Al Jazirah Magazine Tuesday  22/05/2007 G Issue 219
خارج الحدود
الثلاثاء 5 ,جمادى الاولى 1428   العدد  219
 

300 ألف شخص يغادرون سنويا
البريطانيون يهجرون وطنهم أفواجاً

 

 

* إعداد - عايدة السنوسي

رغم أن بريطانيا ظلت لسنوات عديدة مضت بعيدة عن الجدل الدائر في مختلف دول أوروبا وبخاصة الشطر الغربي من القارة الأوروبية بشأن الهجرة فإن هذا الجدل بدأ يفرض نفسه على البريطانيين.

ورغم ذلك فإن ملف الهجرة البريطاني يختلف تماما عنه في باقي الدول المجاورة مثل ألمانيا وفرنسا وغيرهما. ففي حين يعني الحديث عن الهجرة في هذه الدول القلق من تدفق المهاجرين من الدول النامية إليها فإن الحديث في بريطانيا يدور على محورين الأول هو الهجرة من بريطانيا والثاني الهجرة إليها.

وفي تقرير من لندن تناولت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) هذه القضية في بريطانيا وقالت إن البعض يرى أن طوفان الأجانب الذين يتدفقون بلا توقف عبر الحدود إلى بريطانيا أصبح يشكل تهديدا خطيرا للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في بريطانيا.

ولكن هذا ليس مجرد حكم آخر على خطر الهجرة. فهذا يتناول الاشخاص الذين ينتقلون في الاتجاه المعاكس. فالمفاجأة الحقيقية هي أن البريطانيين الذين ينظرون اليوم بقلق إلى الأجانب الذين يهاجرون إلى بلادهم هم أنفسهم أصحاب الرقم القياسي في الهجرة بين الشعوب الأوروبية.

فالبيانات الرسمية تقول إن أكثر من 300 ألف شخص يغادرون بريطانيا كل عام بزيادة نسبتها خمسين في المائة تقريبا عن عددهم منذ عشر سنوات. وفي استطلاع أخير للرأي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قال 13 في المائة من البريطانيين إنهم يتطلعون إلى الهجرة من بريطانيا في المستقبل القريب وهو ضعف عدد هؤلاء الذين اعربوا عن هذه الرغبة في استطلاع مماثل أجري منذ ثلاث سنوات.

واليوم يعيش حوالي 4.5 مليون بريطاني يشكلون حوالي ثمانية في المائة من إجمالي سكان بريطانيا في الخارج وهي نسبة تفوق نسبة أبناء الدول الغنية الأخرى الذين يعيشون في الخارج مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة. ليس هذا فحسب بل إن الأرقام تقول إن بريطانيا دولة طاردة للسكان وليس العكس حيث أصبح عدد البريطانيين الذين يعيشون في الخارج أكبر من عدد الأجانب الذين يعيشون في بريطانيا.

يقول فرانك لاكسكو رئيس إدارة الأبحاث في المنظمة الدولية للهجرة ومقرها جنيف بسويسرا (في بريطانيا هناك ثقافة هجرة بدرجة تفوق تلك الموجودة في أي دولة أوروبية أخرى).

ويتضح ميل البريطاني للهجرة من خلال عدد البرامج التلفزيونية البريطانية التي تتحدث عن كيفية شراء منازل في الخارج أو كيفية الحياة فيما وراء البحار وغير ذلك من القضايا ذات الصلة بالسفر والحياة خارج بريطانيا. ويضيف لاكسكو (إذا نظرت إلى فرنسا في المقابل فلن تجد الفرنسي يحلم بالحياة في الخارج.. ومثل هذه القضايا غير مهمة بالنسبة للفرنسي).

أسباب هجرة البريطانيين

إذن يثور السؤال وهو: من هو البريطاني الذي يسافر وإلى أين ولماذا يسافر؟ يقول دهانانجايان سريسكنداراجاه خبير شؤون الهجرة في معهد أبحاث السياسة العامة وهو مركز أبحاث مستقل يتخذ من لندن مقرا له: إن الهجرة أصبحت تمثل أكثر ديموقراطية وحرية فلم يعد الامر قاصرا على الضباط البريطانيين الذين كانوا يتركون بلادهم للعمل في صفوف قوات الاحتلال البريطاني في العديد من دول العالم عندما كانت بريطانيا إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس. فاليوم أصبح الأمر يتعلق بجميع البريطانيين فهناك السباك الذي يترك بريطانيا ويتجه إلى أسبانيا أو أستراليا بحثا عن فرصة عمل بدخل أكبر. وهناك الممرضة التي تستطيع تحقيق مكاسب مادية كبيرة من خلال العمل في مستشفيات دول الخليج العربي. وهناك أيضا رجال الشرطة الذين يجدون إغراءات كبيرة للهجرة والعمل في الشرطة النيوزيلندية. أيضا فإن المتقاعدين من أفراد الطبقة الوسطى في بريطانيا والذين يجدون صعوبة في مواجهة أسعار العقارات المرتفعة لذلك يفضلون الانتقال إلى المناطق الريفية في فرنسا بحثا عن مسكن أرخص.

ويضيف: إن البريطاني يفكر دائما في الهجرة بحثا عن فرصة أكبر أو نمط حياة أفضل.

أما ريتشارد جريجان مدير شركة (أوفرسيز إيميجريشن فيزا) وهي شركة بريطانية تساعد الراغبين في السفر والحياة في الخارج فيشير إلى أن شركته تساعد حوالي 2000 بريطاني على الانتقال للحياة في دول أخرى كل عام. ويضيف أن نشاطها ازدهر بشدة بفضل زيادة إقبال البريطانيين على الهجرة على اختلاف انتماءاتهم الطبقية.

ويضيف: إن عملاء الشركة هم خليط من طبقة كبار الأثرياء وحتى أصحاب الشركات والمشروعات الصغيرة إلى هؤلاء الفقراء الذين لا يجدون عملا. ويتراوح عمر الباحثين عن الهجرة في بريطانيا بين 25 و55 عاما.

وتعتبر أستراليا نقطة الجذب الأكثر نشاطا بالنسبة للمهاجرين البريطانيين حيث يعيش فيها حاليا حوالي 615 الف بريطاني. ورغم القيود الصارمة المفروضة على دخول العمالة الأجنبية إلى الولايات المتحدة فإنها تأتي في المركز الثاني في قائمة الدول الجاذبة للمهاجرين البريطانيين حيث يعيش فيها حوالي 500 ألف بريطاني. ووفقا لاستطلاع الرأي الذي أجراه مركز آي. سي. إم لاستطلاعات الرأي العام فإن العوامل التي تدفع البريطانيين إلى التفكير في الهجرة تشمل البحث عن مستوى حياة أفضل أو ارتفاع تكاليف المعيشة في بريطانيا أو انتقال عمله إلى الخارج وأخيرا المناخ السيئ في بريطانيا.

يقول أندي ريكس الذي يعمل في شركة استشارات بمدينة شيكاغو الأمريكية منذ ترك بريطانيا قبل سبع سنوات: إن هناك الكثير من الأمور المتعلقة بنمط الحياة البريطانية يسعدني جدا أنني تخلصت منها.

ويقول ديفيد ماوند وهو استشاري إنشائي بريطاني يعيش ويعمل في هونج كونج: بالتأكيد لا افتقد مناخ بريطانيا السيئ. تماما كما لا افتقد مستوى الخدمة السيئ في المطاعم البريطانية حيث كنت تضطر إلى الانتظار لوقت طويل أمام طاولة النادل حتى يلتفت إليك ويسألك عن طلبك. ولا افتقد تقديم كوب العصير نصف فارغ في هذه المطاعم). ويضيف أن أغلب البريطانيين الذين تعرف عليهم في الخارج تركوا بريطانيا إما بحثا عن فرصة عمل أو سعيا وراء نمط حياة أفضل. وأغلب البريطانيين الذين تركوا بريطانيا اندمجوا سريعا في حياتهم الجديدة ولم يعد يفكر أغلبهم في العودة إلى بريطانيا.

وقد أصبحت هذه القضية مهمة بالنسبة لبريطانيا في الوقت الذي أصبحت فيه بريطانيا مقصدا للعمال الأجانب الباحثين عن فرصة عمل.

فقد اكتشف العمال الأجانب وبخاصة من دول شرق ووسط أوروبا أنه من السهل الدخول إلى بريطانيا والعمل فيها بسبب قوانينها السهلة نسبيا بشأن الهجرة والمهاجرين. ومع ذلك فإن الأرقام التي تقول إن حوالي نصف مليون أوروبي شرقي جاء إلى بريطانيا منذ توسيع الاتحاد الأوروبي في أول مايو 2004 في حين كانت الحكومة لا تتوقع وصول أكثر من 13 ألف أجنبي الامر الذي فجر من جديد الجدل بشأن قضية الهجرة إلى بريطانيا.

وقد بدأ جون ريد وزير الداخلية البريطاني يتحدث عن الهجرة (المقننة) والخاضعة للسيطرة. وجاء شبح المخاطر الإرهابية ليشجع السلطات على فرض المزيد من القيود على الهجرة إلى الجزر البريطانية وبخاصة عندما يتعلق الأمر بمهاجرين من المسلمين.

ومع تراجع معدل المواليد بين البريطانيين وزيادة معدل هجرتهم إلى الخارج فإن العديد من الخبراء في مجال الهجرة بدأوا يطالبون الحكومة بالتعامل باهتمام أكبر مع قضية تأثير الهجرة على المجتمع. يقول دهانانجايان سريسكنداراجاه: إن استمرار خروج البريطانيين المتعلمين من البلاد يمكن أن يؤثر سلبا على قوة العمل في البلاد.

في الوقت نفسه قال إنه لن يريد الحديث عما يمكن اعتباره ازدواج المعايير حيث يسعى البريطانيون إلى الهجرة بحثا عن فرص حياة أفضل أو هربا من نمط معيشة غير مقبول في الوقت الذي يرفضون فيه قدوم الآخرين إلى بلادهم.

أما لاكسكو فيتحدث عن عوامل عديدة في هذه القضية بدءا بتسرب رؤوس أموال البريطانيين إلى الخارج وحتى تأثير الخدمات الصحية الإسبانية على المتقاعدين البريطانيين الذين يعيشون في إسبانيا وارتفاع أسعار العقارات في المناطق الريفية بفرنسا بسبب تدفق البريطانيين إليها.

والواضح أن الحكومة البريطانية لا تبدي حتى الآن الاهتمام الكافي بهذه القضية. ويقول مسؤول في الحكومة البريطانية إنهم لا يشعرون بالقلق من تسلل العمالة المهارة من بريطانيا إلى الخارج لأنه في المقابل هناك أعداد كبيرة من أصحاب الكفاءات من أوروبا الشرقية يأتون إلى بريطانيا.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة