الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th September,2005 العدد : 124

الأثنين 22 ,شعبان 1426

صدى الإبداع (2)
د. سلطان القحطاني

هناك من يعزل الثقافة عن الحياة العامة، ويرى أن المثقف يعيش في عالم غير عالمه الحقيقي، وفي واقع الأمر أن هذه المقولة خاطئة، فالمثقف واحد من هذا المجتمع، له ما له وعليه ما عليه.
ومن خلال الدعوة المقترحة من الأستاذ محمد بودي، والرسالة التي بعث بها إلى الدكتور عبد العزيز السبيل، وكيل وزارة الثقافة، دعوة جاءت في وقتها، عندما تولى وزارة الثقافة أحد المثقفين، والثقافة في حد ذاتها هَمٌ إنساني، ليس مقصوراً على فئة دون أخرى، وما قامت الحضارات العالمية إلا على الثقافة، فعلى سبيل المثال: نجد الفلسفة اليونانية، وما قدمه المبدعون والعلماء الباحثون في تلك العقود الغابرة لا يزال يردد إلى اليوم، وما نحن ببعيدين عن تراثنا العربي الإسلامي وما قبل الإسلام، نتداوله إلى اليوم، وما خسرت بلد في شيء خسارتها في التنمية الثقافية، وكان سبب انهيار الكثير من الإمبراطوريات العالمية بسبب إهمالها في الثقافة واهتمامها ببناء السجون والقلاع، التي لم تغن عنها شيئاً، ولم تسمح بعض البلدان بتعدد الأصوات الثقافية لتحريك المياه الراكدة، وكان السبب الرئيسي في تقدم البلدان الأخرى في العالم التعدد الثقافي ومناقشة الآراء، وتجدد الفكر بين الحين والآخر.
وكانت خطة الجامعة العربية والأمم المتحدة في إيجاد عاصمة ثقافية في البلاد العربية دعوة موفقة في المجال النظري، لكنها فشلت في المجال التطبيقي في الكثير من البلاد العربية، وآخرها الخرطوم، العاصمة السودانية هذا العام.
ونرد أسباب الفشل إلى عدد من الأسباب: أولها، تشدد بعض الأنظمة العربية تجاه بعض الكتب والمطبوعات، وهذا التشدد ليس له مبرر في الوقت الحاضر، ونحن في زمن الاتصال التقني، فالكتاب يقرأ اليوم بطرق متعددة. وثانيها، التشدد تجاه بعض المثقفين ومنعهم من الدخول إلى هذه البلاد أو تلك، لسبب من الأسباب. وثالثها، عدم اتاحة الفرصة لحضور فعاليات هذه السنة، إما من الناحية المادية أو الوظيفية، أو غيرها، وهذا عائق كبير يحرم الكثير من المشاركات في نشاطات تلك العاصمة، بيد أن الشللية والعلاقات قد تلعب دوراً في دعوات البعض وحرمان الآخرين.
وبما أن التجارب في السنوات الماضية قد أثبتت هذه العناصر المذكورة، فقد دار الحديث حول نشاط يليق بالعاصمة العربية الإسلامية المقدسة (مكة المكرمة) عندما سمعنا بذلك، وتم اتفاق بيني وبين الأستاذ فهد الشريف، وكان وقتها يشرف على ملحق الأربعاء في جريدة المدينة، وكان من نتائج هذا الحديث خروج موسوعة بعنوان (مكة الجمال والجلال) وهو شعار السنة الثقافية.
وباعتبار هذه المناسبة تجربة أولى فقد فتحت الباب لغيرها من المدن السعودية لتحذو حذوها في إيجاد مناخ ثقافي في كل مدينة تكون عاصمة ثقافية، ومن التجربة الأولى عندما كانت الرياض عاصمة ثقافية ظهرت وجوه ثقافية جديدة في الميادين الفكرية والأدبية، وأثريت المكتبة السعودية بالعديد من المؤلفات والندوات والنشر الإعلامي، واهتمت الجهات المعنية بالثقافة في المملكة بإحياء الأمسيات الشعرية والقصصية، وكان من أبرزها، الأمسية التي أقيمت في الغرفة التجارية في الأحساء على حساب الكلية التقنية، وبتمويل من شركة (ندى) للمنتجات الزراعية، وكان الحضور الجماهيري دليلاً على الحرص الشديد على الثقافة، متى أتيحت لها الفرصة للظهور.
إن اقتراح الأستاذ محمد بودي لاقى قبولاً في الأوساط الثقافية والفكرية في البلاد، فنحن بحاجة ماسة لتعريف أبناء هذا الوطن بثقافته، عندما يجدون تظاهرة ثقافية ولافتات إعلامية بثقافتهم المحلية والعربية، كما أن الكثير من الناس قد لا يعرفون عن هذه المدينة أو تلك الكثير، لكن عندما يقيمون فيها أمسيات أو يحضرون أيامها ولياليها على مدى عام كامل، فسيكون لهم بها معرفة كبيرة، إضافة إلى الدعم الاقتصادي الذي سيكون عوناً لهذه المدينة، وتتم المشاركات من خلال النوادي الأدبية والشركات المحلية وأبناء هذه المدينة من القادرين على طبع فعاليات هذه السنة وتوزيعها وخزنها في المكتبات العامة والتجارية، وقد كانت مشاركة صالون الدكتور عبد الله محمد صالح باشراحيل عن مكة هذا العام نموذجاً يحتذى في مثل هذه المناسبات، خاصة ونحن في عهد وزارة الثقافة الجديدة، التي تدار بعقلية المثقف، وقد ولى عهد الموظف العادي، فَهَمُّ الثقافة معقود على وزيرها ووكيلها، ومستشاريها من المثقفين، وهم ممن عرفوا بالهم الثقافي قبل دخول الوزارة وإن هذه الدعوة التي نقدمها اليوم لا تقتصر على المسؤول الثقافي، في مكتبه، ولا على المثقف في مكتبته، أو المعلم مع طلابه، بل هذه مسؤولية الجميع، وعلى الوزارة أن تقوم بتنظيم هذه الفعاليات بالتعاون مع الجهات الثقافية المسؤولة، كالجامعات وإدارات التعليم، والشركات الممولة للمشروع الثقافي، وإني على ثقة من نجاح هذه التجربة، محلياً ثم عربياً من خلال المنافسة الشريفة، وهذا النشاط سيكون حافزاً للإبداع في كل المجالات، ونحن بلد يفخر بكثرة مثقفيه وبتراثه العربي العريق، وأبنائه الذين نذروا أنفسهم للبحث العلمي وتقديمه بالطرق الحديثة، ففي الوقت الذي تكلمت عنه في الحلقة السابقة لم يكن هناك إلا جامعتان وبعض الكليات والمعاهد، واليوم في كل منطقة ومحافظة جامعة وأكثر، وقد آن الأوان أن يكون لنا عاصمة ثقافية نجمع فيها شتات ثقافتنا من هنا وهناك، وقد صار لنا وزارة ترعى هذه الثقافة وتشجع على انتشارها في الداخل والخارج.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved