Culture Magazine Monday  30/04/2007 G Issue 197
الملف
الأثنين 13 ,ربيع الثاني 1428   العدد  197
 

الحازمي وعلاقته ب(إدجار ألن بو والقاسم بن هتيمل)
نظرة على مؤلفات الأديب حجاب بن يحيى الحازمي
د. محمد حبيبي

 

 

من النادر جداً أن تؤكد نتائجُ البحث، بعد عقودٍ، أحكاما سبق لها أن تكونت في الذاكرة من خلال القراءات الانطباعية المبكرة جداً...

ذلك ما أجده عالقاً بالذاكرة منذ زمن الصبا واليفاعة. إذ لا يمكنني، شخصياً، تخيل صورة الأديب الكبير الأستاذ حجاب بن يحيى الحازمي بمعزل عن ارتباط صورته بمخيلتي بتلك الصورة القديمة ب(الأبيض والأسود) على الغلافين الأخيرين لكتابيه (وجوه من الريف)، و(أبجديات في النقد والأدب). ومن غير الممكن تخيله أديباً بمعزل من انعكاس تجربة الشاعر الكبير بالقرن السابع الهجري (القاسم بن هتيمل الضمدي) على ثقافته وأحاديثه، وضرب الأنموذج في الجلد والمثابرة في البحث لمرتاديه.

وعلى الرغم من تنامي مؤلفات ونتاج الأستاذ القدير حجاب الحازمي وعطاءاته المعنية بتأريخ الأدب والحركة العلمية في منطقة جازان، وتعدد قراءاتها (ومستويات تلقيها) بناء على تكرار العودة إليها في أكثر من مرحلة عمرية مختلفة، ووفق تشكلات وعيٍ متباينةِ المرجعيات، والمشارب، ومزج ذلك بالتأمل في مجمل مسيرته (الأدبية، والعلمية، والتربوية، والإدارية) على الرغم من ذلك التعدد في القراءة والتلقي والتأمل بشخصيته وأدبه وسيرته الثرية (أمدّ الله بعمره وعطائه) - تبقى بالذهن صورته الأولى الشكلية والضمنية، محفوفة بسياج أول لحظات تلقيه عبر لوحة غلاف مجموعة (وجوه من الريف) بطبعتها الأولى (بلوحة غلافها الأمامية ورسومها الداخلية للأستاذ زهير جاويش معلم مادة التربية الفنية بمدرسة ضمد المتوسطة). إذ تبقى تلك الصورة عصيّة على الانمحاء وعالقة بشدة وفرادة نادرين.

وظلت أعلق الصور مما فهمته من مجموعته يومها، تلك الوجوه الريفية، مع الخلفية المخضبة بألوان (الأخضر والأحمر والأزرق) بحسب تخييل ريشة (جاويش) لها. وقصص: (الحاصدة)، و(بائعة السفرجل)، وغيرهما ? ظلت العوالم السحرية الراسخة المخلدة لأزمنة البراءة والنقاء والريف في حياته الطبيعة الوادعة، قبل أن تلوثها، وتلوّث نظراتنا إليها عوامل عدة.

لم أكن آن قرأت المجموعة (وجوه من الريف) للوهلة الأولى قبيل (27) عاماً على وعي بالمراد من تلك الكتابة (الغامضة غير المفهومة)!! التي تصدرت المجموعة، والتي لم يعلق منها بذهني حينها (أي المقدمة) سوى اسمين غريبين (إدجار ألن بو، وبوسيان). فقد كانا أول اسمين غربيين يخترقان، كسهمَي فضولٍ، مداركي البسيطة الطفلة حينذاك. لَكَم بهراني (يومها) بغرابة (أحرفهما). وأثارا تساؤلاتي (كيف يعرفون ويحفظون هذه الأسماء الغريبة) وما معاني هذه الأسماء الإنجليزية؟!

هل لي أن أعدّ الآن (الأستاذين القديرين حجاب الحازمي صاحب المجموعة وأحمد البهكلي كاتب مقدمتها النقدية) مسؤولين عن كونهما أول من لفت فضولي (الطفولي) وليّ ولعي بالثقافة الغربية، والحداثة والتغريب وفن القصة وغيرها من الأشكال المجتلبة من الغرب إلى أدبنا)؟!

هذا الحديث عن مرحلة القراءة والتلقي (الأولي) لنتاج الأستاذ حجاب الحازمي هو ما عززته القراءات الأخيرة بعد مضيّ سنين تقارب العقود الثلاثة من ظهور أول مؤلفاته ومجمل نتاجه التأليفي.

حيث خرجت بالنتيجة التي يمكن استخلاص مؤداها مبدئياً بأن كتابَي - (وجوه من الريف) و(القاسم بن علي بن هتيمل الضمدي حياته من شعره...) - يُعدان ذروة مؤلفات الأستاذ حجاب الحازمي، إبداعاً ودراسة بحثية. وأكثرها تحقيقاً للنهجين. الإبداعي: المؤثر بصدقه، وعفوية منطلقاته المشحونة بالعواطف التلقائية. والبحثي بعلميته الرصينة ومثابرته الدءوبة التي تصر على سبر أغوار الموضوع البحثي وتتبعه بأدوات المنهج العلمي. وسأعود لحيثيات الحكمين لاحقاً، عقب استعراض موجز لباقي مؤلفاته.

ألف الأستاذ حجاب الحازمي عدا الكتابين السابقين مجموعة من المؤلفات هي (ولست متأكداً من ترتيبها الزمني)

- (نبذة عن التعليم في تهامة المخلاف السليماني وتهامة عسير930-1351هـ). الطبعة الأولى 1409هـ.

- (لمحات عن الشعر والشعراء في منطقة جازان خلال العهد السعودي) الطبعة الأولى 1422هـ.

- (من حلل الشعراء وحيلهم الفنية) كتاب المجلة العربية في الرياض 1423هـ.

- (الحركة الأدبية بمنطقة جازان، خلال عشرين سنة، دراسة ببليوجغرافية).

وله: مؤلفات وأبحاث أخرى مخطوطة.. منها ديوان شعر، وكتاب عن التاريخ الشعري لمنطقة جازان. وكتب أخرى..

وحينما نتأمل الصبغة العامة لمجمل المؤلفات نجدها تتخذ طابع الميل والإشارة ل(الاختصار والنهج الببليوجرافي). وهي نقطة تحسب للمؤلف الذي يحترز ويحتاط، فيضع القارئ منذ العنوان بطبيعة التأليف ومنهجه.

يُعد كتاب (نبذة عن التعليم في تهامة المخلاف السليماني وعسير) كتاباً رائداً في تقديم خلاصة علمية تاريخية عن موضوع كان متناثراً بين عشرات المصادر والمراجع، قبل تصدي الأستاذ حجاب له، لذا يعد مؤلفاً مفيداً في سدّ ثغرة معرفية كانت الحاجة قائمة لها. والكتاب جيد رصين في مجمل طرحه، ومعرف بالحركة العلمية، وينم عن مقدار الجهد المبذول فيه، ولاسيما أن أغلب مصادره من المخطوطات مما يضاعف الجهد والتقدير للمؤلف والمضمون. يستثنى من ذلك ما وقع (بندرة) من استزادة أو اختزال مفرطين في بعض النقاط التاريخية والمحطات التعليمية، مما يوهم (خطأ) بالميل الذاتي للدوائر المبحثية التي يصعب فيها فصل الذاتي من الموضوعي.

ولعل ذلك مما قد فرضته طبيعة وفرة المادة وشحها، وغيرها من العوامل الخارجة عن قصد المؤلف. مما يوقع القارئ في توهم التباس النزعة الذاتية بالموضوعية. كما توحي به (على سبيل المثال) المادة المعروضة عن (التعليم في تهامة عسير) مقابل (التعليم بتهامة المخلاف) حيث اقتصرت المادة الفعلية (بالطبعتين) عن التعليم بتهامة عسير على (عشر صفحات) مقابل مائة صفحة عن التعليم بتهامة المخلاف. وهو ما تنبه إليه المؤلف بمقدمة طبعة الكتاب الثانية التي اعتذر فيها عن صعوبات العثور على المادة العلمية التي كان يتوقعها عن التعليم بتهامة عسير.

ولئن كان شح المادة العلمية، الخارج عن قصد المؤلف مؤثراً (يعد محدوداً جداً على منهجية الكتاب السابق)، فإن زحف الفترة الزمنية وضيق الوقت (المتاحين للتأليف) قد أديا إلى حدوث شيء من عدم التوازن والمواءمة؛ إما على صعيد مباحث الكتاب الواحد، وإما على صعيد الميل إلى نهج (الفهرسة التوصيفية الببليوجرافية) في أكثر من كتاب.

فقد نجد الكتاب في أجزائه الأولى، مثلاً، يتقصى بكل دقة علمية متوخاة من باحث رصين خبير بجوانب الطرح العلمية، فنجده يقدم المادة في إطار معرفي وتتبع تاريخي شاف وكاف ومشبع بالنماذج لنهم الباحث والقارئ على حد سواء. بينما نجد الأجزاء المتأخرة من الكتاب نفسه - نظرا لزحف الوقت - قد تعرضت للاختزال التدريجي (غير المقصود لذاته)، وصولاً إلى الوقوع في الاختصار غير المتوقع قياساً على الطرح الوافي بأجزاء الكتاب الأولى. بسبب الزمن إلى جانب عوامل راجعة إلى عدم تهيؤ الوقت الملائم الكافي للتأليف، بسبب اضطلاع الأديب بمهام وأعباء جسام تتقاسم الجهد والوقت. وهي المهام التي قد قام فيها (أديبنا/المؤلف) بجهود واضحة كل الوضوح للعيان، وطنية وتربوية وثقافية، ناهيك عن الالتزامات الاجتماعية، والظروف الصحية، سلمه الله،.. وكلها أمور تتقاسم حياته، وتنازعه حبه الأزلي لنزعته الأولى: الإبداع والبحث.

هذه العوامل مجتمعة نجدها قد ألقت بظلها على كتاب (لمحات عن الشعر والشعراء بمنطقة جازان بالعهد السعودي). فالمتن الفعلي للكتاب جاء في (185) صفحة. نجد منها (146) صفحة خصصت لشعراء منطقة جازان (في مراحل سابقة) على فترة الكتاب المنصوص عليها بالعنوان (العهد السعودي) - وآخر من يأتي الكتاب على ذكرهم والحديث عنهم بحيز الـ(146) صفحة ممن يقعون في فترة العنوان - يعدون من (المتوفين). على أن الكل جميعاً، يمثلون تيارات شعرية ومراحل تاريخية جلها قديم نسبياً. بينما لا يمثل الجزء الفعلي الذي كان وما زال (يمثل فراغاً بحثياً، ونتاجاً متزايداً) ويُفترض أن يبدأ منه التوسع والتقصي البحثي عن نتاج شعرائه نجده لا يمثل سوى ما مجموعه (39) صفحة.

ويبدو أن مؤلفنا قد وضع بباله مخططاً لتأليف كتاب موسوعي عن شعراء منطقة جازان قديماً وحديثاً، وذلك ما يثبته القسم الأكبر من الكتاب، فما الذي حدث؟ أتخيل أن مؤلفنا وقع بين خيارين أحلاهما مُرّ؛ بعدما بات محاصراً بأفق تأليف زمني قاس للغاية، حينما لم يتنبه، سوى وقد أحكم الوقت حصاره عليه، ليضطر لإيجاز الحديث عن كل شعراء المنطقة المعروفين بدءاً من الشعراء القدِيرين: (علي النعمي وإبراهيم مفتاح والحسن القاضي وغيرهم) وصولاً إلى آخر الشعراء الشباب بتلك الصفحات القليلة، التي لم تتجاوز الأربعين صفحة. وإذا علمنا أن من اصطلح لهم الأستاذ حجاب (جيل المجددين) وهم من ابتدأهم بالشاعر(أحمد بن يحيى البهكلي) إلى آخر الشعراء المذكورين بالكتاب - كل هؤلاء الشعراء بهذا الجيل وقع الحديث عنهم في (20) عشرين صفحة، منها سبع صفحات خُصِّصَت عن واحد منهم باعتباره أنموذجاً وشريحة تجمل تيارات التجديد -إذا علمنا وتفهّمنا ظرف التأليف الزمني الضيق، سيصبح من اليسير جداً أن نجد المبررات المعقولة والتفسير المنطقي لذلك الاختزال (الكبير جداً) غير المقصود، وأنه نتاج ضغط الفترة الزمنية المتاحة لإخراج الكتاب الذي أطرته مناسبة الاحتفاء بعشرينية الملك الراحل خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز، طيب الله ثراه. وأن الكتاب لولا (الأفق الزمني المتاح) لكان يمكن له أن يصبح أثرى المصادر وأغناها عن شعراء منطقة جازان، وذلك ما نأمله من أديبنا القدير بمقتبل الأيام، بإذن الله؛ ولاسيما الشعراء الذين جاء ذكرهم عابراً، ويكاد يقتصر على الاسم والعمل.

لا أود للحديث أن يطول فحسب بالوقفات الناقدة، لذا لن أقف عند تفاصيل المقالات، وموضوعاتها التي تشكل منها مبنى كتاب (أبجديات في النقد والأدب) على اعتبار أن مبنى الكتاب الرئيسي (المقالة الأدبية المكتوبة للصحف السيارة). إذ من المعلوم ما يتخلل هذه المقالات من نظرات قد يدفع بعضها بعضا من جهة، ومن جهة أخرى فقد لا تبدو كثير من المفارقات واضحة في النظرات المنفردة لكل مقالة على حدة، سوى بعد جمعها وإخراجها في كتاب واحد. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن المقالات قد تظهر متفاوتة في مضامينها وحالات كتاباتها، وتواريخ نشرها (التي قد تنفصل عن بعضها ببضع سنوات).

والقارئ في مقالات كتاب (أبجديات في النقد والأدب) يجد بعضها يتخذ شكل البحث العلمي المصغر، وبعضها يتخذ نمط المقالة الناقدة لظاهرة أدبية، أو موقف أدبي نقدي، وبعضها يتخذ أسلوب الكتابة الوجدانية الذاتية. ومجمل طرح الكتاب قيّم ومفيد. خاصة بالنظر إليه في المرحلتين التاريخيتين اللتين كتب بها المقال ونشر منفرداً أولاً، أو التي ظهر بعدها مجموعاً في الكتاب الجامع للمقالات ثانياً. وإن كان ثمة من مأخذ بسيط يذكر، فهو خروج بعض العبارات (القليلة جدا) بمقالتين أو ثلاث في أسلوب مفرط في استخدام الأوصاف المقللة من قيمة وجهات النظر الأخرى المختلفة مع التوجهات التي يميل إليها الكاتب، كما في المقالتين الثانية والثالثة من الكتاب عن (القديم والجديد)؛ أو تحويل أسلوب الحوار في مواطن الاختلاف الموضوعي إلى خطاب يبدو كأنه موجه للشخص لا للموضوع، كما في المقالة الأخيرة التي موضوعها المقارنة بين شاعرين من القرن السابع الهجري. على أن للكتاب قيمة تاريخية تتمثل في ناحتين: أولاهما: أنه يكشف لنا عن تطور ثقافة المؤلف عندما نتتبع المقالات بحسب تسلسلها الزمني. وثانيهما: أنه يوثق لنا جانبا من طرح المقالة الأدبية في مراحل سابقة. وأن الناحيتين تسهلان المهمة كثيرا على الباحث المهتم بدرس نتاج أديبنا.

أما آراء الكاتب في مقالاته، فمقدار كبير منها على جانب من القيمة والإفادة، وحيوية الطرح. ومقدار أقل منها، بديهي أن شأنه شأن كثير من الآراء التي يطرحها الكتاب في مقالاتهم بمقتبل حياتهم الأدبية - الصحفية، مما يكون عرضة للتطور وتفتح الرؤى وكثافة القراءات والخبرات، بعدما يكتشف الكاتب بعد حين أن المسألة اختلاف في وجهات النظر، واختلاف في الذوائق الأدبية والمشارب الثقافية. وأن المقالة قد تكون في مقدار كبير من بواعثها ميدانا لعرض الآراء، وبعث الحماس بركود الحياة في الوسط الأدبي، ولفت الأنظار لقضايا تكون مدار نقاش الساعة، لذا فمن غير الإنصاف، النظر إلى الكتاب، خارج كل تلك الاعتبارات جميعا.

وعودا على بدء إلى كتابَي: (وجوه من الريف) و(القاسم بن علي بن هتيمل)، وما عززته القراءات المتأخرة زمنيا عن تلك القراءات الأولى الانطباعية. فيمكن القول عن مجموعة (وجوه من الريف) أنها باتت الآن تحمل قيمة تاريخية مهمة متنامية بتاريخ الأدب السردي، على الأقل في منطقة جازان. إلى جانب قيمتها الأدبية الفنية.

فهي - بحسب علمي - أول مجموعة قصصية تصدر لكاتب واحد بمنطقة جازان. وإن كانت قد سبقتها مجموعة (قصص من الجنوب) إلا أنها لم تكن لكاتب واحد، بل لمجموعة من الكتاب منهم (عمر طاهر زيلع) و(عمرو العامري) وغيرهما.

صدرت مجموعة (وجوه من الريف) في عام 1401هـ. وضمت (اثنتي عشرة قصة قصيرة). سيطر على مضامينها ثنائية السرد الجديدة آنذاك (الريف الحضر). وتنوع أسلوبها ولغتها ما بين التعبيرات المجازية الشعرية، واللغة التقريرية التي كانت غايتها مخاطبة القارئ العادي مباشرة، لإيصال الرسائل المضمونية الهادفة التي شغلت اهتمام القاص في مجتمعه وبيئته. ولذلك يلاحظ القارئ انسحاب أسلوب المقالة الأدبية على بعض المقاطع القليلة بالمجموعة.

على أن أهم قيمة حملتها المجموعة إلى جانب ريادتها السردية، أنها باتت الآن وثيقة أدبية اجتماعية من أهم الوثائق الأدبية عن عوالم المجتمع الريفي التي انطمس وغاب جلها، ولم يعد له من وجود سوى في ثنايا قصص المجموعة، ومثيلاتها من الأعمال اللاحقة عليها.

أما كتاب (القاسم بن هتيمل الضمدي، حياته من شعره، مع نماذج من شعره المخطوط) فيُعَدُّ عملاً بحثيا أكاديميا من الطراز الأول الذي يستحق أرفع التقديرات والدرجات العلمية الأكاديمية.

وهو نموذج للمادة البحثية التي يبتكرها الباحث من (شبه العدم). والتي عادة ما يكون اختيار موضوعها مغامرة بحثية محفوفة مهددة بالتوقف عن التمام بأي لحظة؛ وذلك لندرة المصادر التي تحدثت عن ذلك الشاعر الكبير (المتناسى).

فعندما ابتدأ الباحث موضوعه لم يكن شعر الشاعر مطبوعا على نحو متكامل، بل كان كل الموجود من شعره مجموعة قصائد مختارة لا تصل نسبتها إلى نصف الديوان المخطوط، وهي التي قام بإخراجها المؤرخ الأديب محمد العقيلي.

شرع أديبنا في كتابه مقسما إياه إلى أبواب: الأول: الشاعر و(نشأته) عصره وقبيلته وحياته وثقافته، وإثبات انتمائه للمخلاف السليماني. والباب الثاني - وهو بتصوري - الباب الرئيس الأهم، تناول فيه شعره بدءا باستعراض نسخ مخطوطات الديوان، وأماكن وجودها، ثم نهج ابن هتيمل الشعري، وأغراضه الشعرية (المديح والغزل والإخوانيات والفخر والرثاء والعتاب والهجاء). ثم تناول بعض الظواهر البلاغية والفنية والموضوعية في شعره، كالمبالغة، والألفاظ والصور الشعبية، وأثر البيئة في شعره، و(نَجْدٍ) وصَبَاها في شعره، والشيب، والشكوى والتشاؤم في شعره، وآخر موضوعات الباب كان عن الحكم والأمثال.

والباب الثالث كان عن موقف الشاعر من عصره وشعرائه، ومكانته الشعرية. ثم ختم الكتاب بقصائد من شعر ابن هتيمل تنشر لأول مرة.

إن المتأمل في كثرة الموضوعات والمباحث التي تضمنها الكتاب يدرك أن كل مبحث منها جدير بالبحث فيه بحد ذاته لأهميته، وأهمية تجربة الشاعر. ويدرك أنه قد كان لهذا الكتاب - ثم لتحمّل أديبنا الأستاذ حجاب الحازمي، قبل طباعة الكتاب، عبء التعريف بالشاعر - دور مهم للغاية وفضل في إبراز مكانة الشاعر. فقد حمل هذا العبء منذ بواكير حياته ومشواره الأدبي. حيث ألقى عنه عدداً المحاضرات والأبحاث، إلى أن كان تتويج هذا الجهد بهذا الكتاب.

ولعل من الإنصاف أن نذكر معلومة مهمة قد لا يعرفها كثيرون، تتعلق بجهد أديبنا مع الشاعر وديوانه المخطوط. فقد عكف أديبنا على نسخ الديوان سنينا من أجل تحقيقه، وبذل فيه جهدا كبيرا، وقطع مشوارا لم يعد ينقصه سوى أمور بسيطة، كالفهارس وخلافها؛ لإخراج الديوان كاملا محققا ومشفوعا بهذه الدراسة القيمة. غير أنه في اللحظات الأخيرة توقف عن تمام الموضوع بأريحية أخلاق العلماء، الذين لا يهمهم المنجز الشخصي مقابل المنجز المعرفي. حيث تنازل أديبنا عن مشروع تحقيق الديوان، لأنه كان متزامنا مع جهد باحث أكاديمي يمني يعمل على تحقيق الديوان في أطروحة دكتوراه بجامعة الأزهر بمصر. فاكتفى باحتساب جهده، وبقصر جهده واختصاره من التحقيق والدراسة إلى هذا الكتاب.

وأخيرا فإن من أهم ما يحسب للأستاذ القدير والأديب الكبير حجاب بن يحيى الحازمي - وما أكثر ما سنعد لو أردنا إيفاءه شيئا من حقه، والحديث مقتصر هنا على جهده التأليفي فحسب - من أهم ما يحسب له، ارتياده آفاق التأليف التي يشق بها طرقا لا تكون مسلوكة غالبا من قبل، وكأنما هدفه أن يؤم الباحثين، ويفتح لهم الآفاق الجديدة، لتكون منهلا أسهل فيما بعد. مضحيا بتعريض نفسه وعمله للعملية الأسهل (نقد الكتاب ومراجعته بعد ظهوره)، متحملا عبء الجلَد على البحث والتنقيب في المصادر، ومتحملا الكثير والكثير من الآراء الناقدة، لأعماله التي عادة ما تكون بكرا بالمجال الذي اختطته. ومن المعلوم أن انتقاد العمل الذي بات جاهزا للقراءة أسهل بكثير من التصدي له تأليفا، والأسهل من ذلك تناسي صعوبات بناء العمل ذاته.. وفق الله أديبنا وأمد بعمره وعطائه.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة