Al Jazirah Magazine Tuesday  03/04/2007 G Issue 213
الملف السياسي
الثلاثاء 15 ,ربيع الاول 1428   العدد  213
 

بعد تغير مهامهم من القتال إلى الإعمار
المارينز يتدربون على الخدمة المدنية في العراق

 

 
* إعداد - أشرف البربري:

يبدو أن الإدارة الأمريكية أدركت أخيرا أنها لن تستطيع أن تحقق أي نجاح في العراق اعتمادا على الآلة العسكرية الجبارة التي لجأت إليها منذ بداية الأزمة.

ورغم أن الأمريكيين ظلوا يرددون منذ بداية الغزو اسطوانة إعادة الإعمار ومساعدة الشعب العراقي فإن السنوات الأربع الماضية كانت تشهد سلوكا أمريكيا مناقضا لهذه المزاعم؛ فأغلب أموال إعادة البناء تحولت إلى تمويل الآلة العسكرية الأمريكية في العراق.

غير أن صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) رصدت تحولا جوهريا في الرؤية الأمريكية.

والمفارقة أن القيادة الأمريكية اختارت للمساعدة في الأعمال المدنية في العراق وحدات من أفضل عناصر الجيش الأمريكي وهي عناصر مشاة البحرية الأمريكية (المارينز).

ورغم ذلك تظل الشكوك قوية في قدرة عناصر المارينز على كبح جماح نزعتهم القتالية والاعتماد على معاول البناء بدلاً من مدافع الحرب.

يقول التقرير: بعد ليلة شديدة البرودة أقامت القافلة العسكرية الأمريكية المكونة من 20 جنديا من جنود مشاة البحرية (المارينز) معسكرهم تحت أشجار الصنوبر في مهبط للطائرات.

وقد كان المشهد الأكثر إثارة هو نزول جنود القافلة من عرباتهم وهم يحملون أسلحتهم.

وقد قام أحد جنود المارينز بعمل مسح شامل للشارع الهادئ بالقرب من منطقة تمركزهم في زيون لودج في ولاية نورث كارولينا وهو يقف وراء سلاحه الآلي من نوع كليبر، وقد بدا الذهول على وجه رجل عجوز كان يتابع المشهد من على باب متجر بيع السندوتشات الخفيفة الذي يمتلكه.

بالطبع كان واضحا أن ما يجري ليس غزوا عدوانيا ولكنه كان المرحلة الأخيرة من التدريب لهذه الوحدة العسكرية الأمريكية قبل إرسالها إلى العراق لمدة عام.

وقد كان واضحا أن جنود المارينز اختاروا مدينة ترينتون الصغيرة في ولاية نورث كارولينا الأمريكية للتدريب على مهمتهم الجديدة في العراق، وإلى جانب هذه المدينة تلقت وحدات أخرى تدريبات مماثلة في مدن بولوكسفيل ومايسفيل.

والحقيقة أن طبيعة التدريبات التي تلقتها الكتيبة الخامسة من اللواء العاشر لقوات المارينز غير معتادة. وقد بدا واضحاً أن هذه الوحدة من قوات المارينز سوف تعود إلى العراق ولكن هذه المرة من أجل القيام بأعمال مدنية وليس أعمال قتالية في المقام الأول، ويعني هذا أن الكتيبة التي تتكون من 250 جنديا سوف تتخلى عن أعمالها الأساسية على جبهة القتال لكي تساعد العراقيين في إعادة بناء مدنهم التي دمرتها الحرب الأمريكية على العراق.

إعادة إعمار

وقد تضمنت تدريبات الكتيبة الخامسة من اللواء العاشر والتي استمرت ستة أشهر دراسة اللغة العربية والثقافة العراقية، وسوف تكون هذه الوحدة مهمة لتحديد ما إذا كانت الخطة الأمريكية الأخيرة وربما تكون النهائية في العراق سوف تنجح أم لا.

