Al Jazirah Magazine Tuesday  29/01/2008 G Issue 251
تحقيق
الثلاثاء 21 ,محرم 1429   العدد  251

عمل النساء في البنوك.. نظرة متغيرة

كانت هناك نظرة سلبية كبيرة في مجتمعنا حول عمل المرأة خارج المنزل خصوصاً إذا كان هذا العمل يستغرق ساعات طويلة، أو كان على فترتين أو كان في أماكن مختلطة فهذه الأعمال من وجهة نظرهم هي خاصة بالرجل فقط ولا تتناسب مع طبيعة المرأة (كالمستشفيات والبنوك وبعض الشركات والمؤسسات) وقد حدد البعض مجالات معينة للمرأة، والبعض يرى أن عليها العمل في مجال التدريس فقط، ظناً منهم أن طبيعة المرأة لا تتناسب مع الأعمال الأخرى، وأن عليها الابتعاد عن أي مجال يفرض عليها التعامل مع الرجال الأجانب وذلك درءاً للفتنة والمفسدة، وسدّاً لأسباب الوقوع في المحذور.

وهنا سنسلّط الضوء حول عمل النساء في البنوك، وعن مدى القبول الاجتماعي لهذا العمل، وهل اختلف الوضع عما كان عليه سابقاً أم لا؟ وذلك من خلال استطلاع آراء متعددة في هذا الشآن.

إذا كانت المرأة لديها القدرة على العمل في هذه المجالات، ولديها الشهادات والمؤهلات التي تهيئها للقبول في هذه الأماكن والعمل بها، وكان باستطاعتها المساهمة في هذا المجتمع والوقوف بجانب الرجل من أجل تطوير البلد، فهل يجب علينا وعلى المجتمع ككل أن نقف أمام هذه المرأة وأن نحدد لها المجال الذي يجب أن تعمل به وما عليها الابتعاد عنه؟ حتى لو كان باستطاعتها المساهمة فيه؟! للإجابة على هذه الأسئلة علينا أن ننظر أولاً إلى الأسباب التي جعلت المجتمع ينظر إلى هذا العمل بهذه النظرة التي ممكن أن نقول عنها سلبية نوعاً ما، فقد تعددت الأسباب: طبيعة العمل هذا السبب أدى إلى الرفض المبدئي، بسبب ربط فكرة هذا العمل بالرجل فقط وأنه يجب على المرأة عدم الاحتكاك بالرجال، وأن عليها البقاء في البيت صيانة لها.

فهدة الغيلان مديرة فرع تقول: طبيعة عملي أعطتني فرصة للتعرّف على جميع فئات المجتمع والجنسيات، والأهل ساندوني في كل شيء، ولا توجد هناك نظرة سلبية لعمل النساء في البنوك وذلك لما يقدمه الفرع النسائي من خصوصية للعميلات والسيدات، ففي ظل التطورات التي نعيشها يبقى التنافس هو المعيار حيث لا فرق بين رجل وامرأة.

تعامل سلس

وتعلق فاطمة عميلة في أحد البنوك: إن الفروع النسائية أدت إلى التعامل بشكل سلس ومحترف مع العميلات؛ فالمرأة أصبحت تستطيع إنجاز أعمالها بطريقة أسرع من قبل، فنتمنى أن يكملوا ما بدؤوا به، ونتطلع إلى الأفضل دائماً. فنحن هنا إذا نظرنا لهذه النقطة من زاوية أخرى إيجابية سنجد أن المرأة باستطاعتها العمل في هذا المجال مع المحافظة على عاداتها وتقاليدها، وعدم الخضوع بالقول في الحالات الخاصة التي يكون فيها احتكاك بالجنس الآخر، والقيام بواجبها على أكمل وجه، وبما يرضي الله سبحانه وتعالى، وأن يكون هدفها الأساس هو العمل فقط.

قبول بالواقع

تقول نوف مرضي خدمة عملاء: في البداية عند دخولي لقسم المحاسبة وبعد تخرجي أصبح هناك اعتراض من الأهل لهذه الوظيفة، ولكن بعد إقناع وتقبل واقع الحياة بدؤوا في مساعدتي على التطور في عملي.

وتضيف: أجد في عملي الراحة ولكنها ليست الراحة التامة فكل عمل لا بد له من مساوئ ولكن نحن في طريق كل هذه المساوئ.

- ونحن نضيف هنا أن المرأة كانت تعمل في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووقفت إلى جانب الرجل، ففي صدر الإسلام عملت المرأة ممرضة، وعملت في الحسبة في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعملت أيضاً مستشارة.

نظرة سلبية؛ فالسبب الرئيس الذي أدى إلى هذه النظرة السلبية هو أن الزمن تغير، وأصبحنا الآن في عصر الفتنة وأصبحت المرأة في موقع حساس جداً، فما يشاهده الناس في بعض الأماكن الآن وما يسمعونه أدى إلى عدم قبول هذه المهنة؛ فالنظر إلى هذه الفئة أدى إلى ظلم كبير وسلب لحقوق بعض الفتيات، فما هو ذنب الفتاة التي تكون في أمسّ الحاجة للعمل الميداني الذي يتطلب منها الاحتكاك بالجنس الآخر، مع محافظتها على عاداتها والتزامها بأحكام دينها.

ومن جهة أخرى إذا نظرنا إلى الجوانب الإيجابية سنجد أن عمل المرأة في هذه المجالات مهم جداً، لأن النساء لا يفضلن التعامل إلا مع أمثالهن من النساء، فالمريضة قد لا ترضى إلا بطبيبة لمعالجتها، وأيضاً النساء اللاتي يذهبن للبنوك لا يردن إلا التعامل مع نساء بدل الرجال.

تواصل بلا تكلف

سحر، عميلة لأحد البنوك، تجد أن تخصيص الفروع النسائية أدى إلى إمكانية التواصل مع الموظفات وإيصال المطالب من غير تكلف أو إحراج وبسرعة معقولة، ولكن التعامل يختلف من بنك لآخر فهناك بنوك تخجلك بقمة الأخلاق والابتسامة الدائمة على وجه موظفاتها، وبنوك أخرى تتمنى أن تعجل إنهاء خدماتك لديها.

وتضيف: أتمنى أن يكون لدى موظفات البنوك المؤهلات اللازمة لقضاء الخدمات بالشكل المطلوب، كما أن الابتسامة هي مفتاح القلوب.

- نجد هنا أن هذا السبب بالتحديد (طبيعة العمل) قد يكون هو السبب الرئيس لهذه النظرة السلبية.

النظرة للعمل في البنوك هنالك نظرة تحرم العمل في البنوك بشكل عام وتحرم المال (الأجر) الذي تحصل عليه الفتاة مقابل عملها فللأسف هذه النظرة ناتجة عن جهل كبير، والتأثر بالفتاوى المنتشرة في التلفاز والفضائيات التي تحرم وتحلل ما تشاء، لأن هناك بنوك (ربوية) لا يجوز التعامل معها، ولكن مقابل هذا نجد البنوك الإسلامية التي أحلها الشرع، ولقد أفتى سماحة الشيخ (عبد العزيز بن باز)، والشيخ (ابن عثيمين) رحمهما الله حول هذا الموضوع وقالا: إن الأجر الذي تحصل عليه الفتاة مقابل عملها في بنك ربوي يعتبر محرّماً لأنه من أموال الربا، أما البنوك الإسلامية فيجوز التعامل معها مادامت قائمة وملتزمة بالأحكام الشرعية.

عمل المرأة وإهمال الواجبات

قد يؤدي عمل المرأة إلى إهمال واجباتها تجاه زوجها وأبنائها، خصوصاً المرأة المتزوجة أو المقبلة على الزواج فغالباً ما يرفض الزوج عمل المرأة في هذا المجال وذلك بحكم طبيعة هذا العمل الذي يتطلب بقاءها لساعات طويلة خارج المنزل، وقد يكون العمل على فترتين صباحاً ومساء، فكل هذا قد يؤدي إلى إهمالها لبيتها وزوجها وأبنائها.

وفي هذا الصدد تقول شيخة مديرة مبيعات في أحد البنوك المحلية: في البداية كان العمل في البنك يقابله الرفض، ولكن الآن تم الاقتناع، وقد واجهتني صعوبات كثيرة ولكن بفضل الله وتفهم الزوج تم تلافيها مع الوقت.

وتؤكد: لا أجد نظرة سلبية وإنما بعض آراء من أشخاص محدودين جداً وذلك لطول فترة الدوام أو الاختلاط ولكن هذه الأشياء غير موجودة والثقة بالنفس من أهم شروط هذا العمل.

وفي العصر الحالي يجب أن تنخرط المرأة في جميع المجالات التي تحفظ احترامها وتحقق ذاتها من خلال تفوقها. فنجد أن هذا السبب طبيعي جداً، وحله بيد المرأة وزوجها فقط، ولكن إذا استطاعت المرأة أن توفق بين عملها وبيتها وعائلتها فلا نجد أي مانع من استمرارها في عملها.

زوجي متفهم

ابتسام عبد العزيز موظفة في أحد البنوك المحلية تؤكد: زوجي متفهم ولله الحمد لطبيعة عملي ولم أجد معارضة منه، والمجتمع بطبيعته لا يريد عمل المرأة في البنك لأن هذا مخالف لعاداتها وأنا أعتبر من ينظر بهذه النظرة السلبية إنساناً رجعياً، فهل المرأة عندما تقع في ضائقة مالية يقف معها المجتمع للمساعدة؟! كما أن المرأة يجب أن تكون لها بصمة في المجتمع، فهي إنسانة يجب أن يكون لها كيان واستقلالية، ولها الحق في الاعتماد على نفسها.

وتقول مها، صرافة: إذا استطاعت المرأة أن تمارس الطب والتدريس والتدريب ولم يخالف هذا طبيعتها أو يؤثر عليها فكيف يكون عمل المرأة المصرفي مخالفاً لطبيعتها؟! نصف المجتمع عمل البنوك مناسب لطبيعة المرأة التي أثبتت كفاءتها في عدة مجالات والفراغ هو أحد أسباب الفساد (فعمل يجهد خير من فراغ يفسد) إن كانت المرأة باستطاعتها أن تعمل فلتعمل لأن المجتمع بحاجة ماسة للمرأة العاملة وخصوصاً في هذه الأماكن، لأن تطور البلد يحتاج إلى العمل من الطرفين، والمرأة نصف المجتمع وتستطيع أن تصل إلى أبعاد أخرى، وباستطاعتها أن تثابر وتجتهد وتصل للقمة، فعمل المرأة الميداني مطلوب في هذا الوقت، وهو ضروري في جميع القطاعات، فما الذي يمنع فتاة عن العمل وقد حصلت على شهادة البكالوريوس في المحاسبة وتعمل في بنك إسلامي؟! ومحافظة على عاداتها وملتزمة بأحكام دينها، ولاتقوم إلا بعملها فقط من أجل نفسها وأسرتها ومجتمعها.

إثبات وجود

بخصوص هذا الأمر تعلق فاطمة الريمي، مديرة فرع قائلة: أصبحت الآن النظرة إيجابية عكس ما كانت عليه سابقاً، والذي لا يؤيد عمل المرأة في هذا المجال عليه أن يوفر عملاً آخر لها... فالعمل فترة واحدة أفضل عما كان عليه من قبل، والمرأة أثبتت بكل المقاييس تواجدها.

المرأة شريكة في النهضة

- فنحن هنا لا نعارض من قال إننا بعصر فتنة وإن وضع المرأة حساس جداً، ولكننا نؤكد أننا أصبحنا في عصر النهضة، والأوضاع اختلفت، فالمرأة عليها تكوين ذاتها، وأن تكون مسؤولة عن نفسها في هذا المجتمع الذكوري.. ألا يكفي أن المجالات المتاحة لها محدودة جداً، فإن كانت الفتاة مؤهلة للعمل فيجب عليها أن تسارع لهذا العمل حتى يكون لها هدف وحتى تستطيع إثبات وجودها.

فالمثل يقول: (إن لم تزد على الدنيا كنت زائداً عليها)!


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة