Wednesday 24th February, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الاربعاء 9 ذو القعدة



الرمز والمواطن
د, عبدالله ناصر الفوزان


حين نقارن ما فعله أولئك الأكراد الذين تسابقوا لإحراق أنفسهم واحدا بعد الآخر في أماكن
متفرقة من العالم في مشاهد مثيرة جدا، وبين ما اهتم به زعيمهم ورمزهم عبدالله أوجلان وهو في
الطائرة التركية من خلال تلك الكلمات القليلة التي قالها، فإن ذلك يعطينا دلالة قوية على ان
الانسان البسيط العادي قد يكون أكثر تضحية وتفانيا واخلاصا للقضايا الكبرى من الرمز, ولكن
أقل قدرة منه,
لقد بلغ حرص أوجلان على صحته جدا جعل سوء الهضم هو ما يشغل باله وهو معتقل في الطائرة، وكان
حرصه على حياته وسلامته دافعا له للمبادرة بالقول انه يحب الأتراك ومستعد لخدمة تركيا في
موقف يفهم منه استعداده للاعتراف بمعلومات هامة تفيد تركيا في صراعها مع الدول الأخرى، في
حين ان اولئك الذين تسابقوا لاحراق أنفسهم من أجل القضية لم يكن هناك -فيما يبدو- ضغوط
تدفعهم لذلك غير مشاعرهم الذاتية التي جعلت الهم الخاص يتفانى في خدمة الهم العام لحد
الاحتراق,, ولا أقصد لوم أوجلان على ما فعل ولكني أحببت ايضاح الفرق ليس إلا,
طبعا لا يمكن بأي حال اقرار أولئك المنتحرين على اسلوبهم فهو عقيم وسلبي وليس هذا مجالا
لتقييم مثل هذا التصرف، وقد استشهدت بتلك الحالات التي فاضت فوق السطح لأوضح ان هناك الآلاف
من الحالات الأخرى التي لم تنزلق الى متاهات السلبية، ولكي أقارن بين درجة التفاني والتضحية
بين الرمز والانسان العادي في الحالة الكردية ليتضح الفرق، ولاشك ان الرمز قد غامر كثيرا
وعرض نفسه للمهالك ولكن الفرق بينه وبين ذلك الانسان العادي أن الرمز امامه مكسب شخصي ضخم قد
يكون يسعى له بينما الذي امام ذلك الانسان العادي مصلحة مشاعة، والرمز سعى لمصالحه حين جد
الجد أما ذلك الانسان العادي فقد فعل ما فعل,
ولقد افترضنا ان اولئك الذين احرقوا انفسهم كانوا متألمين من مواقف الآخرين من قضيتهم، أما
لو افترضنا انهم قد احرقوا انفسهم ألما واحتجاجا على ما حل برمزهم وزعيمهم عبدالله أوجلان
الذي كان في الوقت نفسه متألما من حالة سوء الهضم عنده فإن المسألة ستأخذ حينئذ وضعا أكثر
إثارة وأدعى للدهشة والاعتبار,
وأرجو ألا يفهم من هذا أني اقصد أي انتقاص من درجة التضحية والايثار لدى الرموز,, لا,,
أبدا,, فالمسألة محسومة,, ولكني فقط أحببت ان اوضح كم لدى البعض من عامة الناس ايضا من مخزون
كبير من ذلك يتفجر أحيانا من شدة قوته والجهل بكيفية ضبطه واستخدامه,, لكن المشكلة ان
الانسان العادي البسيط الطيب لا تسعفه قدماه للصعود على السلالم السياسية,, وهذه من أهم
مشاكل الانسان على وجه الأرض,
backtop
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved