Thursday 25th February, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 10 ذو القعدة



احتلال أرنون برنامج سياسي للحكم
رضا محمد لاري

يلزم القرار 425 الصادر عن مجلس الامن، اسرائيل بالانسحاب الفوري من الجنوب اللبناني، بدون
تفاوض مع بيروت عليه، او فرض شروط مسبقة او لاحقة على الانسحاب من أراضيها المحتلة منذ سنة
،1982م,
لم تكتف تل ابيب بمعارضة هذه الارادة الدولية طوال السبع عشرة سنة الماضية، وانما لجأت بعد
هذه السنوات الطويلة على احتلالها للجنوب اللبناني للاعتداء على مدينة ارنون واخضاعها بقوة
السلاح للسيادة الاسرائيلية,
يبدو ان عملية العدوان على لبنان تدخل ضمن البرنامج السياسي الذي يتقدم به المرشح الاسرائيلي
لرئاسة الوزارة، بدليل ان رئيس الوزارة السابق شيمون بيريز لجأ الى ضرب مدينة قانا
اللبنانية في سنة 1996م بالقنابل العنقودية التي يسمونها عناقيد الغضب، ونسميها عناقيد
الحقد، وان رئيس الوزارة الاسرائيلية الحالي بنيامين نتنياهو قام بضم مدينة ارنون اللبنانية
الى أراضي الجنوب اللبناني المحتلة ليمثل هذا المسلك العسكري جزءاً من برنامجه السياسي
لرئاسة الوزارة مرة اخرى إذا جاء فوزه بالحكم من خلال الانتخابات المبكرة التي وافق على
اجرائها قبل موعدها الدستوري,
يؤكد وزير الخارجية اريل شارون المرشح لمنصب نائب رئيس الوزارة مع احتفاظه بحقيبته الوزارية
في الوزارة الجديدة التي سيرأسها بنيامين نتنياهو: لقد استفدنا من تجربة شيمون بيريز لأن
الضرب لمدينة قانا اللبنانية بعناقيد الغضب كانت سبباً في سقوط شيمون بيريز من على كرسي
الحكم بسبب ردة الفعل من قِبل حزب الله، الذي قتل العديد من أولادنا وبناتنا في طرقات المدن،
فوقف الناخب الاسرائيلي ضده في تلك الانتخابات المباشرة,
ضم مدينة ارنون اللبنانية الى السيادة الاسرائيلية قد فرضته الحاجة الأمنية في الجنوب
اللبناني لأن موقعها الجغرافي يعرقل نشاط حزب الله ويمكّن من الوقوف له بالمرصاد وخصوصاً في
ظل التأهب العسكري الذي يحجب عن اولادنا وبناتنا خطر الموت في طرقات المدن بصورة تضمن لنا
صوت الناخب الاسرائيلي في الانتخابات المباشرة القادمة والمرشح لها عن حزب تجمع الليكود
بنيامين نتنياهو,
قبل ان نخوض في البرنامج السياسي الذي تقدم به بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزارة الجديدة نذكّر
بما قاله للصحافيين فوق ارض الاردن عندما شارك في تشييع جثمان الملك حسين: انني مقتنع الآن
بأن السلام لابدّ ان يسود منطقة الشرق الأوسط وسوف تشاهدون مسلكاً اسرائيلياً جديداً صوب
السلام بدلالاته المقبولة عند كل الاطراف المعنية بالصلح والاستقرار الاقليمي، مما سيدفع
بمسار المفاوضات مع الفلسطينيين في الاتجاه الصحيح ويفتح الابواب المغلقة على مسار التفاوض
مع سوريا ولبنان ,
على نفس الارض الاردنية وأمام رئيس الوزارة بنيامين نتنياهو، كذّبه وزير خارجيته اريل شارون
بقوله لنفس الصحافيين ان بنيامين نتنياهو ممثل بارع يتقن الخروج على النص الموضوع من فوق
خشبة المسرح الدولي بصورة تجعل المشاهدين السياسيين يتعاطفون ويصفقون للنص المزيّف الذي
يتعارض تماماً مع النصوص السياسية الحقيقية المتفق عليها والمجازة من قِبل البرلمان الكنيست ,
لا شك ان الوعد بالاصلاح التفاوضي وتكذيبه في نفس اللحظة من فوق المسرح السياسي، مطار عمان
الدولي يدلل على اتفاق الرجلين على الدورين المتناقضين، وبذلك خفف من الانتقاد الذي رفعته
الاحزاب السياسية الدينية المتشددة من موقعيها في داخل البرلمان وشاركتها في الحكومة
الائتلافية بالسلطة، لأن الخروج عن النص السياسي الذي قام به بنيامين نتنياهو قابله بصورة
فورية التزام بالنص السياسي من قِبل اريل شارون,
ولا يمكن فصل هذه المسرحية الهزلية عن البرنامج السياسي الذي تقدم به بنيامين نتنياهو
للمتشددين من الاحزاب الدينية لمؤازرته في الانتخابات القادمة لدعم ذلك البرنامج المتمثل في
احتلال ارنون، المدينة اللبنانية وضمها الى الاراضي المحتلة في الجنوب اللبناني,
اعترف العدوان اللدودان ديفيد ليفي واسحاق مردخاي لرئيس الوزارة بنيامين نتنياهو ووزير
خارجيته اريل شارون بإتقان دورهما المسرحي في الاردن، ونجاحهما في احتلال مدينة ارنون
اللبنانية بصورة رفعت من اسميهما في الانتخابات القادمة، وخصوصاً ان التوجه الانتخابي في
اسرائيل يسعى الى انتخاب رئيس الوزارة ونائبه معاً على نفس الطريقة الامريكية في انتخاب
الرئيس الامريكي ونائبه بورقة انتخابية واحدة,
وهذا الاعتراف بالتفوق لرئيس الوزارة ووزير خارجيته من العدوّين اللدودين ديفيد ليفي واسحاق
مردخاي يؤكد ان التوجه الاسرائيلي الرسمي القاضي بضرورة التزام كل من يرغب في الوصول الى
السلطة بإسرائيل بالتوجه الرسمي الرافض لاعادة الارض للفلسطينيين أو الصلح مع العرب ليحقق
السلام الاقليمي بالرؤى الاسرائيلية، وان تكون ممارسته للسلطة ومسلكه السياسي الداخلي
والخارجي ترجمة لهذه الافكار وتجسيداً عملياً لها على ارض الواقع حتى ينسجم التوجه الرسمي مع
المسلك الرسمي,
خطورة هذا الفهم للموقف الاسرائيلي تجعلنا امام وضع لا يتبدل بتغيير الوجوه السياسية في
الحكم ويفرض علينا حسن التعامل مع المتغيرات الدولية والمناخ السياسي في داخل الاقليم حتى
نمنع اسرائيل من السير في الطريق الذي يوصلها الى اخضاع الاقليم لنفوذها بصورة تجعل كل ما
يتحرك في داخل الاقليم يصب في خدمة مصالحها بتأييد دولي مغرض او مضلل من قِبل اسرائيل بصورة
مباشرة أو من قِبل المتعاطفين معها بصورة غير مباشرة,
إن الشكوى التي تقدمت بها لبنان للامم المتحدة ضد اسرائيل لاحتلالها مدينة ارنون لا تخرج عن
كونها إجراءاً روتينياً دولياً وخصوصاً بعد ان تكرر موقف الامم المتحدة المايع من قضايا
العرب في اقليم الشرق الاوسط باتخاذ مجلس الأمن قرارات لصالح العرب ويأتي تنفيذها لصالح
اسرائيل فقرارا مجلس الامن 242 و338 اللذان يقضيان بالسلام مقابل الارض لم ينفذا
واستبدلتهما اسرائيل بعون امريكا الى جعل منح العرب السلام متوقفاً على ضمانهم للأمن
الاسرائيلي في منطقة الشرق الاوسط,
وقرار مجلس الأمن 425 القاضي بالانسحاب الفوري وبدون شروط من الجنوب اللبناني لم تنفذه
اسرائيل وأعلنت بأن وجودها العسكري به يضمن لها معدلات أمن لا تستطيع التنازل عنها
بالانسحاب منه وعملت على فرض بقائها به بصورة دائمة وواصلت مطالبة العرب بقبول هذا الوضع في
ظل منظومة سلمية تلزم العرب القبول بالاحتلال والتعايش معه,
رفض العرب لهذا المنطق الاسرائيلي العقيم جعلها - اسرائيل - تقدم على ضرب مدينة قانا
اللبنانية بقنابل الحقد في عام 1996م واستمرار العرب في رفض السلام تحت مظلة الاحتلال للارض
دفع اسرائيل الى زيادة مساحة الارض المحتلة في الجنوب اللبناني بضم مدينة ارنون تحت السيادة
الاسرائيلية,
نحن لا نقول بالامتناع عن الإجراء الروتيني الدولي بشكوى اسرائيل إلى الأمم المتحدة
لاحتلالها مدينة ارنون، ولكن نقول بأن هذا الاجراء لا يكفي لاسترجاع ارنون وغيرها من اراضٍ
تحتلها اسرائيل في الجنوب اللبناني، لأن استرجاع ذلك يتطلب تحركاً سياسياً دولياً عربياً
مستقلاً عن الامم المتحدة التي أصبحت خاضعة للنفوذ الامريكي والاسرائيلي معاً لاقناع العالم
بحق العرب في أراضيهم المحتلة في الجنوب اللبناني ومرتفعات الجولان والضفة الغربية من نهر
الاردن,
وحتى تأخذ القناعة الدولية بحق العرب في الارض المحتلة لا بد ان يصاحبها عمل عسكري في شكل
مقاومة شرسة للوجود الاسرائيلي على الارض العربية بدعم نشاط حزب الله في لبنان وسوريا
ومؤازرة حماس في داخل اسرائيل حتى يعيش الانسان في داخل اسرائيل وفوق الأراض العربية التي
تحتلها في قلق دائم من مواجهة خطر الموت لينعكس هذا الخوف من الموت في الشارع الاسرائيلي
على السلطة الحاكمة في تل أبيب وخصوصاً بعد ان ثبت لنا سقوط شيمون بيريز من على كرسي الحكم
بعد مواجهة الناس بها للموت في كل لحظة فحجب الناخب الاسرائيلي صوته عن رئيس الوزارة السابق
وسقط في الانتخابات على الرغم من كل المؤشرات السياسية والدعم الامريكي اللذين كانا يعطيان
الانطباع بنجاحه في الانتخابات الشعبية المباشرة ليواصل الحكم من موقعه في رئاسة الوزارة,
إن ما حققه النضال العربي ضد شيمون بيريز يمكن تكراره بصورة اوسع ضد بنيامين نتنياهو ليفشل
في انتخابات رئاسة الوزارة المبكرة القادمة وعلى هذا النضال العربي يواصل أدواره العسكرية
ضد كل حكومة اسرائيلية جديدة ليفرض عليها الرعب من الموت حتى تتأكد بأن الأمن الاسرائيلي هو
نتيجة للصلح مع العرب وإقامة السلام معهم، المستند الى العدل والحق، وليس سبباً للصلح
المصطنع وما يترتب عليه من سلام مزيّف بالرؤى الاسرائيلية,
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
فروسية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved