Culture Magazine Monday  30/04/2007 G Issue 197
الملف
الأثنين 13 ,ربيع الثاني 1428   العدد  197
 

الشعر في جازان.. و(لمحات) الأديب الحازمي
د. مجدي محمد الخواجي

 

 

يشكل كتاب (لمحات عن الشعر والشعراء في منطقة جازان) لأستاذنا الأديب حجاب الحازمي خلاصة تجربة ثرية عاشها المؤلف مع الأدب والثقافة طيلة أربعين عاماً همّاً وإبداعاً وتأليفاً. ولا نستغرب ذلك فأستاذنا الكبير (الحازمي) ينحدر من سلالة علمية وأدبية كان لها أثرها الكبير في تغذية الثقافة والفكر عبر الحقب السابقة في تاريخ جازان، فلا غرو إذن أن يحمل الهم وأن يواصل المسيرة في الفكر والأدب. فهو إلى كونه أديباً يعد صاحب قلم سردي متأنق وفكر نقدي متألق، وقد عرفته الساحة الثقافية أواخر التسعينات الهجرية عندما بدأ ينشر دراساته المعمقة عن الشاعر القاسم بن هتيمل الضمدي، هذا إلى جانب تجربته القصصية في (وجوه من الريف) والنقدية في (أبجديات في النقد والأدب) ثم توالت بعد ذلك قراءاته الثقافية ودراساته الأدبية التي تكاد تتخصص في أدب منطقة جازان وشعرائها.

ويأتي كتابه (لمحات) امتداداً لذلك الهم الثقافي الذي ما زال يسيطر على فكر أديبنا وثقافته فهو (محاولة لإلقاء الضوء على جانب ظلت منطقة جازان تتفرد بتميزها في تسنم هامات شموخه، وتعتز بانتمائها إلى واحاته الخضر وامتلاك خمائله الغن، ولا أبالغ إذا ادعيت أن جازان هي الشعر ومأوى الشعر وموطن الشعر).

ولا شك أن هذه النظرة لدى الأستاذ حجاب الحازمي لم تولد من فراغ أو تنبع من تحيز، وإنما كانت نتاج قراءة واعية لامتداد هذا الفن (الشعر) في منطقة جازان على ساحات زمنية (بدءاً من أواخر القرن الرابع الهجري الذي وعي روائع الشاعر الكبير (علي بن محمد التهامي) وقبله الشاعر المخلافي (أحمد بن قنبر) وامتداداً إلى عصور رواد الشعر والأدب في تهامة الإبداع الزاخرة بأعلام الشعراء).

والسؤال الذي كفانا المؤلف نفسه الإجابة عليه هو: لماذا الشعر تحديداً؟ حيث يقول: (وإذا كنا قد آثرنا الحديث عن الشعر دون بقية الفنون الأدبية فإن نظرة متأنية لعدد الشعراء المتزايد في منطقة جازان تؤكد حقيقة تلك الوفرة المبهجة، أما إذا منحنا أنفسنا حق النظرة الممتبعة للإصدارات الشعرية فإن ابتهاجنا سوف تتسع دائرته أمام هذا السيل المتدفق من المجموعات الشعرية المتميزة التي تجاوزت ستين مجموعة شعرية مطبوعة (هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار مدة الدراسة التي حُدِّدت ما بين (1350 - 1419هـ).

لقد أدرك الأستاذ حجاب الحازمي تغيرات المرحلة حينما عمد إلى هذا التحديد الزمني للدراسة موقناً بأن الشعر مر في هذه الفترة بمراحل مختلفة وتنقل بين مدارس متعددة تبعاً للظروف التي تهيأت له وهيأته لتلك التغيرات التي كانت مناخاً خصبا للشعراء والمثقفين والأدباء على حد سواء. ولهذا لم يكن الكتاب تاريخا استعراضياً لعدد الشعراء وسيرهم الشخصية وتفاعلهم مع حركة الأدب والشعر بقدر ما هو استبطان للرؤية التي حملها أولئك الشعراء وحاولوا إسقاطها على الواقع الأدبي عبر تجاربهم الإبداعية المتنوعة. فنجده قبل أن يدلف إلى تقسيم الشعراء إلى أجيال معينة في العهد السعودي يقف أمام من سماهم بالمخضرمين الذين عاشوا أواخر العهد الإدريسي وأوائل العهد السعودي من أمثال الشاعر علي بن محمد السنوسي وعبدالله بن علي العمودي وكيف أنهم استجابوا لمعطيات العهد الجديد فصححوا نظرتهم من خلال النهج السلفي فأصبح شعرهم خالياً من تلك الرموز الصوفية موشحاً بألفاظ التوحيد والعبودية (ولقد سرى هذا التحول إلى بقية الشعراء وكان أثر هذا المنهج واضحاً في شعرهم بل في جميع أغراض شعرهم وأخذوا يصدرون عن صفاء عقدي ونهج سلفي واضح الصوى، مما جعل الأجيال التالية يطورون أدواتهم الشعرية وينحون منحى التجديد في الأساليب بعد أن جددوا في المضامين).

ولعله من الطبيعي أن يُعدَّ الأديب حجاب الحازمي التأثر بالدعوة السلفية بداية قادت الشعراء فيما بعد إلى التحولات الفكرية والأسلوبية وصولاً إلى تأثر شعراء منطقة جازان بالحركة الأدبية في الحجاز، حيث كانوا أكثر استجابة ومتابعة ومواكبة لتطور تلك الحركة، ولم يقتصر اهتمامهم على قراءة ما يُنشر عبر الصحف والمجلات بل تعداه إلى اتصالات مباشرة مع أدباء الحجاز على نحو زيارة الشاعر محمد بن علي السنوسي للأساذ الأديب عبدالقدوس الأنصاري (وكان من نتائجها: تقوية صلات أدباء المنطقة بأدب وأدباء مصر والشام بل قويت الصلة بينهم وبين أدباء المهجر وغيرهم ممن كانت صلاتهم قوية بأدباء وشعراء الحجاز)، وهذه اللفتة في حد ذاتها هي منعطف ثقافي هيأ لشعراء منطقة جازان فسحة للتواصل مع المدارس الشعرية الحديدة، كما يسر لإبداعاتهم انتشاراً عبر الوسائل المتاحة آنذاك.

والمتأمل في كتاب (لمحات في الشعر والشعراء) يدرك أن أستاذنا الأديب حجاب الحازمي لم يكن على رضى تام بتقسيم الحركة الشرعية في منطقة جازان إلى أجيال، لأن ذلك يتطلب تحديداً زمنياً حاداً وفق تعبيره، علماً بأن دراسة الأجيال تبدو أكثر دقة حيث تتجاور الاتجاهات المختلفة في الحقبة الزمنية الواحدة كما يرى بعض الأدباء، ولهذا فقد عمد إلى تخفيف تلك الحدة بتتبع الجماليات الفنية والاستغراق في الكشف عنها لدى كل جيل وخصوصاً جيل الرواد الذين يستأهلون هذا اللقب لكونهم (حفروا تجربتهم الشعرية في ذاكرة الزمن بعد أن سقوها بماء التجديد، وأمدوها بذوب المعاناة فاستحقوا هذا اللقب الريادي) وعلى رأسهم السنوسي ومحمد بن أحمد العقيلي.

وينتقل بعد ذلك إلى جيل المحافظين الذين (حافظوا على القيم الفنية الموروثة مع محاولة الإفادة من معطيات القيم الجمالية المعاصرة) ويمثل هذا الجيل بعدد من الشعراء البارزين تتفاوت مستويات عطائهم أو قدرتهم على الاحتذاء أو التجاوز، ومن أبرزهم الشاعر علي بن أحمد النعمي، ليتعداه إلى جيل المجددين وهم يمثلون تياراً شعرياً (جدد أصحابه في المضامين وأفادوا من مدارس الشعر المعاصر فطوروا لغة شعرهم وغاصوا على معانيه ولونوا صوره مع المحافظة على أصالته وناصع فكره) وفي مقدمتهم أحمد بن يحيى البهكلي وإبراهيم صعابي وأحمد الحربي وغيرهم.

ما الجيل الرابع فهو جيل الشباب وهم فئتان من الشعراء توزعتهم المدارس الشعرية، الفئة الأولى: (تحاول السير في ركاب المجددين مع ميلٍ شديد إلى المحافظة فكراً وأسلوباً... والفئة الثانية: انحاز بعضهم إلى الاتجاه الحداثي وكثير منهم ذو جذور تربطه بأصالته). والحق أن حرج هذا التقصيم لدى المؤلف منبعه تداخل المراحل وتقاربها من ناحية، وكثرة الشعراء وتشابه مستوياتهم من ناحية أخرى، مما يجعلك تصنف شاعراً واحداً في مدرستين فتكون المهمة شاقة على مستوى الممارسة أو التنظير.

ومع هذا، فقد استطاع الأستاذ الأديب حجاب الحازمي أن يشخص المشهد الشعري في منطقة جازان ويغوص في أعماقه بوعي المؤلف الجاد، ودراية الناقد المستبصر، ومعرفة الكاتب الماهر، فيربط ما بين ماضيه المشرق وحاضره الزاهر ومستقبله الواعد، مما يؤكد لهذا الأديب ريادته الثقافية وعشقه لجازان موطن الشعر والأدب.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة