Thursday 25th February, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 10 ذو القعدة



ليس إلا
اغتيال القارىء
خالد عوض

فتوى الآيات الإيرانية التي صدرت بحق الآيات الشيطانية لسلمان رشدي هي ترجمة عملية للرأي
البنيوي الذي جاء به بارث عندما اعلن عن موت المؤلف في عام 1968م, وموت المؤلف يعني ان
السلطة البشرية التقليدية التي كان يتمتع بها المؤلف سابقا قد سلبت منه، اي ان المؤلف الكاتب
لا يملك الحق في تفسير ما كتبه من نصوص لانه بمجرد ان يخرج النص الى الآخرين فهو كائن مستقل
بذاته يتمتع بحرية مطلقة يكون القارىء لهذا النص حرا في تفسير ما يقرؤه بشرط ان يعتمد في
تفسيره على معطيات النص، كما ان معنى او تفسير هذا النص يتعدد ويتنوع باختلاف القراء واختلاف
تفسيراتهم لهذا النص, هذه الفكرة البنيوية اصبحت مخرجا ذكيا ودبلوماسيا للكتاب والمؤلفين حين
يطلب منهم ان يبينوا ما قصدوه من كتاباتهم ونصوصهم لكن هذا الرأي المثير للجدل الذي تحقق
عمليا بصدور الفتوى الآنفة الذكر قد يفقد ادلته العملية بعد عدول الآيات الايرانية عن قرارهم
مؤخرا ضد سلمان رشدي وآياته الشيطانية رغم ان الاخير لا يزال يمارس موته النظري خوفا من ان
يتحقق عمليا, اي ان المشكلة هنا هي الاختلاف بين النظرية والتطبيق, وهذه الحقيقة شبيهة بما
يتم طرحه في عالم الادب ونظرياته اذا ان الاختلاف قائم بعد الضجة التي احدثها هذا الرأي
البنيوي بين مؤيد ومعارض,
لكن، لو نظرنا الى الواقع لوجدنا ان الامرين سيان سواء بقي سلمان رشدي حيا او ميتا فقد تعدد
قراء الآيات الشيطانية باختلاف الالسنة التي ترجمت اليها ، وقد كان من الممكن ان تبقى كما هو
حال شخبطات المراهقين والسذج على الجدران الخلفية,
عجلة الحياة تتسارع بشكل غريب وقد لا يتوقف الامر عند المؤلف/ الكاتب فقط، فالانترنت، على
سبيل المثال، تكاد تلغي فكرة المؤلف اذ ان متصفّح هذه الشبكة الميتافيزيقية يتعامل مع نصوص
فقط لكتاب مجهولي الهوية, ولا ندري ما الذي يمكن ان يحدث بعد ذلك؟ هل يستعيد الكاتب سلطته
التي سلبها منه البنيويون اولا ثم التقنية الحديثة المجنونة بعد ذلك ام سيذهب الى غير رجعة؟
الاجابة على هذا التساؤل امر صعب لان الخطر لم ينحصر في الكاتب/ المؤلف فقط بل امتد ليشمل
شيئا آخر, يقول احدهم: مولد القارىء يجب ان يكون على حساب موت المؤلف وبعد ان جاء القارىء
كبديل للمؤلف جرفه التيار قبل ان يستولي على حقوقه حيث ان النظرة الما بعد بنيوية للنصوص
تحمل مؤشرات خطيرة اذا انها تركز على مبدأ الاختلاف في تفسير معنى النص، فهي لا تكتفي بإلغاء
المؤلف، الكاتب فقط وانما تلغي ايضا اي متبرع لتفسير معنى النص والمقصود هنا القارىء طبعا,
القارىء ايضا تخلى عن دوره واستسلم للنتيجة التي تنبأ بها البنيويون ولم يعد يمارس الدور
التقليدي, حتى لو افترضنا انه حاول ان يقرأ فلن يستطيع امام الكم الهائل من المعلومات
والنصوص اليتيمة(فاقدة للمؤلف) الهائلة التي تضخها التقنية الحديثة: اذا النتيجة هي الغاء
دور القارىء او موته,
نستطيع القول ان المؤلف والقارىء يقعان تحت طائلة الخطر النظري الذي تأتي به تلك المدارس
الادبية التي تتعاقب على تدمير النصوص والاعمال الادبية, في البدء، على سبيل المثال ، كان
الشعر جميلا عندما كان يسمى شعرا فقط، ثم اصبح الشعر الحر وشعر التفعيلة وقصيدة النثر ثم
تداخل مع فنون اخرى حتى ضاعت هويته وفقد اهميته وبات الناس لا يكترثون بأمره ولا يتابعونه,
هل سيواجه النص نفس الاخطار التي واجهها المؤلف والقارىء سواء أكانت تلك الاخطار من المدارس
الادبية ام من معطيات هذا العصر المجنون؟وهل سيبقى هناك شيء آخر اذا ما تعرض النص لأي خطر؟
ذاك سؤال للتأمل فقط ليس الا!،
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
فروسية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة

الكاريكاتير