الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th September,2005 العدد : 124

الأثنين 22 ,شعبان 1426

العطالة والتجاوز
تأليف: أحمد حيدر
اللاذقية: دار الحوار، 2005م
في هذا الكتاب يقدم المفكر السوري أحمد حيدر تعريفات ومقاربات لمفاهيم فلسفية بلغة تجمع بين الأكاديمية والخواطر. في المقدمة يعرف بعض المفاهيم مثل الفلسفة والتساؤل والميتافيزيقا.
الفلسفة تنبت من التساؤل، الميتافيزيقا هي أن نظل في موقف التساؤل، والمذاهب المنجزة والمكتملة هي إيديولوجيات، وهكذا يبدو الحس الفلسفي أخلاقياً في صميمه، مع التأكيد على عدم وجود مناطق محرمة أمامه. الحس الفلسفي ينطلق من الحس النقدي، من الشعور بالسالب. الميتافيزيقا هي الذهاب إلى ما وراء المباشر. ومن هنا جاء اسمها، لكن سمعتها ساءت في العصر الحديث؛ لأن إنسان العصر الحديث أنكر ذاته بفعل وسائل الإعلام التي وصمت الميتافيزيقا بتهمة الغيب والكهانة، وهي نزعة عطالة ارتدت في صراعها مع الميتافيزيقا أردية عدة، فالعطالة ارتمت في حضن الدين في الماضي، وهي اليوم تحتمي بالوضعية وتصف غريمتها بالسحر والغيبية، وأحياناً تحتمي بالماركسية وتصف غريمتها بالتحريفية.
يتابع المفكر التعريفات: النظرية هي الرؤية التي تقود الأفعال، وهي مؤسسة على الحدس الذي هو من طبيعة وجودية. النظرية تحمل مشروعاً في الممارسة، تحمل تخطيطاً للمنحنى الذي ينبغي على الحياة الإنسانية أن تسلكه، ومهمة الممارسة هي تحقيق النظرية، وذلك بنقل الوجود من حالة الانخلاع إلى وضع تحقق الماهية.
تتميز الأيديولوجيا عن النظرية في أن الأولى محكومة بالنية السيكولوجية وخاضعة لأحكامها، في حين أن النظرية تحكم البنية السيكولوجية وتعمل على تفكيك ارتباطاتها اللامعقولية ودفعها في طريق المعقولية.
التساؤل هو الذي يغني النظرية، أما الأيديولوجيا فهي انحطاط النظرية وتفسخها نتيجة تراخي الجهد الأخلاقي للعطالة التي تحتمي خلف الأيديولوجيا.
العلاقة بين التساؤل والنظرية والأيديولوجيا علاقة جدلية تزداد حدتها عندما نقابل التساؤل بالأيديولوجيا، فالنظرية الناجحة هي الأسطورة الإنسانية المنفصلة عن التساؤل، فالتساؤل يضع كل نظرية في موقعها النسبي، وينزع عنها الاطمئنان، والاطمئنان ثمرة الإيمان.. العلاقة هنا علاقة تنافٍ وتكامل.
في النظرية نمضي من المعرفة إلى الحياة، وفي الأيديولوجيا ننطلق من البنية السيكولوجية التي أنتجتها في نفوسنا تجربة معينة تحت ضغط الحاجة. النظرية لا تعبأ بأن تأتي النتائج مخالفة للرغبات، بينما تسبغ الأيديولوجيا الرغبة على الوجود، وتخلط ما هو كائن بما يجب أن يكون، وتلبس العقل صورة الإرادة. وهكذا كان اتجاه الفلسفة الغربية بدءاً من عصر النهضة التي حملت العلم على الدوران في فلك الإرادة وخدمة غاياتها. العطالة بالنسبة إلى الكائن الحي تعبير عن اختصار الطاقة وادخار الجهد. وهي طريقة وجود الموجودات إذا تركت لعفويتها الخاصة. العطالة نزوع إلى الحالة الجامدة، حالة الثبات والسكون، حيث تبدو الانعطافات خالية من المفاجآت، ويكون المستقبل نسخة من الحاضر، على النقيض من الصيرورة الديالكتيكية التي تتضمن الجدة والإبداع. العطالة عارية عن النوايا خيرها وشرها، إنها مثل النهر الذي يروي المزروعات وقد يتلفها حيناً.
علاقة العطالة بالتكنولوجيا أن التكنولوجيا هي الوجه الإيجابي للعطالة، أما علاقة العطالة والإنسانية فتفرض تعريفاً آخر يجعل العطالة أسلوب البشر المباشر والعفوي في صيانة حياتهم بانتصار للمصلحة المباشرة على المصلحة التاريخية، والخير الجزئي على الخير الكلي. المصلحة المباشرة نابعة عن عفوية الحياة، أما المصلحة التاريخية فموقف يُمليه الوعي.
العطالة تناقض مبدأ الحوار، وتؤدي إلى التفكك وانغلاق الكيانات ضمن ذاتها وعجزها عن التواصل، وبالفعل الفردية اليوم هي البديل عن الشعور بال(نحن).. الفردية اليوم تتمدد أفقياً بدلاً من التمدد الشاقولي، تتمدد نحو تضخم الحاجات الاستهلاكية بدلاً من التمدد نحو رسالة تاريخية. العطالة هي استسلام الإنسان للمألوف دون أي خروج عليه، الأمر الذي يجعل منحنياته شبيهة بحياة النبات.
لكن إذا كانت العطالة تعني عامل توحيد جماعي هنا فإن هذا الاندماج عطالي نموه كمي، يتابع المفكر مفاجئا القارئ: إنسان العطالة هو البرجوازي الصغير.
في علاقة العطالة بالأيديولوجيا يجد الباحث أن العطالة تصنع أفضل عالم ممكن خالٍ من المفاجآت، فعالم المفاجأة عالم مرهق. الأيديولوجيا تحمل نفحة اللاهوت، نفحة الاطمئنان، وهي العطالة القديمة. الأسطورة السياسية المعاصرة والأيديولوجيا يصنعهما الطغاة السلاطين في تاريخنا القديم والمعاصر والديكتاتور في الغرب مثل ستالين وهتلر.
الأيديولوجيا المعاصرة ليست سوى أسطورة تروج العطالة وتفرضها، مغتالة العقل وحرية الفكر. إغلاق نوافذ الرؤية الإنسانية هو مهمة الإيديولوجيا.
في علاقة العطالة بالبيروقراطية يقول المفكر: إن الدولة تحل فكرة القانون محل فكرة الشخص، وظيفة الدولة هي صيانة العقلانية في المجتمع بتسييد الموضوعية على الذاتية، الدولة هي الصيغة التي تصون المجتمع من انتصار الجزء على الكل. جهاز الدولة حالة طبيعية، أما الجهاز البيروقراطي فحالة غير سوية تهدد الحياة. وما دام الجهاز يعمل على تطوير المجتمع ويحول بينه وبين العطالة والجمود فهو جهاز دولة سليم الأداء. البيروقراطية هي انفصال جهاز السلطة عن جسم المجتمع وانعزاله في حياة خاصة. البيروقراطية ليست تطوراً في المجتمع وتعقيداته، تلك نظرية خاطئة.
الاستبداد الشرقي القديم هو أصل بيروقراطيتنا المعاصرة، هكذا يرى الباحث، أصلها هو السلطان الذي ابتكر خرافة جني ألف ليلة وليلة تعريضاً عن عطالته الأصلية. البيروقراطية إحدى صور العطالة بقمعها المفاجآت، شأنها شأن ناظر محطة القطار، ولذلك فهي تستعين بالأيديولوجيا وعناصرها مثل الإعلام والثقافة.
ومثلما الأيديولوجيا هي الوريث الشرعي للاهوت كذلك البيروقراطية امتداد للكهانة. الأيديولوجيا تقوم بوظيفة الكاهن الأكبر، والبيروقراطي يقبض على مراكز الفعالية، على نقاط القوة. البيروقراطية تمركز السلطة على هيئة ظاهرة كما في القديم، أو على هيئة خفية كما هي اليوم.
البيروقراطي يحقِّق أمنه بضرب من تملك المجتمع بكامله من أجل أن يستمتع بالسكون ومنع المبادرات الذاتية. المواطن المعاصر يعاني رعباً أشبه من رعب البدائي من الأرواح غير المنظورة، وكلاهما في قبضة الوحوش الخفية. ومع هذا تمتلك العطالة إمكانات العقل كافة؛ فهي ليست غريزة عمياء، لكن العقل عندها محجور ومسخَّر لخدمة السكون والجمود.
نزعة العطالة كونية، ونزعة التجاوز إنسانية ارتفع بها عن الحيوان. إنها الصعود من مقولة التملك إلى مقولة الوجود. عندما لا تحقق نزعة التجاوز نفسها بالطريق الواقعي تعمد إلى تغيير المعطيات، إلى الطريق الخيالي بالفن والضحك والأزياء. الفلسفة المعاصرة على عكس الفلسفة التأملية الذاتية القديمة هي فلسفة التجاوز. من أفضال الفسلفة التجاوزية الماركسية أنها ميَّزت بين الأيديولوجيا والحقيقة، فكل أيديولوجيا تؤلف لحظة من لحظات الحقيقة.
في الكتاب مقاربات أخرى لمفاهيم مثل المفارقة الماركسية المترددة بين فيور باخ وهيجل وأنواع ال(نحن) مثل النحن الجزئي، وهي القطيعي الانفعالي، والنحن الكلي أو نحن الحوار، والفرديات مثل الفردية الفجة والفرد النحن وهو النمط القادر على الممارسة لانتمائه الاجتماعي وقدرته على الدخول في علاقات موضوعية، والفرد المأساة وهو الذي يعاني شعوراً حاداً بعدم الرضا، يعاني انسلاخاً عن مجتمعه وانخلاعه عنه.
يقع الكتاب في (190) صفحة من القطع المتوسط.


http://www.albayan.ae

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved