الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th September,2005 العدد : 124

الأثنين 22 ,شعبان 1426

استراحة داخل صومعة الفكر
سعد البواردي *

أهازيج
محمد إبراهيم جدع
135 صفحة من القطع الصغير
*****
الفرح أهزوجة نشدو بها.. والمرح أيضاً أهزوجة نستغرق في نشوته لأنه مؤشر سعادة.. والجرح أيضاً له أهزوجته الحزينة، يعتصر القلب ألمه فما يرى إلا أن يرفع عقيرة صوته شاكياً.. أو باكياً.. والصراع له أهزوجته حين يبلغ السيل الزبى..
شاعرنا سراج به أهازيجه من صراع حقه.. وهو حقنا جميعاً كعرب ومسلمين..وكأصحاب حرية ورسالة:
أرى القدس قد ضجت بأرجائه الربى
تهيب بنا للثأر من كل معتد
أباح قداسات.. ودنس أرضه
وفيكم بني الإسلام إنقاذ مسجد
(قفا نبك) أولى القبلتين فقم لها
وجاهد عدو الله في عزم منجد
الجهاد تدرج من جهد.. إلى إجهاد.. ومن ثأر كان يجيش في الأعماق إلى هزيمة مروعة مطبقة مخيمة على الآفاق.. القدس من قضية إلى رهينة بيد المحتل ليس لها قضية.. الضعف فينا هو ذلك الذي أعطى القوة الغاشمة لعدونا.. وما أراها تعود إلا بعودة الوعي إلى ضمائرنا وسرائرنا.. ومع هذا لا بأس.. المقاومة قائمة.. وما ضاع حق وراءه مطالب.
للعيد أنشد شاعرنا, وغنى.. ولكن أي عيد اعتدنا عليه؟ واعتدينا على بهجته ورمزيته؟!
يا عيد يا مطلع الإسعاد في أمم
يا مصدر الحسن في أيام ماضينا
فكم زهونا بأمجاد مظفرة
وكم أقمنا حضارات تزكينا
وكم.. وكم.. وكم.. كل هذا لا يكفي لأن يختفي مازالت أعيادنا لا تشبع بطن جائع.. ولا هداية ضائع.. ولا يقظة خانع.. ولا رد طامع.
العيد الذي يستحق أن ننشد له عيد إنسان الحب.. والعدل والكرامة..
(ندوة الشيطان أشبه بندوة القرصان الذي يحشد أعوانه من أجل النهب والاستلاب والقرصنة..
جاءها الشيطان كالشيخ الكبير
يحمل الفكرة في عقل صغير
فرأى جهل (ابي جهل) بها
فسعى للجهل في عزم خطير
قال والفرحة تعلو صدره
لي رأي فاسمعوا مني الكثير
لعله كان يشير إلى المؤامرة المبيتة لقتل النبي..
قرروا قتل النبي المصطفى
ويكون القتل في جمع غفير
باءت مؤامرة قريش بالفشل.. نجا محمد ومن معه.. هاجر إلى يثرب وكانت بدايات فجر الإسلام في مواجهة فجور الشرك..
فإذا الهجرة تبني عزة
وإذا الهجر أبطال بثور
شاعرنا محمد جدع وظف جل شعره لمواكبة النهضة الروحية التي حملها الإسلام مشعلاً يبدد به ضبابية الجهل والتخلف..
(دعوة الحق) دعوة عدل ومساواة بين البشر، لا فضل فيه لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.. ولا فضل فيه لذكر على أنثى إلا بالعدل.
كانت المرأة في عهد مضى
متعة تنهش في عهد الخراب
فإذا الإسلام أعطاها كما
ينبغي الاعطاء حقا وحساب
وإذا الوأد مضى في لعنه
وإذا المرأة تسمو بالحجاب
تطلب العلم وترقى بالحجى
بعد أن كانت حطاماً خلف باب
الإسلام نعم أعطى.. ولكن البعض من المسلمين لا يعطون.. انهم يسترقون.. ويضطهدون.. ويزدرون بغير وجه حق.. (صبر الكرام) عرج علينا شاعرنا وأوفاه نصيبه، انتزع منه هذين البيتين الاثنين:
إن في الصبر عزاء
ورجاء للبنين
ينشد العليا، في خير
وعزم ينتطين
والصبر مركب صعب لا يقوى عليه إلا الحكماء، الحلماء الذين يغلبون عقولهم على عواطفهم ويترفعون عن السفاهات والتفاهات ويقولون لمن يجهل عليهم (سلاماً) ويأخذون من مقولة الشاعر أسوة.
إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السكوت
أو مقولة الشاعر الآخر:
لو كل ذئب عوى ألقمته حجراً
لاصبح الصخر قنطاراً بدينار
يعني أن الصخور تنفد وتصبح غالية الثمن لندرتها.. الحلم عقل..
يتساءل الشاعر: أينا اسعد؟! إن هو أدرى منا بسؤاله:
أينا أسعد حالا يا ترى
بين دنيا الناس في أجوائها
من رعى المال وعاش لا يرى
غير جمع المال من أشيائها؟
أو فتى يستنكر الشر وما
يبعث الشر على أرجائها؟
منح المال ذوي القربى ومن
يستحق المال من أحيائها
إنه يشير إلى الدنيا بوجهيها البهي.. والدني.. مقارنة لا تقبل المقاربة أشبه بمقارنة السيف بالعصا التي عناها شاعر قبل:
ألم تر أن السيف ينقص قدره
إذا قيل أن السيف أمضى من العصا
ويطرح من جديد تساؤلاً آخر:
أينا أسعد حالاً يا ترى
أفراشات على أضوائها؟
حرقتها النار في وثباتها
وانتهت بالحرق من ارزائها
أم كريم عاش آلامه
صابر النفس على تعسائها
لست أدري..! إنما أدري بما
يرفع النفس إلى عليائها
الكفاح الحق في أسمى مدى
واصطبار النفس في هيجائها
إذا أنت تدري.. وتتجاهل أنك تدري.. وتلك شيمة..
ومن اصطياد النفس إلى (نزوع النفس).. والنفس أحياناً أمارة بالسوء.. وأخرى دالة على الخير إذا ما روضت..
إن في النفس نزوعاً
نحو فعل الطيبات
وتود العمر يسعى
نحو منهج المكرمات
الشطر الأخير يعاني من العرج بسبب حرف (الميم) في منهج.. ولكي تستقيم خطواته دون عرج يكون (نهج) هذا الوجه الجميل للنفس.. يبقى الوجه العليل
غير أن النفس لا تخلو
ببض المسيئات
وأحسب أن (بعض) أفضل من (بض) ولكي يستوي العود يقول:
عود الناس إذا ما
شئت فعل الطيبات
والطيبات دين، واستقامة، وحب, وإيثار, وتضحية.. وكل عمل تطيب له النفس وترتاح.. النفس معافاة متى طابت رائحة أنفاسها.. وتجلى نور إحساسها دافئاً لا يحرق.. ولا يغرق في متاهات المظهر.. وثبة الفدائي حركة تحفز وانقضاض على الخصم الذي استباح دمه، واجتاح أرضه.. وفقأ جرحه:
يا فدائياً تقدم
وارفع الراية واهجم
واسمع الدنيا ضجيجا
عن نضال يتقدم
جملة (واسمع الدنيا) في دلالتها الواضحة أنه هو يريد السماع.. والصحيح (أسمع الدنيا) بدون حرف الواو.. أرى حذف حرف الواو كي يستقيم المعنى.. يخاطب الفدائي:
يا فدائي تسامى
في ذرا العلياء يغنم
حقق اليوم كفاحاً
دون جيش عرمرم
وانزل الضربات حتى
تخضع الباغي ويحكم
(ويحكم) ليست في محلها، الأنسب منها (ويهزم)
سوف نعطيه دروساً
تجعل الغاصب يحجم
(نعطيه) مفردة متكلم لا مخاطب..والمخاطب فدائي.. أبدل مفردة نعطية بمفردة (تعطيه)
يا فدائياً لك العلياء
في الدنيا واعظم
قد رفعت الرأس منا
وبك الأوطان تسلم
نعم يا صديقي الفدائي رفع الرأس في زمن طأطأت فيه رؤوس الجبناء والمتخاذلين.
(حق الحياة) إحدى محطات السفر.. هل أعطى للحياة حقها الذي تستحقه، وهو كبير أو كثير جداً؟!
يريد الحياة له وحدة
مزينة تكتسي بالورود
موفرة بالصفا والهنا
تدوم بأبهى المنى والسعود
لو كنت مكانه لأبدلت بيته الثاني على النحو التالي: (موشحة بالصفا والهنا تعيش بأبهى المنى والسعود)
يبدو أن شاعرنا أشعل سراج شعره واقتحم به طباع بشر يتفاوتون في طباعهم وانطباعهم
ويشقى زميل على قربه
ويهلك باليأس بعد الجمود
ليتم تضيق به نفسه
فيحمل فيها الأذى والجمود
(الجمود) هنا مكررة بين البيتين.. ومفردات اللغة .. ليسهل إبدالها بأخرى كالجحود مثلاً.. أو الركود أيها يختار
ولم يخلق الكون للحاقدين
لينعم بالعيش هذا الحقود
ويتحمل من حظه عاثر
ويلقى العناء.. ويلقي السدود
يريد أن يدلها على حق الحياة الذي يعني:
هو الحق لا حق من يزدري
مكاسب حر لعز يريد
ويؤثر بالخير كل النفوس
ولم يبخس الناس حقاً أكيد
ويذكره الناس في فضله
وقد نال بالفضل دار الخلود
على هذا النسق التقريري المباشر الذي يفتقر إلى الربط بين أطرافه.. وصياغة أبياته يمضي شاعرنا بسراجه في دهاليز الحياة كاشفا لنا صوراً متباينة من صور الحياة وتناقضاتها..
ولم يبلغ العز من طبعه
حقود وحسود بغيض عنيد
(الواو) زائدة.. مخلة بالوزن.. أسقطها
يحيل إلى الشر في نفسه
وخسه طبع لأقصى الحدود
(خسه) يعني بها (خسة) تحتاج إلى نقط.. القصيدة في حاجة إلى مراجعة واعادة نظر يا شاعرنا الحبيب..
(أنا رجعي!!) هكذا أشير إليه.. أو أشار هو إلى نفسه.. لا أدري.. لنقرأ:
أنا رجعي إذا ما قلت ديني مطلبي!
أنا رجعي إلى الأمجاد يسمو مآربي!
أنا رجعي.. لدين الله، دين أطيب
أنا رجعي لهذا النور رغم الغضب
من قال لك ان الرجعية تمسك بثوابت العقيدة.. وثقافة الدين؟ الرجعية أن ترجع إلى عصور الظلام والظلم حيث لا دين يحمي.. ولا رسالة تهدي.. ولا قوة تحمي.. ولا حب يجمع.. تلك هي الرجعية..نواصل الخطاب الشعري مع شاعرنا:
قلت للباغين ولوا عن طريق الأصوب
والصحة (عن طريقي الأصوب) لأنه لا مكان لهم فيه في ظل شماتتهم وبغيهم.. ما عليك من وشاية وحكاية من يعيب الجانب المضيء في حياتك.. دعهم في غيهم وغبائهم يعمهون.. المهم والأهم أن نأخذ من ديننا قيمته، ومثله العليا.
أن ندرك أن العقيدة بناء روح وجسد.. بناء ماض وحاضر ومستقبل لا تقبل الجمود والجحود لمثالياتها..
أن نبذر في حقولنا بذور يقطة نصنع بها.. ونشيد على أركانها صرحاً من العلم والمعرفة.. والعمل الذي يأبى الكسل..
أن نكون مسلمين بحق نأخذه ممارسة على أرضية واقعنا.. والا ضعنا وضعفنا أمام خصومنا وما أكثرهم..
شاعرنا جدع أخذنا معه إلى أيكة الحب.. حيث القلب والعشق والمناجاة:
ماذا أقول وقد أضحى يحيينا
حلو الشمائل بالآمال يدنينا؟
بمبسم زانه الرحمن في دعه
يسبي الفؤاد وبالإيمان يشجينا
أراه يقبل في حسن وفي خفر
ووجنتاه بلون الورد تغرينا
كل الذي قلته جميل في توصيفه.. يجعلني أشعر أن شعرك الوجداني هو الأكثر طلاقة وانطلاقة..
وحشية تصحب الإسعاد خطوتها
ولفتة فاض منها الحسن يحيينا
مهفهف الفد مرموق بقامته
إن جاء يمشي تحس الحسن ينشينا
(الفد) يحتاج إلى نقطتين لأنه قد هذه واحدة.. الثانية انه جاء.. وما دام جاء يحسن استبدال (إن جاء) ب (مذ جاء) كثيرة أوصافه لقد انصف الجسد بقامته.. والخدود.. والقدود.. وأوتار القلب).
يا من كانت الألحان تطربنا
وفيه من نفاح الروح تعلينا
لكي يستقيم الشطر الأول أرى أن يأتي هكذا: (يا أنت من كانت الألحان تطربنا) لأنها في مكان مخاطبة نفس وقلب ووجدان.. هكذا توحي أبياته التالية:
إني فرشت فؤادي عند مضجعكم
وانشد اليوم قرباً منك يشفينا
وارقب الطيف في نومي لرؤيتكم
أذوق شوقاً فهلا جئت ترضينا
حتى تعود إلى نفسي سعادتها
من بعد صد مع الحرمان يقسينا
ولأن عقيدة شاعرنا متجذرة في أعمق أعماقه آثر أن يعيدنا معه نحو محرابها.. مشرعة أبوابها لمن يريد الدخول.. والقبول:
عقيدتي.. هذا سلاحي في يدي
أعده للغاصب المهدد
بالنار أرمي بالدوي المرعد
وقد نذرت اليوم سحق المعتدي
عقيدتي حق الجهاد والفدى
ولنمض للعلياء في أسمى مدى
ولنسحق الأعداء في أقسى ردى
فقد حلفت اليوم لا أحني يدا
عقيدة كفاح أرخى بها عنان فرسه لا تتهيب الموت وإنما تتعشقه بنهاية.. لأنه سراج استشهاد يكتب له البقاء، يريد ان يحرر وطنه:
كل وطنه ابتداء من فلسطين، وصولاً إلى الجولان.. مروراً بجنوب لبنان.. الشعر مشاعر.. إلا أن الشعر والمشاعر وحدها لا تكفي..
نتجاوز بعض قصائده اختصاراً لا خياراً.. الرحلة توشك على النهاية.. على دربنا محطتان (صور الأمس) يقول فيها:
صور بالمس تطالعنا
من ماضينا من حاضرنا
بديار العرب لها أثر
ولذي الأعجام لها خبر
ولدى الروم, ولدى الفرس
ما كان يعظم بالأمس
وبحاضرنا نسعى قدماً
للمجد ولا نرضى عدما
ما كان الله ليخذلنا
اذا في الحق ويهمنا
من كان مع الله كان الله معه.. هذه هي لب الحقيقة، لا حقيقة سواها.. أخيراً مع حسرات شاعرنا محمد إبراهيم جدع:
بأي مشيئة تجني عليّ
صهاينة اليهود الحاسرينا
أخشى في ظل الواقع المحبط والرديء، أن نكون نحن الحاسرين.. نعم يمكن أن نكون نحن المنتصرين إذا ما تمسكنا بحقنا في الحياة دون تراجع.. أو غفوة:
فهل نغفو وتتركهم ونخشى
جرائمهم ونبقى قاعدينا؟
فقد يمضي توسعهم بأرض
بها مثوى الرسول إذا عيينا
ومكة بعدها تمشي ضياعاً
ونفقد بعدها حقاً مبينا
يعود إلى إيحاءات دينه.. إلى عقيدته السمحة.. إلى روح العمل والقوة واعدوا لهم ما استطعتم من قوة
وما رضيت شريعتنا هواناً
وحثتنا بضرب المعتدينا
وفي مناشدة نقفل معها إطلالة شعره.. وديوانه وأهازيجه:
أعيدوا القدس للإسلام أمحوا
بأرض الله عاراً مستبينا
فما كنا على الإسلام حقا
إذا لم نظهر الإسلام دينا
يا شاعرنا سفرنا معك كان شيقاً.. الجادة التي عبرنا يحتاج البعض منها إلى تعبيد يسهل رصفه.. ومع هذا أشكرك فقد كنت رفيقاً مؤنساً..


الرياض ص.ب 231185
الرمز 11321 فاكس 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved