Culture Magazine Monday  28/05/2007 G Issue 200
فضاءات
الأثنين 11 ,جمادى الاولى 1428   العدد  200
 

تقسيم التقسيم
للسياسة أحكام.. وللقدر أحكام
قاسم حول

 

 

وما حل بالعراق من كوارث بشرية وبيئية هو من أحكام القدر وأحكام السياسة.

من أحكام السياسة على واقع العراق أن سيجت منطقة الأعظمية لأن غالبيتها من طيف معين، وسيجت مدينة الثورة لأن سكانها من طيف آخر! قلنا لهم وكتبنا لهم أن الأسيجة مع الداخل لا ينبغي أن تكون كونكريتية، بل أن تمتد إليها جسور الثقة وجسور المحبة وجسور السلام.

وإذا كان عدوكم آتياً من خارج الحدود فسيجوا الوطن بسور مثل سور الصين العظيم، وإن فكرة الأسيجة والتقسيم سوف تدمر الوطن وتدمر الهوية الثقافية وستبكي المثقفين دماً أكثر من غيرهم، فهم أهل الحس وأهل غزارة الدموع حتى قبل أن تحل الكوارث.

فكرة التقسيم هذه، وهي فكرة مفتعلة تمت تغذيتها من خارج العراق لتتحول إلى فكرة منطقية مقبولة التفسير والتحقيق.

أول تقسيم دخل الوزارات العراقية أن يتم تعيين كوادر الوزارات بخليط من أطياف المجتمع العراقي. حصل ذلك في الوزارت العراقية ومنها وزارة الثقافة العراقية.

ففي وزارة الثقافة العراقية، الوزير من الطيف الثاني ونائب الوزير من الطيف الأول، يحصل هذا في وزارة المفروض فيها أن تتجاوز حكاية الأطياف هذه وأن تتصارع في مجال الإبداع وتتنافس في أن تحقق فرص الإنتاج للمبدعين من كل أطياف وفئات المجتمع العراقي دون النظر إلى شكل ولون الطيف لأنها مسألة تنتمي إلى الماضوية مع أن الماضي مر بعصور أسمى من عصرنا وأكثر رقياً ثم مضى وجاء ماض آخر أكثر تخلفاً ثم مضى وجاء غيره، وهكذا تواتر سقوط الحضارات في مسار الحياة.

ويبدو لي أن حاضرنا هو الأسوأ في هذا المسار وهو آيل للسقوط بضرورة الحقيقة الموضوعية والمادية والروحية. ما حصل أخيراً أن وزير الثقافة العراقي قرَّر نقل مقر الوزارة.

نعرف أن في العراق اليوم مناطق آمنة ومناطق غير آمنة وهذا الأمن نسبي، فما هو آمن لهذا غير آمن لذاك والعكس صحيح.

واختار السيد الوزير لوزارته مقراً آمناً له وانتقل معه منتسبون من الوزارة ينتسبون إلى طيفه، ورفض المنتسبون الآخرون ومعهم وكيل وزارة الثقافة الانتقال لمعرفتهم أن مقر الوزارة الجديد غير آمن لهم.

بطريقة هادئة وشبه منطقية أصبحت وزارة الثقافة العراقية وزارتين، واحدة يحكمها وزير الثقافة والثانية يحكمها وكيل وزارة الثقافة. هذا يعني وبالضرورة ستنشأ ثقافتان.. ويدفع إيجار مقرين ويتكون ولاءان، وينتج فيلمان، وتقدّم مسرحيتان، وتكتب قصيدتان، وينمو وطن ليولد وطناً فيصبح وطنين، ويشتركان في مؤتمر واحد للثقافة في اليونسكو، واحد باسم وزارة الثقافة العراقية ومقرها منطقة الأعظمية (صوب الرصافة) وواحد باسم وزارة الثقافة العراقية ومقرها شارع حيفا (صوب الكرخ).

المثقفون العراقيون ترى لأية وزارة ينتمون؟ ولأية وزارة يتقدّمون بالشكوى لو انتهكت حقوقهم الإبداعية؟ ومن ترى يجيز نصوصهم المسرحية؟ من يمتلك ميزانية الوزارة، أهو محاسب وزارة الثقافة في صوب الرصافة أو محاسب الوزارة في صوب الكرخ؟ فمن يدفع إذاً مصروفات مواد تنظيف الوزارة؟ فإذا كانت الميزانية لدى صوب الرصافة فستبقى وزارة صوب الكرخ تعشعش فيها الأوساخ، وإذا كانت الميزانية في صوب الكرخ فإن الوزارة في صوب الرصافة سوف تعشعش فيها الأوساخ؟ وهل سيدفع وزير الثقافة في صوب الرصافة راتب وكيل الوزارة في صوب الكرخ؟ أم أن وكيل الوزارة في صوب الكرخ سوف يدفع راتب وزير الثقافة في صوب الرصافة؟ وأية وزارة من الوزارتين تنظّم مهرجان المربد الشعري؟ وأي الوزيرين، الوزير أو وكيله يلقي كلمة الافتتاح؟ والشعراء لأي من الوزارتين ينتسبون؟ وهل سينقسم الشعراء بين مناصر لهذا ومعاد لذاك أو بين مناصر لذاك ومعاد لهذا؟ وماذا سيقول الشاعر علي بن الجهم أيام حكم المتوكل، الذي قال بعد أن منحه المتوكل قصراً على شاطئ دجلة الذي يفصل بين الرصافة والكرخ.. قال:

عيون المها بين الرصافة والجسر..

جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري!

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7591» ثم أرسلها إلى الكود 82244

هولندا


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة