Al Jazirah Magazine Tuesday  27/02/2007 G Issue 208
الملف السياسي
الثلاثاء 9 ,صفر 1428   العدد  208
 

خلت من الرواسب الاستعمارية
زيارة صينية ناجحة للقارة السمراء

 

 

بدأت زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو إلى إفريقيا في الأسبوع الماضي بالمصافحات التقليدية والاستقبالات وزيارات المصانع والعروض الموسيقية والرقصات الإفريقية. وهدفت الجولة، التي شملت كلا من الكاميرون وليبيريا والسودان وزامبيا وناميبيا وجنوب إفريقيا وموزمبيق وسيشل، إلى تنفيذ الوعود التي قطعتها الصين على نفسها في قمة بكين التي عقدت في نوفمبر الماضي، عندما استمع قادة 48 دولة إفريقية إلى خطاب هو جنتاو الذي تعهد فيه بمضاعفة مساعداته إلى إفريقيا بحلول عام 2009م، وإنشاء صندوق للاستثمار بقيمة خمسة مليارات دولار في غضون السنوات الثلاث القادمة.

بلغ إجمالي استثمارات الصين الفعلية في إفريقيا بانتهاء عام 2006م ما يقارب ثمانية مليارات دولار، وكانت أهم هذه الاستثمارات في استخراج المعادن والنفط لتغذية اقتصادها المزدهر. وفي رحلته الأخيرة اصطحب جينتاو معه المزيد من القروض وجيشًا ضخما من المستثمرين.

وتابعت الدوائر الأمريكية الرحلة باهتمام بالغ نظرا لأن الولايات المتحدة تنظر إلى الصين باعتبارها منافسا جديدا لها في المنطقة. وللتعرف على أسلوب معالجة هذه الدوائر لهذه الرحلة نورد فيما يلي تقريرا لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية التي أرسلت الصحفيين سكوت بالدون وجوزيف شاتز إلى كل من جوهانسبرج بجنوب إفريقيا ولوساكا بزامبيا لتغطية أحداث هذه الرحلة التاريخية للعملاق الصيني إلى تلك الأصقاع النائية من القارة السمراء. يقول الكاتبان في تقريرهما إن جينتاو كلما تعمق في رحلته جنوبًا، كان يواجه بمزيد من الشكوك؛ ما جعله يلغي زيارته إلى حزام النحاس في زيمبابوي خشية اندلاع التظاهرات من جانب عمال المناجم التي تديرها الصين احتجاجا على تدني الأجور وظروف العمل السيئة في تلك المناجم. ولكن التقرير يرى أن هذا الحذر من جانب قلة من الدول الإفريقية، خاصة في جنوب القارة، لا يعني بالضرورة أن القادة الأفارقة أصبحوا مستعدين لطرد الصين، بل على النقيض، يمكن القول إن زيارة جينتاو مثلت متابعة جيدة للوعود التي أخذها على عاتقه أثناء قمة بكين.

ففي وقفته الأولى في الكاميرون التزم جينتاو بدفع مبلغ مائة مليون دولار في شكل قرض ميسر، كما أطلق الزعيمان جينتاو وليفي مواناواسا شراكة تعدين جديدة في خام النحاس، وهي الشراكة التي يقال عنها إنها سوف توفر آلاف الوظائف وثمانمائة مليون دولار في شكل استثمارات، بالإضافة إلى إمدادات النحاس التي سيتلقاها الاقتصاد الصيني المتنامي.

وينقل التقرير نقلا عن بيتر سنيمان، مدير شركة (محور الصين)، وهي هيئة استشارية تساعد شركات جنوب إفريقيا على التعاقد مع الصين، قوله إن الشراكة التجارية بين الصين وجنوب إفريقيا تحقق مصلحة كلا الطرفين. فقد وجد القادة الأفارقة أن الصين أكثر تعاطفًا مع الاحتياجات الإفريقية من الغرب؛ ذلك لأن إفريقيا ليست بحاجة إلى المال وحسب، أو إلى طرف يقوم ببناء مشروعات البنية التحتية لها وحسب، بل هي في حاجة ماسة إلى طرف يقيم معها علاقة دائمة، والأمر متروك إلى الأفارقة الآن لكي يحددوا ما الذي يريدونه من مثل هذه العلاقة.

وما تريده إفريقيا بالطبع يختلف من دولة لأخرى. ففي السودان التي زارها جينتاو في الأسبوع الماضي، طلب المسؤولون منه مزيدًا من الاستثمار في صناعة النفط وتكريره، وفي جنوب إفريقيا بدا القادة السياسيون والاقتصاديون أكثر ميلا إلى دفع الصين إلى قبول المزيد من الواردات الإفريقية إلى أسواقها، وفي الدول الغنية من حيث مواردها، بينما يعاني اقتصادها بصفة عامة من الفقر، مثل زامبيا، كان القادة السياسيون والعمال على حد سواء يدفعون في اتجاه تحسين الأجور على حساب الأرباح التي تحققها المناجم.

غضب في زامبيا

تسببت المشاعر المتأججة بين أفراد الشعب الزامبي إلى ازدياد وتيرة الحملات الانتخابية بين المرشحين في الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر الماضي، ومنهم ساتا، الوزير الحكومي السابق، الذي هدد بطرد المستثمرين الصينيين (الاستغلاليين) خارج البلاد؛ ما جعله يحظى بتأييد الفقراء في المناطق الحضرية في زامبيا. وكان ساتا قد صرح ضمن حملته الانتخابية بأنه سوف يعترف بتايوان دولة مستقلة إذا ما تم انتخابه، وقوبلت تلك التصريحات برد فعل غاضب من السفير الصيني في زامبيا، الذي صرح بأن بلاده سوف تقطع علاقاتها مع زامبيا إذا ما انتخب ساتا، واعتبرت تلك التصريحات متناقضة مع السياسة الصينية المعلنة بعدم التدخل في السياسات الداخلية للدول.

وأدت الأجور المتدنية والمخاوف الأمنية في المناجم التي تديرها الصين إلى غضب اتحادات العمال في زامبيا، وخاصة في صناعة التعدين، وتحولت تلك المخاوف إلى غضب عارم عندما وقع انفجار في منجم شامبيشي الذي تديره الصين، مؤديا إلى مقتل 51 عاملاً من زامبيا عام 2005م؛ لذا قام وفد جينتاو بإلغاء خططه لزيارة شامبيشي أثناء زيارته، بسبب تسرب إشاعات باحتمال نشوب تظاهرات اعتراضًا على زيارته.

وحوادث المناجم ليست الجانب الوحيد للوجود الصيني الذي يثير غضب الشعب الزامبي؛ فقد شهدت الأعوام الماضية قدوم وفود كبيرة من التجار الصينيين وغيرهم من رجال الأعمال الصغار لبيع الملابس الصينية والواردات الأخرى بأسعار رخيصة؛ ما شكل ضغطًا على المستثمرين المحليين.

تجنب الاحتلال

يقول دبلوماسي جنوب إفريقي سابق رفض نشر اسمه: (إن لإفريقيا تاريخًا طويلاً مع قوى الاحتلال التي جردت إفريقيا من مواردها، وها نحن الآن مع الصين، هذا العملاق الجديد الذي يلعب الآن دورًا ذكيًا للغاية. الصينيون يريدون أشياء معينة من أجزاء محددة من العالم، ويقولون إنهم لن يتدخلوا في القضايا المحلية، وهذا أمر يثير إعجاب الأفارقة. زيمبابوي ودارفور، على سبيل المثال، منطقتان مثيرتان بالنسبة لإجراء الأعمال التجارية، ولكن الصينيين لا يتدخلون).

ولكن التجارة المتزايدة جلبت معها ازدراء عامًا في بعض المناطق، وتلك مشكلة يجب أن ينتبه لها المسؤولون الصينيون والأفارقة. وفي استجابة لمخاوف جنوب إفريقيا بشأن تقويض الواردات الصينية لقدرات المصنعين المحليين، قرر جينتاو في العام الماضي تقليل صادراته من المنسوجات إلى جنوب إفريقيا بمقدار الثلث، ورغم ذلك ارتفعت التجارة بين البلدين بنسبة وصلت إلى 36% في هذا العام.

حصيلة الرحلة

اختتم الرئيس الصيني والوفد المرافق له، الذي بلغ قوامه 130 شخصًا، جولتهم في الدول الإفريقية الثمانية بزيارة موزمبيق وسيشيل وهناك وقع على اتفاقيات مساعدات اقتصادية وتجارية ضمن جهود الصين للحصول على الواردات المعدنية من إفريقيا.

وفيما يلي ما أنجزه جينتاو في رحلته التي استغرقت اثني عشر يومًا:

* الكاميرون: ألغى جنتاو ديون الكاميرون (المبلغ غير محدد)، والتزم بمنح الكاميرون مائة مليون دولار في شكل قرض ميسر، كما وقع على اتفاقيات لبناء مدرستين ومستشفى في عاصمة إقليم دوالا.

*ليبيريا: وقع على مذكرة تلغي كل ديون ليبيريا التي تدين بها للصين، البالغ قيمتها 15 مليون دولار، وأعلن إعفاءً ضريبيًا على جميع الصادرات الليبيرية إلى الصين.

* السودان: وقع على سبع وثائق بشأن التعاون الاقتصادي والتقني، وألغى ديونا تصل إلى 19 مليون دولار.

* زامبيا: افتتح منطقة التعاون التجاري والاقتصادي بين الصين وزامبيا، بما في ذلك علاقة شراكة تعدينية ضخمة في الحزام النحاسي الزامبي لدفع التنمية في صناعات المسابك والبناء والأجهزة المنزلية وصناعة الأغذية.

* ناميبيا: وقع على قرض ميسر بقيمة 139 مليون دولار (59 مليون دولار منها خالية من الفائدة) في شكل منحة، بالإضافة إلى عشرات المنح الدراسية، وعرض مقترحا من أربع نقاط لدفع العلاقات السياسية والثقافية بين البلدين.

* جنوب إفريقيا: في أول زيارة له للبلاد، وفي لقائه التاسع مع الرئيس الجنوب إفريقي ثابو مبيكي، التزم جينتاو بعقد (شراكة استراتيجية جديدة) يشمل فتح الأسواق الصينية أمام صادرات الفواكه ومساعدة جنوب إفريقيا في برامجها التنموية.

* موزمبيق: من المتوقع أن يعلن إلغاء ديونها البالغة 15 مليون دولار.

* سيشيل: الأرخبيل المكون من 110 جزر، ذات أهمية استراتيجية لطرق تصدير النفط والقواعد العسكرية في المحيط الهندي، وهما مجالان تهتم الصين بتنميتهما.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة