Culture Magazine Monday  30/04/2007 G Issue 197
فضاءات
الأثنين 13 ,ربيع الثاني 1428   العدد  197
 
أنا والعنصرية وأحمد أبو دهمان
أميرة القحطاني

 

 

قبل سنة دار حديث حول أجمل الروايات ومر على مسمعي اسم (الحزام) سألت لمن؟ قيل لأحمد أبو دهمان وقيل أيضا إنه سعودي مقيم في فرنسا وإن الرواية كتبت بالفرنسية.

وبدون تردد اتخذت موقفاً منه: كيف يهاجر ويترك بلده ولماذا يكره لغته إلى هذه الدرجة درجة أن يكتب روايته بالفرنسية. وانتهى الموضوع هنا وظل هذا الموقف قائماً بداخلي إلى أن تحدثت قبل فترة إلى احد الإخوة الأدباء من السعودية وسألني: هل قرأت (الحزام)؟ قلت: لا.. عندما أتعلم الفرنسية سأقرأها.

بادرني بسرعة: لقد ترجمت إلى العربية وهي موجودة في جميع المكتبات.

لم أبحث عن الرواية كان لا يزال في داخلي غضب على صاحب (الحزام).

وألوم نفسي كثيراً على هذا الموقف وهو (اتخاذ موقف من كتاب وعدم فصله عن الكاتب) وإطلاق الأحكام على الآخرين دون أن تكون لدي خلفية عنهم وعن الظروف التي دفعتهم إلى الهجرة.

كان عليّ في البدء أن أفرح لأن هناك كاتباً عربياً وصل إلى العالمية، كاتباً نقلنا بكل فتافيتنا الصغيرة الحلوة منها والمرة إلى بلد لا تعرف عن العربي إلا ما هو سيئ، ولكن جهلي بالكاتب والكتاب وجهلي بالظروف المحيطة بالرواية وعنصريتي العربية جعلتني أنظر فقط إلى زاوية واحدة وهي التي تجسدت أمامي بهذه الصورة السيئة: (رجل سعودي لا يحب انتماءه لبلده يهاجر إلى الغرب ويغير لغته لينفصل عن جذوره العربية) انظروا إلى هذه الصورة القاتمة العقيمة!.

وأعتذر عن هذا الظن لأبو دهمان ولكل المهاجرين الذين دفعتهم ظروفهم الدراسية أو المادية إلى هجر بيوتهم الدافئة.

ومع الوقت وجدت هذا السؤال يتكرر في إيميلي (هل قرأت الحزام)؟ أثار فضولي هذا الأمر (لماذا يطرح عليّ هذا السؤال)؟ ولجأت إلى صديقة تتابع الإصدارات وتقرأ كثيراً: قلت لها: هل لديك علم عن الحزام؟ قالت بدهشة: طبعاً ألم تقرئيها؟ قلت: لا، قالت: قصة رائعة وأكثر من رائعة، ثم من العيب أن لا تقرئيها وأنت قحطانية وجنوبية الأصل.

قلت: إشمعنى؟ قالت: الكاتب قحطاني ومن الجنوب.

وفجأة تحركت في داخلي تلك العنصرية القبلية المقيتة وبدأت تدفعني للبحث عن (الحزام) وتلاشى الغضب وأخذت ألتمس له العذر في تلك الهجرة وذلك الحزام الفرنسي (سبحان الله)، ثم أخذت أبحث في محركات البحث عن أي شيء يتعلق به إلى أن وصلت إلى جريدة الرياض التي يكتب بها أبو دهمان ودخلت إلى ملفه وهو يحمل مجموعة من المقالات الحلوة.

وبعيدا عن العنصرية ومشتقاتها السامة وجدت (وأنا أصغر من أن أقيّم قلم أحمد أبو دهمان) وجدته قلما رشيقا يتسلل إلى القلب ووجدت في حروفه حباً عميقاً لقريته ولأبناء قريته وحباً أعمق لبلده ولأبناء بلده، يتحدث عن المتفوقين فيها بفخر واعتزاز وكأنهم يعيشون في داخلة، يتحدث عن تفاصيل بلاده عن همومها عن كل ما يدور في جهاتها الأربع، لم تبعده فرنسا عن السعودية أو بمعنى آخر لم تأخذه (منها) موجود في بيوتها وفي شوارعها وفي أزقتها الضيقة.

مقالاته خفيفة الدسم لا تسبب التخمة عند القراءة بها ما قل ودل، تجعلك تبحث عنها كلما انتهيت منها، وصدقوني هذا ليس تحيزاً أو عنصرية إنها حقيقة لمستها في حروف هذا الطائر المهاجر. وكل ما سبق ذكره في هذا المقال لم أكن لأذكره لولا سلطة العنصرية التي شعرت بها هذه المرة بشكل لم أصدقه.

هل يشتغل الإنسان على نفسه ليطورها ويخرجها من صندوق الموروثات المتخلفة ليتفاجأ في نهاية المشوار بأنة لازال في قعر الصندوق؟ ما هو سر القبيلة؟ وأين تكمن قوتها؟ لماذا تسحبنا إلى الأسفل دائما؟ وكيف يمكننا التخلص من سلطتها؟ أنا أعلن من هنا وأعترف بأنها هزمتني وأنني لا أستطيع التخلص منها، وعزائي الوحيد في هذا الأمر أن العنصرية القبلية التي أعاني منها لا تحجب عني الحقيقة ولا تدفعني لاتخاذ مواقف من الآخرين بناء على انتمائهم أو انتمائي القبلي هي هزمتني فقط في شيء واحد.. واحد فقط (الميل العاطفي لأبناء قبيلتي) أو بمعنى أصح (التعاطف معهم).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة