Culture Magazine Monday  28/05/2007 G Issue 200
فضاءات
الأثنين 11 ,جمادى الاولى 1428   العدد  200
 
المثقفة السعودية ظالمة أم مظلومة؟!
أمل زاهد

 

 

أعاني وغيري من العضوات والمسؤولات في اللجان الثقافية النسائية بالنوادي الأدبية في المملكة من خيبة الأمل والإحباط فيما يتعلق بحضور المرأة ومشاركتها في الفعاليات الثقافية سواء منها النسائية المستقلة التي تقيمها بعض النوادي في المملكة، أو تلك الأخرى التي يتم تلقيها عبر الدوائر التلفزيونية المغلقة! فالحضور النسائي غالباً ضعيف ومتواضع، ونادراً ما يكون هذا الحضور مرضياً ومقنعاً أو حتى متناسباً مع حجم الجهود المبذولة في تنظيم الفعاليات! كما نعاني من هجران الأكاديميات والمثقفات وعزوفهن عن حضور الفعاليات الثقافية رغم دعوة النادي لهن بوساطة وسائل متعددة كرسائل الجوال والرسائل على البريد الإلكتروني، والدعوات التي تبعث لكل المعاقل التعليمية عن طريق الفاكس، والإعلانات الملصقة في الشوارع الرئيسة!

وهي ظاهرة تستحق الدراسة، فهي تبدو جمعية وعامة في كل نوادي المملكة حسب حديثي مع عدد من المسؤولات في مناطق مختلفة من المملكة، بل شاملة حتى لكثير من الفعاليات الثقافية التي يفترض أن تشارك وتحضر فيها المرأة.. على غرار الفعاليات التي تقام على ضفاف معارض الكتاب في المملكة على سبيل المثال! وقد فوجئت أن عدد الحاضرات في محاضرة الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو في معرض الكتاب بالرياض لم يتجاوز أصبع اليد الواحدة في اليوم الثاني للافتتاح، على حين ارتفع العدد إلى سبع حاضرات في المحاضرة التي تلتها عن النشر الإلكتروني! وقد كانت القاعة الرجالية تتأجج حضوراً وحماسة ومشاركة وتفاعلاً ونشاطاً في كلتا المحاضرتين!

فلماذا تعزف المرأة السعودية عن حضور الفعاليات الثقافية؟ ولماذا تشمل هذه الظاهرة حتى المثقفات والمتعلمات؟ وهل تخون المثقفة السعودية قضيتها بهذا الابتعاد؟ فهي تتوارى بعيداً عافة ومعرضة عن المشاركة والتفاعل في عزوف سلبي مخجل، وكأن الشأن الثقافي لا يعنيها بحال! ولماذا تهجر الأبواب المشرعة لاستقبالها والمتطلعة لمشاركتها؟! ولماذا تنادي وتطالب المثقفة بتفعيل دور المرأة، ثم تنسحب - إلا من رحم ربي - بعيداً عن المشاركة والحضور في حال إتاحة الفرصة لها؟!

حقيقة هناك عزوف وإعراض عن الثقافي الفكري لصالح الوعظي الشكلاني من جهة أو لصالح الهش والمسطح والمجرد من القيمة الأدبية والفنية من جهة أخرى في كل أنحاء مشهدنا الاجتماعي الثقافي الرجالي والنسائي بشكل عام، ولكن الملحوظ أن هذا العزوف يتزايد في الشق النسائي، ويشمل حتى المتعلمات والمثقفات منهن، وترتفع أصوات اللوم وصرخات التأنيب في وجه المرأة السعودية المنسحبة بعيداً متخلية عما منح لها مؤخراً من استحقاقات فرضتها طبيعة المرحلة، والحاجة الملحة لمشاركة النصف الآخر من المجتمع في تنمية البلاد ونهضتها.

ولكن هل نستطيع أن نلوم من أبعدت وأقصيت طويلاً عن الحضور والمشاركة حتى ترسخ في لاوعيها هامشية دورها وعدم أهميته؟! وهل نستطيع أن نرفع في وجهها أصابع الاتهام حينما تبتعد غير مصدقة أن المشاركة الحقيقة باتت على مرمى خطوات من قدميها، وأنها فقط تحتاج إلى العزم والإرادة حتى تواصل الحفر في طريق استعصى عليها طويلاً؟!

في تقديري أن بقاء المرأة الطويل في المراكب الخلفية البعيدة عن المشاركة جعلها تراوح مكانها غير قادرة على الحركة، فقد ألفت الأبواب المغلقة في وجهها، وكأنها لا تصدق أن الأبواب التي أوصدت طويلاً قد باتت مواربة وأنه يمكنها استراق النظر من خلالها والتطلع إلى تفعيل أكبر لدورها وتعزيز لمكانتها! كما أن بقاءها طويلاً في الصفوف الخلفية أتخم لاوعيها بصورة سلبية عن ذاتها وعزز من عدم إدراكها لأهمية دورها في صناعة الثقافة وفي تنمية المجتمع، أو لعله إحباط ويأس من تغيير حقيقي يمس أحوالها وأوضاعها في ثقافة تهمين عليها الفحولة والذكورية! فرغم الإنجازات الكثيرة الظاهرة التي تمكنت المرأة السعودية من تحقيقها، لا يزال وضعها الاجتماعي على ما هو عليه، حتى لو اعتمدت الأسرة عليها في الإنفاق وتحقيق الرخاء الاقتصادي، كما لا يزال الذكر القائم عليها هو صانع القرار في حياتها والمتحكم والمهيمن على تفاصيلها، فلا رجاحة عقلها ولا علمها وتفوقها قادر على منحها أحقية اتخاذ القرارات المفصلية في حياتها!

وتحاجج بعض المثقفات قائلات إن دور المرأة لا يزال هامشياً، ومن وراء الكواليس في النوادي الأدبية، ولذلك يفضلن الانسحاب والابتعاد عن مكان لا يعطيهن حقوقهن كاملة، وأن المرأة ليست صانعة القرار في هذه المؤسسات الثقافية بل هي رديفة، وأن الأقسام النسائية في النوادي الأدبية لا تعدو أن تكون ثانوية وفرعية، على حين تبقى الأقسام الرجالية هي الأصل. ولعلهن على حق، ولكن أليست كل مفردات ثقافتنا تدور في الأفلاك الذكورية؟ فهل هناك مجال تعليمي أو ثقافي لا يهيمن فيه الرجل؟! وألا تضع هذه الحقيقة على كاهلهن عبئاً أكبر حتى يواصلن المحاولة تلو المحاولة لتعزيز دورهن ومكانتهن؟!

يناط بالمثقفة السعودية اليوم أكثر من أي وقت آخر، أن تسهم في تفعيل دورها والمطالبة بحقوقها، بل يتوجب عليها أن تعيد صناعة المرأة من حولها وذلك عبر صياغة الوعي المجتمعي من جديد، ليدرك أفراده رجالاً ونساء أهمية دور المرأة، وأنه لا تقوم لمجتمع قائمة إلا بمشاركة الرجل والمرأة في بنائه وتنميته. فنحن نسمع كثيراً أن المرأة السعودية تظلم نفسها أولاً قبل أن يظلمها المجتمع أو الثقافة السائدة، فهي راضية عن مكانتها الاجتماعية ووضعها في الخارطة المجتمعية، حيث تقف هناك دائماً في الصفوف الخلفية هادئة مطمئنة لا يشق غبار اطمئنانها قلق أو تحفز أو رغبة في الخروج من الدوائر التي حكمت عليها الثقافة أن تدور فيها، بل هي تجأر بالصراخ في وجه من يطالب بتفعيل دورها وتمكينها ليتركوها وشأنها، فهي راضية وقانعة، بل سعيدة وهي ترفل في حلل الدعة وأثواب الدلال المحيطة بها من كل جانب.

وحقيقة لا تلام المرأة التي تفكر بهذه الطريقة بقدر ما تلام الثقافة التي حقنتها بهذه المفاهيم عن ذاتها، وعلى المثقفة السعودية اليوم تخليق وعي جديد يهتم بإعادة صياغة عقل المرأة لتعي ذاتها وتدرك أهمية دورها. ولا شك أن تعريف المرأة بدورها وحقوقها وواجباتها يأتي على رأس المهام التي يتحتم عليها أن تقوم بها، ولا بد أن تؤمن أن الإصرار والمثابرة والإيجابية فقط هو الذي سيمكنها من نيل حقوق حرمت منها طويلاً!

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7446» ثم أرسلها إلى الكود 82244

المدينة المنوره Amal_zahid@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة