Culture Magazine Monday  30/07/2007 G Issue 209
فضاءات
الأثنين 16 ,رجب 1428   العدد  209
 
نازك الملائكة أغنية للإنسان والمكان
أ. د. زكريا يحيى لال

 

 

قبل احتلال صدام حسين الكويت، كان لنا لقاء علمي وثقافي مميز في بغداد عن طريق جامعة بغداد، وفي حضور عدد من أساتذة الجامعات من مختلف العالم، التقينا نازك الملائكة في أمسية جميلة تحدثت فيها عن (الإنسان) غازلت فيه المآسي والمعاناة، وصدحت شعراً بيناً عن الحياة عندما تسمو فيها الإنسانية، بالحزن، بالحب، بالجود.

الدكتور عبدالكريم حسن أحد فلاسفة العرب وعلمائها المبرزين، من أكثر الناس احتراماً للزوار، احتفى بنا وقامت نازك الملائكة - رحمها الله - في تقدير الدور الذي طلبه منها. لنازك اسم رنان في ذهني منذ صغري، ونحن هناك في بغداد ونحن في بيروت، ومن القاهرة عشنا أمسيات أغنية الإنسان لنازك. أتذكر أنني استعرت ديوانها الأول (عاشقة الليل) من مكتبة العزيز إلى قلبي ابن عمتي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالقادر كردي الذي عاش عاشقاً للأدب والشعر من نزار قباني إلى بدوي الجبل، ونازك، وجويدة، وكما عشق عشقت مثله، المازني، والعقاد، والصافي النجفي، وطه حسين، وعلي محمود طه، وشوقي، والأخطل الصغير، ومطران، والشابي، وحافظ، وإيليا أبو ماضي، والرصافي، وتوفيق الحكيم، ورامي، والمتنبي وغيرهم.

ومن حسن حظي أن أزور مكتبة الكردي الذاخرة الثرية، حيث الولع بالأدب والشعر، الأمر الذي عشته فترة من الزمن في صغري مع أديبنا الكبير أحمد عبدالغفور عطار - رحمه الله - ثم تراثه وعلمه. ومع هذا كنت أقرأ وأحفظ لنازك الملائكة في ديوانها الأول الذي ذكرته لها عند لقائي في بغداد، فكانت حريصة على الشعر! كيف وجدت عاشقة الليل. إنها أنشودة الصبا في عهد الحياة، لقد عاشت نازك مأساة الحياة كما صوّرتها في أكثر من قصيدة لها، وكتبت شعراً يكشف عن فلسفتها المعتمدة على (شوبنهاور) فيلسوف ألمانيا المتشائم الذي قال: (لست أدري لماذا نرفع الستار عن حياة جديدة كلما أسدل على هزيمة رموش، لست أدري لماذا نخدع أنفسنا بهذه الزوبعة التي تثور حول لا شيء)؟! من هنا ألمَّ بنازك الملائكة شيء من مآسي الحياة، فصّورتها في بعض قصائدها، فقالت:

ما الذي عندكم من البشر والأفراح

ماذا يا أيها الزاهدونا

ليس إلا عمر يمرّ حزينا

يتهاوى كآبة وسكونا

لقد تركت نازك بغداد ورحلت عن بيروت، واستقرت بقاهرة المعز كما تقول، وبانت قصائدها الحرَّة وأغنيات حرَّة على مسامع الشارع العربي، وغنت لها فيروز، كما غنى لها عبدالوهاب، وغنى لها أبناء بلدها العراقيون الأفذاذ بدءاً من ناظم الغزالي، فصارت كلماتها على لسان الكبير والصغير. لها عدة دواوين جمعها في مجلدين، فكما في الشعر، كما في الحياة، لأن الشعر وليد أحداث الحياة كالموسيقى، كالرشاقة، كالحب، وهو من الأدب، يزيدك سحراً ودلالاً.

رحم الله نازك وأعاد بغداد إلى أهلها حرَّة. تقول الشاعرة:

===========================

ناديت أكداس الرمال: تفجري

لن تدفني جسدي النقي الثائرا

وهتفت يا روح الممات، حزمّي

لن تحبسي قلبي الجريء الساخرا

وصرخت بالارض الدفيئة: ارفعي

من قلب هذا الطين روحي الشاعرا

هذا فؤادي نابضاً، هذا دمي

متفجراً تحت التراب مشاعرا

بالأمس في هذا الظلام دفنتني

تحت الثرى ولففتني بصخوره

لم تسمعي دقات قلبي في الدجا

وأشمت عن إحساسه وشعوره

لم تفهمي روحي وخلت سكونه

موتاً ولم يبلغك رجع هديره

ووهمت أيتها الحياة فلم تري

في أدمعي غير الردى وفتوره

===========================

zak_lal@yahoo.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة