Al Jazirah Magazine Tuesday  03/04/2007 G Issue 213
تقارير
الثلاثاء 15 ,ربيع الاول 1428   العدد  213
 

الهنود يسألون:
هل لا تزال تعاليم غاندي قابلة للتطبيق؟!

 

 
* إعداد - محمد الزواوي:

غاندي، تلك الشخصية المتفردة في التاريخ المعاصر، والذي قاد حركة سلمية لمكافحة الاحتلال البريطاني ونيل استقلال بلاده، وأصر على عدم استخدام القوة لمواجهة الاحتلال، بل واجهها بالاعتراض السلمي ومقاطعة المنتجات البريطانية وبارتداء ملابس نسجها بيده وشرب من ألبان الماعز. وفي ذكرى مولده توقفت الهند لتتساءل اليوم: هل لا تزال تعاليم غاندي قابلة للتطبيق في ذلك العالم المادي؟ هل الهند التي لديها قنبلة نووية لا تزال متمسكة بمنهجه السلمي؟

عن هذا الموضوع كتب مارك سابينفيد من نيودلهي تقريراً في جريدة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية، وقدَّم فيه رؤية غاندي من منظور جديد بعد عرض فيلم كوميدي يقدم تعاليمه في إطار أكثر عملية من مجرد نهج العصيان المدني السلمي.

ففي أكتوبر الماضي توقفت الهند في ذكرى غاندي، في ذلك اليوم الذي جعلته الهند عطلة رسمية تتزامن مع ولادة (أبو الهند)، وكانت هناك خطب حماسية في ذكراه وتم وضع أكاليل الزهور.. ولكن ظل ذلك السؤال يتردد: هل هذا الرجل النحيل الملفوف في أوشحة نسجها بيده ولا يتسلح سوى بحكمته ومنطقه لا يزال وثيق الصلة بالهند اليوم.. حيث مليونيرات الإنترنت في تلك الدولة المسلحة نووية حتى أسنانها؟

وفي هذا العام جاءت الإجابات العملية على مثل ذلك السؤال من مصدر غير متوقع على الإطلاق؛ من فيلم كوميدي من إنتاج (بوليوود) الهندية، والذي يحكي قصة لص من مومباي. يقول بونيت سود، الشاب الأنيق محلل البرامج المتخرج حديثًا من الجامعة: (إنني لم أكن متعلقًا بغاندي قبل أن أشاهد هذا الفيلم). ولكن فيلم (لاجي راهو مونابهاي) بأسلوبه المخيف - والذي يتحدث عن تحول أحد اللصوص إلى نهج غاندي السلمي - قدم صورة مثالية لنهج غاندي بصورة أكبر بكثير من الخطب الحماسية في المناسبات النبيلة التي تزامنت مع ذكرى غاندي، والتي دائمًا ما كانت تشبه غاندي بقطعة متحفية من المُثل والقيم غير القابلة للتطبيق.

وقد مثل هذا الفيلم بالنسبة لبعض الشباب من الهنود بأنه دعوة للعمل، فعلى سبيل المثال ترك طلاب جامعة (لكناو) مؤخرًا وراء ظهرهم سنوات من التظاهرات الطلابية العنيفة ليقوموا بتقديم الزهور في مسيرات سلمية، وهو نفس الأسلوب الذي انتهجه اللص الذي سار على نهج غاندي في الفيلم، هذا إضافة إلى شعور سود الذي قال في يوم 2 أكتوبر الماضي أنه نظر إلى غاندي بأعين جديدة، ربما لم تتغير كثيرًا، ولكنه فهم الآن لماذا كانت تلجأ الهند في الماضي إلى غاندي في وقت الأزمات منادية إياه (بابو) أو (أبانا).

إعادة اكتشاف غاندي

يقول فامسي جولوري أستاذ الدراسات الإعلامية بجامعة سان فرانسيسكو: (لقد بدأ الناس ينسون غاندي في بعض مناحي الحياة، وهذا الفيلم أعاد اكتشاف غاندي كرمز عالمي). وربما يرى العالم أنه من الغريب أن غاندي - ذلك الرجل الذي احترم كل ورقة نقد من الروبية الهندية لأنها عملة بلاده وأنها رمز لتحرر الهند - تم نسيانه في بلاده، بل إن هناك بعض الشخصيات التي تنادي بذلك الاتجاه.

ففي داخل المؤسسة السياسية الهندية تم تقدير رؤساء وزراء سابقين أمثال جواهر لال نهرو وإنديرا غاندي بصورة أكبر بكثير من غاندي، كما أدى صعود نجم حزب بهاراتيا جانيتا القومي المتطرف في التسعينيات إلى مزيد من تهميش صورة غاندي، واتهموه بأنه جعل الهند (رعديدة)، كما صرح بذلك المؤرخ أموليا جانجولي.

وحتى في داخل الدولة الهندية فإن تركته يصعب التعرف على الكثير من ملامحها، فإن أكبر نجاحاته وأعظم إنجازاته كانت الحصول على استقلال الهند، وهي حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها، ولكن غاندي كان يريد التأثير على الهنود بصورة أكثر نفوذًا بالعديد من الطرق السلمية الودودة، وفي تلك المناطق لم يكن نجاحه واضحاً للجميع؛ فإلى جانب ثيابه التي نسجها بيده للترويج لاعتمادية الهند اقتصادياص على ذاتها أو وسم بلاده بأنه دولة سلمية لا تنتهج العنف، فإن تأثير غاندي على الدولة والمجتمع الهنديين كان قد تلاشى بمرور الوقت.

وفي الحادي عشر من سبتمبر في العيد المئوي لبدء حركة غاندي السلمية انطلاقًا من جنوب إفريقيا تساءل المفكرون الهنود بصوت عال: ما الذي أكثر صلة بالهند اليوم: تركة اللا عنف لغاندي أم الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر؟

فيقول ديبانكار جوبتا عالم الاجتماع بجامعة جواهر لال نهرو: (إن كل الأركان الأساسية لفكر غاندي ليست ذات صلة في عالم اليوم). ففي بعض الأوقات، يبدو أن كل ما تبقى هو صورة ذلك الرجل الطيب الذي ترك وراءه أمة وآمال مثالية مستحيلة. ويقول الأستاذ جلولوري إنه عندما تصور الأفلام والمسرحيات غاندي وكأنه ينظر إلى الهند في عالم اليوم، فإنها (تصوره على أنه رمز للعقل، ولكنه يئن) من الحالة الراهنة لبلاده.

وهذا هو سر جاذبية فيلم (مونابهاي): فغاندي يقوم بتحركات عملية!، ففي هذا الفيلم يبدو غاندي على هيئة طيف شبحي لا يظهر إلا لرجل عصابات مجرم يستشيره في كيفية مساعدته في التعامل مع مشكلات الحياة اليومية؛ مع ذلك الابن الذي بدد ثروة أبيه، أو ذلك الرجل الذي يبصق على السلالم، أو ذلك الموظف الذي يطلب رشوة من المسنين المعدمين، وكانت إجابات غاندي في كل مرة هي مواجهة المشكلة بصورة مباشرة، ولكن لا يلجأ مطلقًا إلى العنف.

يقول سود، الذي كان يتمشى خارج المسرح في منطقة التسوق بنيودلهي: (لم أتعرض قط لتلك النوعية من المبادئ التي تم تصويرها في ذلك القالب الكوميدي، ففي المدرسة يعلموننا تلك الأشياء ولكنهم لا يغرسونها فينا، ولكن في هذا الفيلم تستطيع أن تشعر بها).

وقد استطاع هذا الفيلم أن يحقِّق نجاحاً هو الأكبر ل (بوليوود) هذا العام، فقد قبلت مسارح الولايات الجنوبية عرض هذا الفيلم وكانت من قبل ترفض الأفلام الناطقة بالهندية، كما قام طالب بإحدى مدارس كولكاتا بتنظيم رحلة ميدانية لمشاهدة الفيلم، في حين فرضت كلية إدارة الأعمال بمدينة ناجبور وسط الهند مشاهدة ذلك الفيلم إجباريًا. وفي حادثة طريفة جاءت تجسيدًا لما قدَّمه هذا الفيلم من مبادئ، جاء أحد أكبر رجال العصابات في الهند والذي اشتهر بسمعته السيئة إلى قاعة المحكمة لسماع النطق بالحكم في قضيته حاملاً زهوراً، وقال إن فيلم (مونابهاي) قد وضعه على طريق غاندي بمنهجه السلمي. والاهتمام بنهج غاندي أفرز مصطلحات جديدة في الهند، فالعصيان المدني يسمى (غاندهيجيري)، وهو استخدام القوة الأخلاقية لتأكيد وجهة النظر بدلاً من (داداجيري) التي تعني استخدام القوة الوحشية.

يقول ريتوش موخيجا، الطالب بمعهد التقنية الهندي في نيودلهي: (من المؤكد أن ذلك الفيلم أظهر طريقة مختلفة للتعامل مع الأمور بمنهج اللا عنف، والذي ينتشر بالفعل هنا، فإذا ما استطاع هذا المنهج أن يؤتي أكله منذ أكثر من خمسين عاماً، فمن المؤكد أنه يمكن تطبيقه اليوم).

ولكن هذا ليس معناه أن السيد موخيجا وأصدقاءه مستعدون لارتداء الملابس محلية الصنع بدلاً من ارتداء الجينز، فيقول روبالي أرورا الذي جاء لزيارة صديقه من بانجالور: (في الحقيقة إن ذلك ليس كما يظن الناس أنه الطريق الأسهل، ولهذا السبب فإنه دائمًا ما لا يكون الخيار الأول للكثير من الناس).

ولكن بالنسبة للكثيرين فإن هذا المنهج يمثله تلك الشخصية التي صورت مؤخرًا في صورة كاريكاتورية، فتقول سيما خانديكار أثناء انتظارها لدخول المسرح: (عندما كنت في المدرسة كانوا يعلموننا بشأن حركة الحرية وعن غاندي ومثل تلك الأشياء)، ولكنها اليوم جاءت بابنتيها وتقول مبتسمة: (إنه فيلم ممتع، وفي بعض الأحيان فإن الكوميديا والأفلام تساعد في توصيل المبادئ، ألا تعتقد ذلك أنت أيضًا؟).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة