Culture Magazine Monday  30/04/2007 G Issue 197
نصوص
الأثنين 13 ,ربيع الثاني 1428   العدد  197
 
مطالعات
في مجموعة (الدمى والشيطان)
محمود حسن يتقمّص دور الراوي والبطل والضميرعبدالحفيظ الشمري

 

 

الأديب الكاتب محمود محمد حسن يطلّ على القارئ العربي بإضمامة من أعمال قصصية جديدة وسمها بعنوان (الدمى والشيطان)، لكنها الإطلالة التي تترك أثراً لا يمكن لنا معه إلا أن نعيد تفاصيلها؛ تذوقاً لما جاءت به من جماليات، ولما شحنتنا به من صور الإدهاش، حينما برع في تقمص أدوار الحكاية كاملة، لنراه وقد أبدع في روايته، ومثل أمام الأحداث بوصفه بطلاً صادقاً له ما له وعليه ما عليه، بل نراه قد صار إلى ضمير يحرك منعطفات الرؤى نحو مجد الذائقة التي تتمعن في كل قصة من هذه المجموعة.

وحول هذا الثالوث المهم (الراوي، البطل، الضمير) يمكن لنا أن نقتفي حساسية الخطاب الإنساني في هذه الأعمال، لنرى صراحةً أن الراوي عُني في سرد حكايات (الدمى والشيطان) لتصبح كل قصة متكاملة العناصر لا نقص فيها ولا زيادة، على هيئة ما ورد في القصة الأولى (القلادة) حينما بدأها بعبارة: (كنت أستحكي والدتي..)؛ فالراوي هنا مستمع جيد، لا يلبث أن يكون بطلاً من أبطال هذه القصة، بل لا يكتفي بهذا المجد، إنما نراه قد تحول إلى ضمير تسند إليه مهام الحدس والتضمين.

قصة (ضوء نجمة) بُعد عميق لأصل حكاية لم يشأ الكاتب أن يفضي بها للقارئ، إنما نراه قد حوَّلها إلى بعد الماحي يجمع فلول الرؤى الأسرية حول أسرة صغيرة تعاني من يتم تصوِّره حيرة أرملة في بيت أسرة ابنتها الوحيدة.

في قصص المجموعة - كما أشرنا - اتّكاء على الحكاية، إلا أنها الحكاية الهادفة.. تلك التي ينتهي منها القارئ وهو يريد المزيد.. على نحو ما ورد في قصة (النزغة)؛ حيث نراه قد اتكأ على حكاية رامزة لأبعاد محورية غاية في الأهمية حينما يأتي الفقد على هيئة عقم تداريه بهذا الكم الهائل من الحنان، حيث تشرق شمس دافئة ولذيذة في صقيع أيام هذا الطفل المعذب.. بطل القصة.

يكتب محمود محمد حسن سيرة أبطال واقعيين لا تجد صعوبة تُذكر في التعرف على عوالمهم وفضاءات حلمهم؛ حيث تدور مفصلات السرد في كل قصة الحكاية باعتبارها وعاءً يحوي هذه اللواعج والأحزان، مع قليل من التفاؤل ونزر يسير من الأمل؛ إذ يبدو الكاتب حاملاً للواء الحزن العميم؛ ليدفع بالأبطال نحو حافة التشبث بأهداب وعد ممكن ببلوغ شفق الحياة المثالية.

تنحو قصص مجموعة (الدمى والشيطان) منحى التقريرية.. ذلك البعد الواقعي لمآل الحكاية في الذهن.. فلكل قصة بعدها التوصيفي الواضح، فلا يمكن للقارئ أن يسجل أي موقف على أي قصة؛ لأنها تتمتع ببُعد سردي هادئ لأصل حكاية تذيع مفاتنها في الوجدان على نحو قصة (حياة جديدة)؛ حيث يحشد الكاتب العديد من الصور الوجدانية عن القرية وطبيعتها التي تعيد للقارئ شيئاً من صفاء كاد يفقده في القرية العصرية.. حينما ذابت كل الفوارق بين المدن والريف، فلم تعد تلك المناطق القفر بمنأى عن حمَّى هذه التحولات العصرية الأليمة.

قصة (الدمى والشيطان) التي حملت اسم المجموعة استبطنت هماً إنسانياً يعدّ نموذجاً مثالياً لحكاية ابن الريف مع محيطه؛ حيث تبرز في هذا الاتجاه السردي معضلة الوعي الذي يشكل هاجساً عالياً في رحلة الكاتب محمود حسن؛ إذ يُعنى وعلى نحو فريد بأدق تفاصيل حكاية (عبد الواسع) الذي لم تشفع له لجاجته ومجالدته في طلب حقوق يراها أهل القرية ترقد في بطن (أبو شنيبة) وأخويه؛ حيث يصوغ الكاتب فكرة النص على أساس تمايز الوعي عما سواه من مقومات حياتية تنتصر فيها عادةً سلطة المجتمع، على نحو ما آلت إليه قصة البطل (عبد الواسع) مع (أبو شنيبة)؛ حيث يمثِّل الأول رغبة الوعي في التغيير نحو عوالم واقعية تستردّ الحقوق، فيما يبرز في فضاء الحكاية مراد (الثاني) ورغبته في صُنع عالَم من يفرض الواقع الذي يريد، لتنتصر في هذه القصة - كما أسلفنا - قوى أو سلطة المجتمع الذي يمثل القطيع حينما تتقاود الرؤوس والبطون والأرجل إلى متع حياتية على نحو ما صنع أعضاء الوفد في القصة.

فضاء القص في مجموعة (الدمى والشيطان) تحرِّك كامن فرضية الاستقصاء لمآل هذا المجتمع البسيط الذي ينشد اللقمة، ولم يعد في وارد أن يحنّ إلى الحرية والعتق من منغصات كثيرة.. وحدها تبقى الحقيقة كجوهرة خبيئة يتطلب كشفها فضاء من وعي كامل، وهذا ما حاول أن يتسنَّمه المبدع محمود محمد حسن.

****

إشارة:

- الدمى والشيطان (قصص)

- محمود محمد حسن

- دار (وجوه) - الرياض - 1428هـ - 2007م

- تقع المجموعة في نحو (100 صفحة) من القطع المتوسط الصغير

- لوحة الغلاف للفنان (حاتم) - الرسوم الداخلية للفنان (أبو الحسن)

****

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة