Culture Magazine Monday  30/04/2007 G Issue 197
الملف
الأثنين 13 ,ربيع الثاني 1428   العدد  197
 
ما لم أقله عن أستاذي الفاضل حجاب الحازمي!!
أحمد بن إبراهيم الحربي*

 

 

في البدء، سألت نفسي، كيف أستطيع أن أفتش في حنايا الذاكرة عن رحلة التعارف بيني وبين الأستاذ الفاضل حجاب الحازمي؟ لأنني سأحتاج إلى نصف قرن إلا عقداً من الزمن، فقد عرفته بسمعي قبل أكثر من أربعين عاماً، من خلال أخي الأكبر علي الحربي الذي تزامل مع الأستاذ حجاب في دراسته الأولى في المعهد العلمي في صامطة، وكذلك في المرحلة الجامعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وشاء الله أن ألتقي به قبل ثلاثين عاماً تقريباً وتحديداً ذات صيف في العام 1398هـ في منزل أخي الأكبر في أبها.

يا إلهي!! يرتعش القلم في يدي، وترتعد كل قواي الجسدية والعقلية، عندما فكرت أن أكتب كلمة تفي بحق الأستاذ الجليل، والمربي الفاضل، والشيخ الأديب، أستاذنا القدير حجاب بن يحيى الحازمي، لا لشيء إلا لأنه هامة عالية من الصعب التطاول لبلوغ ذروتها السامقة.. باختصار شديد: (شهادتي في حجاب الحازمي مجروحة، لأنني أحبه) وأعرف أن الكثيرين يشاركونني هذا الحب.

لذلك ألتمس العذر من أستاذي الفاضل إذا لم أوفيه حقه كاملاً، فالأستاذ حجاب كبير في عطائه، كبير في أخلاقه، كبير في إخلاصه، كبير في وفائه، كبير في علمه، كبير في أدبه، (حجاب الحازمي كثير جداً)، والكثير من الصعب أن تلم به، أو ببعضه، ولكنه الواجب الذي يحتم على مثلي أن يسطر بعضاً مما أعرفه عن أبي حسن يحفظه الله.

فبأي قلم سأكتب؟ وماذا سأكتب؟ وبأية عبارات أعرب عما يجيش في خاطري؟ وما الذي أريد أن أعرب عنه؟ وبأية لغة أتحدث؟ وكيف لي أن أتحدث عن علم من أعلام العلم والأدب؟ ورائد من رواد الثقافة والفكر في منطقة جازان على وجه الخصوص، وفي بلادنا الغالية على الوجه الأعم؟

عندما قابلته، قابلتني ابتسامته المشرقة، وقرأت في ملامحه الآسرة، تواضعه الجم، وإنسانيته المفرطة، وحبه للزملاء، ووفاءه للأصدقاء..

أشعرني بقربه مني، وقربي منه، على الرغم من فارق السن، بيني وبينه إلا أن هذا الفارق ذاب في حميميته، ووده ووداده وبياض قلبه، ونقاء سريرته.

بعد ذلك بقليل تابعته كاتبا من خلال معاركه الأدبية والتاريخية على صفحات المجلات والصحف السعودية، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، وساطته الرائعة بين الأستاذين الشيخ محمد العقيلي رحمه الله، والأستاذ الأديب المعروف علي العمير يحفظه الله، المنشورة على صفحات عكاظ في عام 1402هـ.. فكان نعم الباحث هو، ونعم المتحدث هو، بلباقته وأدبه، وحسن تعامله مع الحرف، الأدبي والتاريخي.

تأسرك فيه سعة إطلاعه، واتساع معرفته، وعلو همته، وسرعة بديهته، وبراعته في البحث والتنقيب، والحوار المتزن العاقل، الذي يبحث فيه عن الحقيقة المجردة، وإعادة كل شيء إلى نصابه.

ثم قرأته قاصا في مجموعته البكر (وجوه من الريف)، فأسرتني لغته النقية، وحبكته السردية الرائعة التي تأخذ بتلابيبك، من أول الحرف حتى آخر الكلمات. وحين تسنم ذروة الهرم الثقافي في جازان، قاد المسيرة الأدبية والثقافية ببراعة متناهية، وقيادة واعية، وعطاء لا محدود، يشهد له بذلك البعيد قبل القريب، وأظن جازما بأنه ليس في حاجتي لأقول عنه ما ليس فيه.

فالأستاذ حجاب الحازمي - الذي تتشكل شخصيته في العديد من المعاني السامية منها الشهامة والوقار، والنخوة والشرف الرفيع، والثقافة والعلم، والأدب والفكر، وغيرها من المعاني - رجل تشكل شخصيته هذه المعاني ليس في حاجة إلى مجاملة المجاملين، وتطبيل المطبلين.. فهو أهل لكل ما يقال عنه من المديح والثناء العاطر.

وتوالت اللقاءات بيني وبينه بعد ذلك، وفي كل لقاء أقرأ في وجهه رحلة عطائه، ومدى إخلاصه في العطاء، وألمس في حديثه عمق تجربته، ووضوح رؤيته، وهمه الثقافي الذي حمله على عاتقه منذ بدء رحلته مع الحرف في أداء رسالته الأدبية والثقافية.

وقد عملت في إدارته مشرفا على نشاط اللقاء نصف شهري في نادي جازان الأدبي، اللقاء المشهور باسم (الإثنينة) فلم ألق منه إلا كل الدعم والمؤازرة المساندة في رعاية الشباب الموهوبين، ناشئة الأدب في المنطقة الذين قدمهم النادي الأدبي للساحة الأدبية والثقافية من خلال التعريف بهم، وطبع نتاجهم الأدبي، وأيضاً من خلال إعطائهم الفرصة تلو الأخرى لاعتلاء منبر النادي الأدبي والمشاركة في شتى فعالياته، وأنشطته.

وشاركت مع الأستاذ حجاب الحازمي في أحد مهرجانات الجنادرية، فكان نعم الرفيق في السفر، كان الأخ والقائد، والمربي والموجه والناصح، دون أن يشعرك بالوصاية عليك، كان يحفظه الله يشعرنا بأهمية الحديث، وأهمية المشاركة الإيجابية فيه، بأسلوب تربوي جميل قل أن تجد له مثيلاً.. ولا غرو في ذلك فهو ابن بيئة تربوية وأدبية وعلمية، أفاد منها واستفدنا بها كثيراً.

ثم شاركته في أمسية شعرية على ساحل البحر الأحمر في الشقيق مع زميله في قيادة سفينة الثقافة والأدب في جازان، وصديقي الوفي الأستاذ أحمد البهكلي، فشكلت تلك الأمسية منعطفا جديدا في حياتي الأدبية والاجتماعية، لعظيم الفائدة التي فزت بها من مصاحبتي لهما.

وقد ساهم الأستاذ حجاب الحازمي حفظه الله في إثراء المكتبة العربية بمؤلفاته المتنوعة وأبحاثه المتميزة في الأدب والتاريخ، فبالإضافة إلى مجموعته القصصية آنف ذكرها (وجوه من الريف) أذكر من أسفاره ومؤلفاته: (نبذة تاريخية عن التعليم في تهامة وعسير) وكتابه الجميل عن (القاسم بن علي بن هتيمل الضمدي) حياته وشعره، هذا الكتاب الذي أضفى بعداً آخر لحياة القاسم بن علي بن هتيمل، ثم كتابه (أبجديات في النقد والأدب)، وكتاب (لمحات عن الشعر والشعراء في منطقة جازان خلال العهد السعودي الزاهر)، و (الحركة الأدبية في منطقة جازان)، كذلك البحث القيم (من حلل الشعراء وحيلهم الفنية) الذي أصدرته المجلة العربية مع أحد أعدادها.

أعرف أن لدى الأستاذ حجاب الحازمي العديد من الأبحاث التي شارك بها في المؤتمرات والندوات والمهرجانات، أتمنى أن ترى النور قريباً في كتب مستقلة لنستفيد من تجاربه وأدبه وفكره.. فهو خصب العطاء، ونهر متدفق لا نشبع من الارتواء منه.

وأعرف أيضاً أنه يحفظه الله يعكف حالياً على إنجاز ما تبقى من كتبه المخطوطة، التي بدأ الشروع فيها من قبل، ولعل إجازته المفتوحة التي أخذها بعد تقاعده تساعده على إتمام أعماله، متمنياً أن نحظى بقراءتها قريباً إن شاء الله.

خالص الدعاء بالتوفيق للأستاذ الكبير حجاب بن يحيى الحازمي، مقروناً بالشكر الجزيل للقائمين على الجزيرة الثقافية الذين منحونا هذه الفرصة لنتحدث عن روادنا وأساتذتنا الكبار، الكبار في كل شيء. وللجميع عاطر التحايا وأزكاها.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة