Culture Magazine Monday  30/04/2007 G Issue 197
الملف
الأثنين 13 ,ربيع الثاني 1428   العدد  197
 

النموذج الثقافي والإنساني
د. محمد صالح الشنطي *

 

 

حجاب الحازمي كينونة إنسانية مفعمة بالأصالة، فهو ودود قريب إلى النفس، ولست أسوق هذه الخصال دون معرفة، فقد خبرت الرجل، زرته مرات عديدة في النادي الأدبي في جازان، وصحبته في رحلة بحرية شائقة إلى فرسان، قرأت بعضا مما كتب، استمعت إليه وحاورته، كانت علاقتي الإنسانية به محدودة بحدود زمانية ومكانية، ولكنني تعرفت إلى طريقته في التفكير كشاعر وقاص ومثقف، ولعل ما أسرني فيه شخصيته الإنسانية وأسلوبه الرقيق في الحديث والتعامل، إنني أحمل له في نفسي صورة بهية، انه شخصية ملتزمة برسالة الثقافة، واول ما يشير إلى ذلك كلمة الإهداء التي صدر بها مجموعته (وجوه من الريف) إذ يهدي هذه المجموعة إلى (الذين يرفضون أن يكون الأدب ملهاة، ويعتبرونه وسيلة لتهذيب النفوس وتوجيه السلوك وسمو الأفكار.

إن حجاب الحازمي ذو رؤية تربوية ومنزع إصلاح شديد الوضوح، وقد أشار إلى بصيرته الناقدة في مجموعته الأستاذ أحمد بهكلي في المقدمة التي كتبها لقصصه المنشورة في (وجوه من الريف)، حيث يقول: (ثم يستمر في تصوير بعض سلبيات مجتمعه) مشيراً إلى أن حجاب الحازمي يطرح في بعض قصصه موضوعات شاملة تحدث غالباً في شتى مجتمعات العالم، ولكنه يضفي عليها سمات المجتمع الذي يعيش فيه، وقد قرر الناقد أن هذه المجموعة أول عمل قصصي ينشر لقاص مقيم في ريف جنوب البلاد (جازان) فهو ينسب اليه فصل الريادة في كسره لطوق العزلة عن وسائل النشر، ويعتبر مجموعة وجوه في الريف وثيقة لدراسة شرائح محتنقة من مجتمع الريف والمدينة مؤكداً أصالة الكاتب.

والحقيقة أن مجموعة وجوه في الريف التي صدرت قبل ربع قرن تقريبا تكشف عن حسن سردي متقدم لدى الكاتب يؤهله لأن يكون قاصاً، فإذا كان من المعروف أن القصة القصيرة الناجحة هي القصة محذوفة المقدمة فإن الكاتب قد أدرك ذلك مبكراً، لذا نجده يدخل إلى صلب الحدث دون مقدمات، وإن بدا للوهلة الأولى أنه يخالف القاعدة الرئيسة التي ترى أن الشخصية في القصة القصيرة التقرير يجب ان يقدمها الكاتب وهي تعمل اي ان يعتمد على التصوير دون التقرير، غير أنه أراد في قصته (ظلمات وشموع) أن يقدم بطل القصة حسن إبراهيم على أنه نموذج اجتماعي يجسد شريحة مجتمعية من منظور إصلاحي، ولم يكن صنيعه في قصيدته بدعاً بين أقرانه ممن تصدوا لإصلاح المجتمع من منظور تربوي ربما جار بعض الشيء على جماليات القصة القصيرة، ولهذا نجده يؤكد مفاهيم تربوية خاصة في مختلف قصص المجموعة كما فعل في قصته (وعادت الابتسامة).

وإذا كانت القصة القصيرة فن الأزمة كما يقول كبار منظريها من أمثال أوكونور وانجنباوم، فإن حجاب الحازمي لم يغفل عن ذلك في قصته وجوه من الريف التي تصور التوتر الذي ينتاب أبطال القصة وهم ينتظرون قدوم السيل.

إن النزعة إلى تكثيف الحدث بدت ذات بعد تراكمي اضطرت الكاتب إلى التلخيص، ومثل هذا المنحى كان مألوفاً في كتابة القصة القصيرة التي بدأت أشبه برواية ملخصة، ولكن اختيار المؤلف للوقائع المفصلية التي تجعل من الشخصية شخصية مأزومة هي التي تشير إلى ثراء الحس القصصي لدى الكاتب.

وليس ثمة شك في أن الرؤية الوجدانية (الرومانسية) ماثلة في المجموعة وتتبدى في أغلب قصصها، ففي (الحاصدة) على سبيل المثال يقذف بنا الكاتب في تلك الأجواء الرومانسية منذ السطر الأول: (الطيور تعزف (سيمفونية) صباحية حالمة) وفي الخاتمة ترحل البطلة بحثاً عن الخلاص، وهو أمر مألوف في القصص الرومانسية.

ولست بصدد مقاربة المجموعة نقدياً، ولكنني أردت من ذلك أن أؤكد أن ملامح شخصيته الإنسانية تنعكس في هذا العمل الإبداعي الأول للكاتب.

أما حجاب الحازمي المثقف فهو ذو رؤية تؤكد إيمانه برسالة الأدب ودوره في البناء الأخلاقي للمجتمعات، وهو من خلال موقعه كرئيس للنادي الأدبي في جازان استطاع أن يستنهض الإمكانات الإبداعية والنقدية في المنطقة مع نخبة متميزة من المثقفين والمبدعين بل والرواد الذي نهض بالعبء الثقافي بعدهم بوصفه مؤصلاً يأتي في الجيل الثاني بعد هؤلاء الرواد، كما أنه تمكن من استقطاب العديد من الشخصيات الإبداعية من مختلف التيارات والمشارب والأجيال فاستضافهم في النادي، كما وظف علاقاته الإنسانية الواسعة من أجل حشد عدد من أعلام الفكر والثقافة لإثراء المنبر الثقافي العتيد الذي يقوده.

إن الحازمي السارد والشاعر والمثقف كله ينطوي في عباءة حجاب الإنسان، مهما اختلف في تقييم أعماله الإبداعية، فهو مثقف ذو رسالة ودور، ومؤصل أرسى قيماً ثقافية واجتماعية، لذا فإنه يستحق كل التكريم والتقدير لأنه وجه ثقافي وإنساني مشرق ومشرّف.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة