الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 27th February,2006 العدد : 142

الأثنين 28 ,محرم 1427

الحصان بين العلم والتراث
تأليف: الأستاذ الدكتور
عبدالرحمن بن سعود الهوادي
قراءة : حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
قال الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في الخيل شعراً جميلاً، رائقاً توّاماً، شائعاً وممتعاً فحواه:
أحبِّوا الخيل واصطبروا عليها
فإن العزَّ فيها والجمالا
إذا ما الخيل ضيَّعها أناس
ربطناها فأشركت العيالا
نقاسمها المعيشة كل يوم
ونكسوها البراقع والجلالا
الخيل رمز القوة والأصالة والبطولة والفروسية وقد أغرم العربي بها، فهام فيها شوقاً وحباً وصبابة، وقد حفل التاريخ التراثي للعرب بأقوال وقصص وأشعار تشيد بهذا الهيام، وتنوه بهذا العشق العذري العفيف، هذا العشق الذي يشف عن متانة الصلة وقوتها ورباطة جأشها بين العربي وحصانه، حيث روى ابن رشيق القيرواني في كتابه العمدة أثراً جميلأً ونصه:
(كان العرب لا يهنأون إلا بغلام يولد لهم أو شاعر ينبغ فيهم أو فرس تنتج)، وهناءة العرب المقصودة في النص يدخل فيها عادة دق الطبول، والإتيان بالرقص، في حالات ثلاث لا رابع لها وهي إطلالة غلام ذكر، أو تفتح قريحة شاعر، وتفجر الشعر على لسانه عذباً سلسبيلاً أو إنتاج فرس، وقد أشاد القرآن الكريم بهذا الحب وقرر تمكنه من نفوس العرب فقال جل شأنه: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}، وفي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشاد بهذا الحب فقال: (الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة). وذكر الخيل في مصدرين من مصادر التشريع القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لهو تكريم للخيل واعتبارها من مصادر القوة والجاه والخير، وما أجمل أبيات عنترة بن شداد العبسي، والتي يذكر فيها شجاعة فرسه، وإقدامه في حلبة القتال حتى يغطي الدم نحره، فيقول:
يدعون عنتر والرماح كأنها
أشطان بئر في لبان الأدهم
ما زلت أرميهم بنقرة نحره
ولبانه حتى تسربل بالدم
وبين يديَّ كتاب كريم، من كاتب قدير، هو سعادة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن سعود الهوادي - حفظه الله ورعاه - وعنوانه مرّ بك سلفاً، ويقع الكتاب في (123) ورقة من القطع الكبير، وهو من إصدارات المهرجان الوطني للتراث والثقافة - بارك الله فيه.
يقول المؤلف - سلّمه الله - في مقدمة كتابه الميمونة ما نصه: (يعتبر الحصان من الحيوانات المقربة للإنسان، فمنذ القدم كانت العلاقة بينه وبين الإنسان علاقة وثيقة جداً حيث استخدمه على مر العصور والأزمنة في حروبه وأسفاره وزراعته وصيده وسباقه ونقل أمتعته من مكان إلى آخر، وكذلك الاستفادة من لحمه ودمه وشعره، ويعتبر اقتناء الخيول والاهتمام بها في الماضي والحاضر مظهراً من مظاهر القوة والجاه والسلطان) والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه على مؤلف الكتاب - حفظه الله - هو: ما عساه أن يقول في موضوع تطرقه للخيل، وما الجديد الذي جاء به في هذا الكتاب؟ والجواب على هذا السؤال الجوهري الهام لم يغب عن بداهة المؤلف وسرعة تنبهه، فجاء في مقدمة كتابه راسماً منهجية كتابه، وخطة مؤلفه بقوله: (سوف نتطرق في هذا الكتاب إلى الحصان من الناحية العلمية في مختلف أوجهها، ونذكر أنواعه المختلفة واستخدامه في مختلف الأغراض، مستفيدين من المراجع العلمية المتوفرة بهذا الخصوص مع محاولة مقارنة ذلك ما ورد في التراث العربي عن الحصان العربي في هذا المجال)، وقد التزم المؤلف في كتابه هذا بتنفيذ خطته السابقة بكل حرص ودقة وتمعن، ومن خلال سياحتي في هذا الكتاب أحس أنني أمام موسوعة علمية كبيرة، أو معجم شعري عريض، عُني به من قبل مصنفه، فحث الخطى، وسارع الخطو، ليلحق هذا المؤلف بكتب العرب العريقة والتي قيلت في الخيل، أو الجمل أو ما شاكلهما، وأكاد أجزم أن المؤلف قد أمعن نظره، وشحذ قريحته، وأوقد عزمه وعزيمته، وأشعل همته وتهيامه، حتى أنجز مؤلفه، وأتى به على تمامه وكماله، مستوعباً دواوين الشعراء العريضة، ومعاجم اللغة الواسعة، وهو جهد بحثي مميز وفريد وشاق إلا على من يسره الله له، ولا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها، ورائق الكتاب كثير واسع، يتجلى حيناً في تلك الحقائق العلمية الغريبة والمشوقة، ويظهر في أحايين كثيرة في تلك الشواهد الشعرية المعجبة، مع العناية بجودة الوصف، وحسن الانتقاء، وبديع الاختيار، وجميل الشرح والبيان والتبيان، ولم يكتف مؤلف الكتاب، وفارس المصنف بهذا بل ضمن كتابه صوراً بديعة عن الخيل، وضمنها شروحات دقيقة، أضفت على البحث صورة من صور الوضوح، وتقريب المفاهيم الخاصة بالخيل إلى ذهنية القارئ وعقليته، فبارك الله في الكتاب كماً وكيفاً، وفيضاً وغيظاً، وقليلاً وكثيراً هذا وقد استقى الكاتب كتابه من خمسة مصادر جاءت في مقدمة الكتاب محصورة في خمسة أمور:
أولاً: القرآن الكريم، وثانياً: الأحاديث النبوية الشريفة، وثالثاً: الكتب على اختلاف مشاربها، وتنوع مآربها من علمية وأدبية، ورابعاً: الأمثال العربية، وخامساً: الشعر العربي قديمه وحديثه.
وحقائق الكتاب العلمية طريفة ظريفة ومنها ما جاء على لسان المؤلف - رعاه الله - حين قال: (والحصان من الحيوانات شديدة الوفاء لصاحبها، فهو لا يفارق فارسه إذا سقط عنه بل يظل إلى جانبه يحرسه ويحاول إيقاظه وإنهاضه، وكان لبعض الخيول أثناء الحرب العالمية الثانية القدرة على التفريق بين طائرات أصحابها والطائرات المعادية، فقد لوحظ أن الخيل تتوقف عن الأكل عند مرور طائرات العدو بينما تفعل العكس بالنسبة لطائرات أصحابها، كما أنه لوحظ أيضاً بأنها تقف عن السير أو أن تسلك طرقاً أكثر وعورة للتخفي من الطائرات المعادية).
وقد فطن العربي القديم إلى ذكاء حصانه، فقال في أمثاله العربية القديمة: (الخيل أعلم بفرسانها)، فهذا عامر بن الطفيل يحضّ فرسه ويزجره ليصمد في المعركة، وذلك لأن هذا الفرس كريم أصيل، الوفاء من طبعه، والإخلاص من سجيته فيقول:
إذا ازور من وقع الرماح زجرته
وقلت له: ارجع مقبلاً غير مدبر
وأنبأته أن الفرار خزاية
على المرء ما لم يبل جهداً ويعذر
ألست ترى أرماحهم فيّ شرعاً
وأنت حصان ماجد العرق فاصبر
وأما عنترة بن شداد العبسي فيصف وجه فرسه العابس وهو يخوض المعركة، مبحراً في دماء القتلى:
فازور من وقنع القنا بلباه
وشكى إليّ بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
ولكان لو علم الكلام مكلمي
والخيل تقتحم الخبار عوابساً
من بين شظيمة وآخر شيظم
وأخيراً: حسبك أيها القارئ الكريم أن تعلم بمكانة الخيل عند العرب أن حرب داحس والغبراء حدثت بسبب سباق خيل.


عنوان المراسلة:
ص ب 54753 الرياض 11524

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved