Thursday 25th February, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 10 ذو القعدة



رجفة أثوابهم البِيض (1)،
الجوهرة بنت حميد*

7/1
كنت أبصر كلماته - دائماً على صفحات الجريدة، أتملاّها، أقصقص إطاراتها، أخبئها في كراسة
الأدب؛ لتفاجئني لحظة فتور في المحاضرة، أو وحدة، أو خلوة مع الصديقة الأديبة!,
أتراها ظلت، كما هي، منذ عشر سنوات,, تكبر، وتكبر، وتتفرع - جمالا وعمقاً - في ذاكرتي
المرشّحة للصفاء؟
قد يجيب قارىء ما - عني - بأن الأعمال الأدبية الجيدة، ستفرض بقاءها رغم أي سبب زائل؛ فهي
الحقيقة الباقية, ولن أختلف معه,
قد يعارض آخر بأن الذاكرة قد تهرأ، وتتساقط منها ذكريات تلك الأعمال، وقد لا يبقى إلا
الرديء، الذي أزاح - بخفّته وكثرته - ثِقل تلك"الروائع الفريدة", ولن اختلف معه,
قد يضيف آخر أن الأديب ملاك شفيف، لابد أن نستوعب كل ما خطه، وإن كان من أجود الرديء - في
رداءته - لا بد أن نجد منفذا - مبرِّئاً - لاستغلاق تناقضاته السلوكية، والفكرية،
والوجدانية, ولن أختلف معه,
قد يتدخل آخر - أيضاً - مهاجماً تلك الفسحة الممنوحة لتناقضات الأديب، ومنافاة منطقه الأدبي
الراقي لسقطاته الأخلاقية؛ فيجب ألا نقبل منه شيئاً، ولا نقبله, ولن اختلف معه,
وقد يطول الجدل حول الأديب ذاته، لا حول عمله؛ لأنه المبدع المنشىء، وستنسحب صورته الحقيقية
والموهومة عليه؛ أي على إبداعه، وسيؤثر - هذا - على موقفنا من براءته، والاحتفاء به،
ومناقشته من بين كلماته ذات المساحات اللامتناهية: صغراً أو كبراً، مهما ادعينا الموضوعية
والفصل بين الأدب وصاحبه، على أن القيمة الأدبية هي ما يهمنا - هنا - لا أخلاق الأديب وصورته,
لنتأمل فعل الأديب، أليس يحاول رسم/ خلق عالم آخر يظنه الأجمل والأمثل؟ أليس يحاول أن يعيد
نفسه من خلال صورة تقوم على توظيف المبدأ الجمالي للغة؟ أليس يحاول الانعتاق من قيد الصمت،
واللا وجود، أو الصغر,, برسم تلك الكلمات، التي تنشر - خلفها - عوالم من الوجود والامتداد
المتنامي نحو حلم، يختبي داخل كل إنسانيٍّ منا، يصر أن نكون بؤرة الكون ونبعه؟، أليس يجاهد
،- دون أن يشعر - ليقيم المعادلة بين تناقضات الحياة بأكملها؟,,, إلخ؟؟!،
أيضاً، لماذا يتبارى/ يتقاتل بعض الأدباء على احتلال قمة الأدب - رغم أنها القمة، التي لا
ترضى بساكن واحد؟,
ألسنا نتعلق بذلك الأديب، ونحبه، وننزله - من الروح - منزلة الخليل (الصاحب الوفي)، والحبيب،
والباعث للأمل الحييّ؟,
ألسنا نقيم علاقة حميمة مع كلماته، مع روحه، التي تلامسنا ويتلبسنا ما فيها ساراً - كان أو
حزيناً، أو هائما غامضا؟,
أليس يركض إلينا - كأطفالنا - بأوراقه البيضاء، يفاجئنا بما نقشه عليها؟,
ألسنا أصدقاءه، وإخوته، وزملاءه، ونعرف الخلل فيه أو لا نعرف، تنبّه له أو لم يتنبّه؟,
لا أدري إن كان أحد ما يؤمن بمسؤوليته تجاه تلك الرجفة البيضاء,, أديباً - كان - أو صاحب
أديب؟!,
لا أدري إن كان أحد منا يؤمن بأن الجمال والحياة تكتمل - خَلقاً - باكتمال وجهيها معاً:
المنبع والمصب بما بينهما من عبور؟؟,, لا أدري!!,
،*جامعة الملك سعود - قسم اللغة العربية
،(1) عنوان مجموعة قصصية للقاص السعودي: يوسف المحيميد، دار شرقيات، مصر، 1993م,
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
فروسية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة

الكاريكاتير