فتحت القيادة الجديدة للجنرال ديفيد بيتريوس، ستحاول القوات الأمريكية في العراق تحقيق الأمن في العراق والسيطرة على الأوضاع ثم المساعدة في جهود إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وستكون الوحدات العسكرية من نوعية الكتيبة الخامسة وسيلة ديفيد بيتريوس من أجل كسب ثقة السكان المحللين في المدن العراقية وبخاصة في ظل محاولات الولايات المتحدة لنقل عبء حفظ الأمن وإعادة البناء إلى الحكومة العراقية.

يقول الكاتبن جيم بورجيس الذي يقود مجموعة من عشرة جنود مارينز شاركت في التدريبات الأخيرة مهمتنا الرئيسية هي تجسير الفجوة يبن السكان المحليين والقادة العسكريين المحليين أيضا.

ويضيف الكابتن بورجيس أن الرسالة التي سيحاول توصيلها للمسلحين وحتى القادة العسكريين الأمريكيين والعراقيين هي أنه (إذا أراد واحد منكم نسف محطة المياه تلك فعليه أن يدرك من البداية أن هذا يعني ترك عدد كبير من الناس بدون مياه.. وهناك بعض الأمور المدنية التي نحتاج إلى وضعها في اعتبارنا.

والحقيقة أن عملية تحويل جنود المارينز من مقاتلين إلى رجال بناء ليست سهلة على الإطلاق فهم تدربوا على القتل وليس على التواصل مع الأعداء المحتملين والتحلي بمهارات التفاوض.

ويقول أندرو دايتس الذي قاد أحد تدريبات هذه الكتيبة (يجب علينا نقل هؤلاء الجنود من المناطق المريحة التي يعيشون فيها لكي يتم تدريبهم تحت ضغط الظروف الطبيعية للمهمة حتى نضمن أداءها بالصورة الصحيحة).

وفي حين كان الجنود يتعلمون بعض المهارات الجديدة أثناء تلك التدريبات التي تمت في بعض المدن الأمريكية كان السكان المحليون لتلك المدن يكتشفون بعض الأشياء الجديدة عن تدريبات جنود المارينز وقسوة الحرب.

وبشكل عام كان السكان يستقبلون الجنود باعتبارهم أبطالا بعد أن يستوعب هؤلاء السكان الصدمة الأولى لرؤية جنود مارينز بكامل أسلحتهم في شوارع مدنهم الهادئة.

ألم متزايد

أما الميجور ليلاند ستوي قائد إحدى الوحدات المشاركة في التدريبات فيقول التحول إلى الأعمال المدنية يتحقق من خلال ألم متزايد فكل جندي من جنود المارينز يتدرب في البداية كجندي رماية ومن السهل لنا بعد ذلك تدريبه في وحدات المدفعية لكي يتحول إلى مدفعجي ممتاز.

ومن السهل على جندي المارينز تحطيم الأبواب ومهاجمة من وراءها وهو يستمتع بذلك ولكن من الصعب عليه فعلا أن يدق على الباب لكي يفتح له شخص ما ويدخل معه في حوار.

ورغم الاختلاف الهائل بين محافظة الأنبار العراقية معقل المقاومة المسلحة ومقاطعة جونز كاونتي في نورث كارولينا التي يتدرب فيها جنود المارينز قبل السفر إلى الأنبار فإن الهدف من التدريبات هو تعريف الجنود بالطريقة التي يجب التعامل بها مع المسئولين المحليين في المدينة والقيام بأعمال مدنية لصالح السكان.

ويقول الميجور ستوي: (سيعرف الجنود الهدف الحقيقي من التدريبات عندما يجدون أنفسهم في الفلوجة أو الرمادي. في الرمادي هناك سلطة إدارة ناشئة ونحتاج إلى القدرة على مساعدة هذه الحكومة في أداء مهامهم وتحديد أولويات مشروعات إعادة البناء وتوفير الظروف الملائمة لكي يبدأ المقاولون العمل في تلك المشروعات).

وفي صباح أحد الأيام دخل المقدم ستيفن أجويليرا وفريق الأعمال المدنية الذي يقوده مدينة مايسفيل حيث كان عليهم تأمين شركة ماسيفيل ميلينج ومقابلة مديرها جيمس هاربر للحديث معه بشأن عمل شركته. وكان والد جيمس هاربر جنديا في قوات المارينز وخاض الحرب الكورية وشارك مرتين في حرب فيتنام. ولد جيمس هاربر عام 1950 في مدينة كامب ليجون حيث تتمركز بالفعل الكتيبة الخامسة من اللواء العاشر مارينز.

كما أن ابن هاربر جندي في المارينز وشارك في غزو العراق عام 2003م، يقول لا أنصح الآباء بمشاهدة قناة (سي.إن.إن) التلفزيونية عندما يكون لهم أبناء في العراق لأنها كادت تصيبني بالجنون.

ويضيف هاربر الذي خدم في صفوف الجيش الأمريكي أيضاً (لا أعرف الكثير عن الحرب في العراق، وهي واحدة من الحروب التي يصعب فهمها وسيكون من الصعب عليك التضحية بأحد أبنائك من أجلها).

ويشرح هاربر أساسيات عمل المطاحن التي تديرها شركته وبعض جوانب القصور الاجتماعي في مقاطعة جونز كاونتي. ويقول نحن نعاني تفشي تجارة المخدرات هنا بشكل وبائي، ففي نهاية الأسبوع خلال فصل الصيف تراهم يقفون لبيعها على نواصي الشوارع، كما أنهم يستخدمون شباباً يقودون دراجات لبيع المخدرات.

وعلى امتداد شارع تظلله الأشجار في مدينة ترينتون هناك دورية أخرى لعناصر المارينز تحاول أن تشرح للسكان المحليين طبيعتها وطبيعة العمل الذي تقوم به والمشكلات التي واجهتهم في المدينة.

وقد مروا على مبنى محكمة جونز كاونتي حيث كان يوجد نصبان تذكاريان، الأول لجندي من المارينز مات في الحرب العالمية الثانية والثاني لرقيب بالجيش الأمريكي يدعى مايكل هاريس مات في حرب تحرير الكويت عام 1991م.

وأثناء وقوفها في الشارع مرت على الدورية شاحنة خفيفة يبدو أن قائدها جندي سابق في الجيش الأمريكي حيث زين السيارة بعبارات تشير إلى اشتراكه في حرب فيتنام.

وفي اللحظة التالية صرخ جنود الدورية على سيدة يبدو أنها خرجت من باب منزلها لفحص صندوق البريد الخاص بها، وهنا صرخ الكابتن جونز تالبوت قائد الدورية في الجنود ليتوقفوا عن هذا السلوك الخاطئ قائلاً لهم: إن الأعمال المدنية مثل خدمة العملاء بمعنى أنه عليكم أن تتعاملوا من الناس بلطف وتمدوا أيديكم لمصافحتهم وأن العميل دائماً على حق.

وفي وقت الغذاء في آخر أيام التدريب كان جنود المارينز قد أثروا في كل سكان مدينة ترينتون، فقد جمعت باولا توسي التي تدير مع زوجها متجر بوب توسي توقيعات تذكارية من كل جنود المارينز على قميص يحمل اسم المتجر ثم قامت بتثبيت القميص على واجهة المتجر، وتقول: رغم أنني لا أعرفهم فإنني بالفعل حزينة لأنهم سيغادرون المكان.

وفي مدرسة جونز الإعدادية اشترك فريق الأعمال المدنية مع عشرات التلاميذ في عرض خارجي لمعدات المارينز، وقد جاء الجندي جويل فاناتا إلى المدرسة ليصافح التلاميذ ويقول لهم (عندما التحقت بالمارينز لأول مرة كنت أعلم أن احتمالات ذهابي إلى العراق قوية، والآن أعتقد أنني لو لم أذهب إلى العراق فسوف أصاب بخيبة أمل لأنه يجب علي أن أذهب إلى هناك بعد كل هذه التدريبات التي حصلت عليها).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة