Culture Magazine Monday  30/04/2007 G Issue 197
الثالثة
الأثنين 13 ,ربيع الثاني 1428   العدد  197
 

سعد المليص..
وزراعة النور من حقول الريحانية
سعيد الدحية الزهراني

 

 

يأسرك التأمل المهيب وأنت تغوص في تفاصيل الرجال الذين انزووا بصمت وهدوء هناك في إحدى زوايا الرضى والدعاء والتبتل.. بعد أن ملؤوا الأماكن عطاءً دؤوباً ل(الكل) الذي لم يكن ل(الأنا) موطئ قدم فيه..؟!

والشيخ سعد بن عبدالله المليص.. المربي النظامي الأول بمنطقة الباحة.. كما يحلو لطلبته أن يسموه به.. ليس إلا واحداً من أولائك القلائل الذين كانت بهم ومنهم (الباحة) ليس تعيلمياً فحسب.. بل واجتماعياً وتنموياً وتوعوياً..

اطلعت على سيرة المربي الشيخ - المليص.. فأيقنت أنها ليست سيرة.. إنها مسيرة حافلة بالتعب والمحاولة والتجريب والبناء والتأسيس والتضحية والحاجة، لكنها انتهت إلى الإنتاج والإنجاز والتحقيق..

تساءلت وأنا أتأمل الرحلة المضنية التي قطعها هذا الرجل في ذلك الحين الذي لم يكن لجيله من هم سوى زراعة الأقسام والركايب والتفاخر بالسواني والصرام.. كيف تهيأ له أمر التعلم والتعليم فضلاً عن اضطلاعه الشخصي فكرةً وأداءً - إلا من فضلاء قلائل كان لهم أدوار في مسيرة النور في الباحة مع الشيخ المليص - بإعداد البرامج التعليمية المهمة- في منزله دون مقابل.. عندما كانت المدرسة (الريحانية) نسبة إلى القرية التي ينتسب لها الشيخ المليص.. والسؤال ما الذي كان ينتظره سعد المليص من أبناء المزارعين والفلاحين في تلك الأرياف التي لا يكاد يفارقها الضباب إلا في أشهر محدودة في العام..؟! هل كان يرى ما نعيشه اليوم من حياة لا مكان فيها إلا للعلم والشهادة..؟

هل كان يدور بخلده أن خريجي تلك الريحانية سيتبوأون أماكن قيادية عليا يسهمون عبرها في خدمة وطنهم وشعبهم..؟!

(هي هكذا بالتأكيد) وهي (الحكمة) التي لا تسكن إلا في جماجم الرجال الذين يستحقونها.. (الحكمة) التي لا تكون كذلك إلا باستشراف القادم وقراءة ملامحه والتنبوء لهيئته ومتطلباته.. والعمل والبناء وفق ما يمليه تيرموتر الرجال (الحكمة)..

..كنت قد التقيته في بداياتي الصحفية الأولى.. فلم يكن الشيخ والأديب والمربي فحسب.. كان أباً ومعلماً.. فلربما نسيت أي شيء.. إلا ذلك اللقاء.. لن أنساه.. إنه أول عمل صحفي أجريه في حياتي.. كيف لي أن أنساه؟!!

وكانت الأعوام الماضية.. فتناولنا هنا في (الثقافية) تحقيقاً موسعاً عن نادي الباحة الأدبي.. الذي كان يرأسه الشيخ المليص.. واحتد النقاش واحتدم الصراع.. وزاد اللغط والغلط.. وطال عناصر محايدة أصلاً..

أما المربي المليص.. فكان هناك يراقب و(يتبسم) وهو يرى أبناءه وتلاميذه يمارسون النقد والحوار والاختلاف والائتلاف.. فلم يعبأ بالإساءات.. مثلما لم ينتظر الإشادات..

لم يكن حينها قد غاب عنا.. صنيع التأسيس.. الذي كان الشيخ المليص رأساً فيه.. مثلما هو ركن في معظم إن لم يكن جل خطواتنا التنموية بالباحة..

عنَّت لي هذه الخواطر.. وأنا أتأمل (الباحة) المكان والإنسان.. حين لاح وجه القامة سعد بن عبدالله المليص.. لأراه منحوتاً على امتداد الخمسين عاماً من الزمن.. قدمها وقدم عبرها زهرة العمر والأحلام وربما أشياء أخرى لم يفصح عنها..!!

بقي أن أذكره -متَّعه الله بالصحة والسلامة- بما كان قد وعدني به في ذلك اللقاء حول سيرته ومسيرته مع الباحة.. تعليمياً وتنموياً وانتقالياً من جيل إلى آخر.. كما يشرفني أن أقدم له الشكر والتقدير على ما قدمه للباحة ولتعليمها ولأبناءها ول(أدبيّها).. شكراً من الأعماق.. لإنسان الباحة الأول.. سعد المليص.

aldihaya2004@hotmail.comط


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة