Culture Magazine Monday  28/05/2007 G Issue 200
فضاءات
الأثنين 11 ,جمادى الاولى 1428   العدد  200
 

وقفة
غادة السمان تتعرض لانتحال اسمها من قبل أخرى
عبد الرحمن مجيد الربيعي

 

 

تعاني صديقتنا المبدعة الكبيرة غادة السمان من ازعاج وصداع رأس سببته لها فتاة تحمل اسماً شبيهاً باسمها ولها محاولات في الكتابة الأدبية.

وأقول (تعاني) لكون الفتاة هي تصرّ على أن يكون اسمها غادة السمان فقط، وأحياناً تكتب غادة بالألف بدلاً من التاء (غادا). وغالباً ما يتوهم البعض أن صاحبة التوقيع هي غادة السمان الكاتبة الكبيرة التي أثرت المكتبة العربية بمؤلفاتها في الرواية والقصة والشعر والرحلات منذ الستينيات وحتى يومنا هذا، عدا كونها صاحبة (لحظة حرية) على الصفحة الأخيرة من مجلة (الحوادث) اللبنانية التي تكتبها بانتظام، وقد مرت على هذا عدة عقود، ولها قراء ومحبون يتوزعون على مساحة الوطن العربي. وقد وجد أصدقاء غادة أن هذه الفتاة تورطها في أمور هي في غنى عنها، آخرها النداء الذي توجهت به للمحسنين على صفحات إحدى الجرائد اللبنانية لمساعدتها بثلاثة آلاف دولار لتجري عملية جراحية بعد أن أصبحت مهددة بالشلل إذا لم تجرها. ولما قرأ الناس اسم صاحبة النداء (كُتب غادة السمان) انهالت التبرعات وسط استغراب ودهشة من قرأوا النداء إذ إنهم يعرفون ثراء غادة وثراء زوجها الدكتور بشير الداعوق ابن إحدى أعرق الأسر البيروتية والمثقف المعروف وصاحب دار الطليعة للنشر. وقد كتب صديقنا المشترك الروائي ياسين رفاعية مقالاً في جريدة المحرر اللبنانية روى فيه حكاية هذه الفتاة التي سماها (غادة السمان المزيفة) كما روى أن رجل أعمال معروفاً من آل الخليل طلب من سكرتيرته أن تتصل بها لتأتي إلى مكتبه وتستلم خمسة آلاف دولار لا ثلاثة كما طلبت في رسالتها المنشورة. وعندما حضرت فوجئت سكرتيرته بأن هذه الفتاة ليست غادة السمان الكاتبة المعروفة ودخلت على مديرها لتوضح له الأمر فأحرج الرجل، ومع هذا طلب من سكرتيرته أن تدفع لها المبلغ طالما هي بحاجة إليه. هذا عدا تبرعات أخرى جاءتها من شخصيات لبنانية موسرة ظناً منهم أنهم يتبرعون لكاتبتهم المحبوبة غادة السمان حتى عائلة الحريري تبرعت لها بمبلغ معين لم يعلن عن مقداره. وظهر أن كل المسألة عملية ارتزاق، وأذكر أنني كتبت في تونس حيث أقيم حول الموضوع الجديد القديم قبل سنوات وكان عنوان مقالتي (سارقو أسماء غيرهم) بعد أن التقيت بهذه الفتاة في طرابلس وقد جاءت مع زوجها وبعض الأدباء اللبنانيين وقلت لها: عليك أن تكتبي اسمك واسم والدك (غادة فؤاد) فقط وليس هناك من داع للقب (السمان) لأنه يحيل فوراً إلى كاتبة كبيرة مكرّسة ومعروفة، إذ إن هذا يوضح شخصيتك الكتابية وأنت في بداية الطريق. ولكن يبدو أنها استمرأت المسألة فقبل أشهر كانت إحدى القنوات الفضائية تعلن عن لقاء مع غادة السمان ورغم أنني أعرف جيداً أن غادة لا تظهر في وسائل الإعلام خاصة التلفزة وتكتفي بنشر كتاباتها إلا أنني قلت كما قال غيري إنها ربما اقتنعت أخيراً بالظهور. ولكن عندما بدأت الحصة رأينا أمامنا تلك الفتاة بأجوبتها البسيطة وثقافتها المحدودة و(إشجاب لجاب؟) كما يقول إخوتنا في مصر. ويبدو أن هذا المسلسل متواصل حيث روى ياسين رفاعية في مقالته هذه أنها سافرت للسودان برفقة أدباء لبنانيين (وعندما قرأ الرئيس عمر البشير أسماء المشاركين لفت نظره اسم غادة السمان وخصّها وحدها من بين جميع المشاركين باستقبالها وهو يظن أنه يستقبل غادة السمان الأديبة السورية الكبيرة. ولم توضح غادة السمان المزيفة أنها ليست تلك الكاتبة الكبيرة، ثم سرعان ما انكشف الأمر أيضاً في الخرطوم وحدثت تلك الفضيحة المشهورة).

أشير هنا إلى أن النداء الذي نشرته الجريدة اللبنانية كان تحت عنوان لافت (انقذوا غادة السمان) وقد ردت غادة السمان على ما جرى في مقال تحت عنوان (كي لا يحدث ذلك لسواي) في مجلة (الحوادث) وطالبت بوضع ميثاق شرف بين الأدباء لمقاطعة كل من يسرق لقب غيره بذريعة تشابه الأسماء. وقالت: (لا يجوز أن يتعرض سواي لما تعرضت له تحت شعار تشابه الأسماء، صار من الضروري وضع نص قانوني لمنع استغلال التشابه في الأسماء كذريعة للسرقة من الرصيد الأدبي المشهور أو للتسول أو لجمع التبرعات أو للترويج للكاتب، أو للأذى. لا توجد ظاهرة سرقة أسماء إذا لم يأت من يدعمها، ويلعب دور الشريك ونحن بحاجة إلى ميثاق شرف بين الأدباء).

هنا أقول إنه قد يحدث تشابه في الأسماء بين إنسان وآخر. ولكن المسألة تصبح أصعب عندما يكون الاثنان في مجال واحد. أذكر أن في العراق شاعراً ظهر معنا في الستينيات وهو من مدينة الحلة واسمه أمجد ناصر ثم عرف أن هناك شاعراً أردنياً له الاسم نفسه وهو المحرر الثقافي لجريدة (القدس العربي) فأضاف العراقي إلى اسمه اسم جدّه (حسون) وهو والد شذى حسون، الفتاة التي فازت في مسابقة (ستار أكاديمي)، أي أنه حسم الموضوع منذ بداياته دون الوقوع في أي إحراج رغم أنه انصرف لإصدار مجلة سياحية وقلّ نشره للشعر.

ولي شخصياً تجربة واجهتني في بداية حياتي الأدبية حيث كنت أنشر كتاباتي تحت اسم عبد الرحمن الربيعي فقط، ثم (هوجمت) بمؤلف تمثيليات إذاعية شعبية عن المشاكل الأسرية والطبخ وما شابه، وقد حصل هذا في أوج دعوتنا للحداثة، والإضافة وقصيدة النثر (ما نشرته في مجلة شعر اللبنانية عام 1962م). وصرت أتعرض لدعابات الأصدقاء بأن لي خطاباً مزدوجاً فما الذي يجمع بين قصيدة النثر وتمثيليات الإذاعة وبالدارجة البغداية؟ وأخذت أوضح حتى تعبت. ثم عنَّ لي أن أسأل عن الرجل فاهتديت إلى مكان عمله، وقلت له بوضوح لنعقد اتفاق (جنتل مان) أنت تكتب اسم والدك وأنا أكتب اسم والدي وأذكر أن اسم والده (سعيد) بينما اسم والدي (مجيد). وحتى بعد أن توفاه الله تواصل اسمي بالشكل الثلاثي المعروف. نأمل أن ترتدع هذه الفتاة وتكفّ عن انتحال اسم كاتبة كبيرة وأعتقد أن اسم (غادة فؤاد) إذا كانت مصرة على الكتابة مقبول ولتدع (السمان) لأهله، أو أنه صار بمثابة (ماركة مسجلة) لكاتبة أخرى لها تجربتها الإبداعية الواسعة.

لندن


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة