضباط والإرادة، وتشرعها لتبني وتنبني في إطار اجتماعي واحد يتداعى ويتجادل، فليس هناك سبيل لتعيش وحيداً. وهكذا كانت ذاتنا الوطنية والاجتماعية، على يد الملك عبدالعزيز، الذي أخرجها من قمقمها، لتعي معنى الوطن بلحمته الاجتماعية، وتماسكه الجغرافي والتاريخي، وهويته الثقافية والسياسية، فخرجت لتتحرك في خطى مستقيمة تليق بحركة التاريخ الذي لا يعنيه الساكن ولا يكترث بالدوران المفرغ.
لم يكن الفقر والمرض والأمية والتخلف عيباً أو عاراً على الرياض وباقي مدن وأقاليم البلاد، بل كان العيب والعار ذلك البناء الاجتماعي والسياسي المكرس لتلك الأدواء والمنتج لها والمعمق لوعيها القاصر في النفوس.
وهنا كان دور الملك عبدالعزيز.
إن الفقر، والمرض، والجهل، والبطالة الفكرية والعملية.. مدلولات لدوال اجتماعية وثقافية تفرزها، فتتحول تلك المدلولات، بدورها، إلى دوال في منظومة الدلالة على الضعف والقصور والتخلف الاجتماعي والحضاري، لتكتمل دائرة تلك الدلالة بدوالها وآليات بنائها، وتغدو طوقاً من متوالية التردي والسقوط.
أجل، لم تكن مهمة التأليف الوطني والحضاري التي تنتظر حكمة الملك عبدالعزيز وحزمه، في مجتمع الجزيرة، سهلة ميسورة، بعد أن تراكم الكثير من الجهل والأضاليل على العقول، وبعد أن انحرف الهوى وقصر النظر بالجوهر النقي للشريعة السمحاء إلى أباطيل وأوهام تشيع التخلف وتبرر مظهره الانهزامي وأفقه الضيق!!.
لقد صاغ الملك عبدالعزيز الفاعلية البشرية الوطنية، عبر الارتقاء من جهة بعلاقة الإنسان في هذه البلاد مع المكان، بتوطين البادية ولَمّ أجزاء الوطن، و من جهة أخرى عبر تأكيد الإحساس بالزمان، وتغيير علاقة الإنسان به، من زمان مغلق رتيب مستدير على الذات وبها، إلى زمان يعي التحول، ويبنيه، ويستوعب تشابك العلاقات العالمية، وينفتح بثقة على العلم والتقنية والعصر.


Zayyad62@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved