Thursday 25th February, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 10 ذو القعدة



مساقات
حجاب العادة / عادة الحجاب 8

في فمي فمٌ آخر
وبين اسناني اسنان اخرى(,,,)،
إن أحشائي مليئة بالقهوة الباردة ,,والمياه العمياء
وحنجرتي مفعمة بقصصات الورق وشرائح الثلج
أيها الماء القديم ,,ايها الماء النيء,, كم أحبك,,
م, الماغوط
هل كنّا في حاجة إلى تحذلقات الشراح لتبرئة الماء النيء في البيت القديم:
وإنا لنجفو الضيف في غير عسرةٍ
مخافة أن يضرى بنا فيعودُ
مما يصفونه بخسّة الافتخار بالبخل,, معمَّين عن أن الكرم ماهو في الأصل إلا مقايضة أخلاقية -
اقتصادية، تنتفي بانتفاء شروطها؟, أم هل كُنّا في حاجة إلى فرح (سعيد بن مصلح) بهذا البيت،
لتأييد أطروحته في عملية ازدواج الأخلاق العربية وقمعٍ ثقافي مصلت سيفه على مايناقض الخطاب
السائد، وذلك لتصادم ذلك البيت الخسيس تصادماً حادّاً ومباشراً - بوصف سعيد - مع مايحاول
الخطاب العروبي أن يؤسسه؟,,
الواقع أن لا الشراح كانوا في حاجة لتحذلقهم ذاك ولاسعيد كان في حاجة لأن يقرح بذلك البيت كل
ذلك الفرح، لاسيما بتخريجه هو الآخر الذي خرّج,, ومع هذا فقد جهد الشراح، حتى تَمَعَّرت وجوه
تخريجاتهم ، للعثور على دلالة مقبولة معقولة تُسالم مايسمّى بالشِّيَم العربية، تلك الشيم
التي ينبئ (المتنبي) أنها محض بنية إنسانية متقلِّبة المزاج بتقلبّ الظروف النفسية
والموضوعية، حينما قال عن الظلم مثلا:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عفةٍ فلعلّة لايظلمُ
،- كيف يكون الظلم من شيم النفوس,, اسمح لنا ياصاحب الجرجاني أن أبا الطيب، لا يفهم الشيم,,
ولاسالفة له في هذا البيت (داخل شيخ من أعراب رحلتنا إلى جرجان),,
،- ليست الشيم في بيته بمعنى القيم الحميدة ياعمّ وإنما بمعنى سجايا النفوس ,, بيت المتنبي
عن طبائع النفوس وغرائزها,, أمّا القيم فمتغيّرة متبدلة من عصر إلى عصر ومن مجتمع إلى آخر,
ولذلك كان الظلم قيمة أخلاقية في المجتمع الجاهلي ومن لايظلم الناس يُظلم حسب زهير، وشيخنا
الشيخ عبدالله,, موجود؟!،
،- نعم موجود,,
،- ألم تر في معلّقة زهير تناقضاً عزوته في الخطيئة والتكفير إلى ما أسميته بالتمركز
المنطقي, للتضارب بين قول زهير السابق وقوله من القصيدة نفسها: ومن لايتّق الشتم يشتم ؟!,
وإنما يكمن التمركز المنطقي في هذه القراءة المنطقية عينها لافي معلقة زهير؛ ليس لأن الشعر
يغني عن صدقه كذبه ، فحسب، كما صرخ الشاعر القديم؛ بل أيضاً لأن (الظلم) لايتناقض في سياق
زهير الثقافي والاجتماعي مع (توقّي الشتم)، من حيث كان الظلم منقبة ممدوحة إذ ذاك:
ومن لايظلم الناس ويغدرهم مشتوم مهجوّ فعلا، وهو بعدم ظلمه لا يتوقّى الشتم، حتى لقد لجأت
إحدى قبائل العرب الكبيرة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه تستعديه على شاعر وصفها بعدم
الظلم، تلك هي قبيلة (بني العجلان) العامرية القيسية، التي أخمل ذكرها بين قبائل العرب هجاء
النجاشي الحارثي إياها، حتى صار أحد أبناء هذه القبيلة إذا سئل : ممن الرجل؟ قال: كعبي ،
منتسباً إلى جده (كعب بن ربيعة بن عامر) ، توقياً للشتم بعدم ظلم قبيلته (بني العجلان)،
الذين قال الحارثي في هجائهم إنهم
قبيّلة لايغدرون بذمةٍ
ولا يظلمون الناس حبّة خردلِ
ولا يردون الماء إلا عشيةً
إذا صدر الوُرَّاد عن كل منهلِ
وعلى الرغم من محاولات عمر ثنيهم عن دعواهم ضد الشاعر، وتسويغ ذلك بأن ابياته لاتتعارض
وقيماً اخرى يشتقها من دينهم الجديد - الإسلام، فما كانوا ثقافتئذ ليسقطوا دعواهم، حتى هدد
عمرُ الشاعرَ بقوله:
إن عدتَ قطعتُ لسانك ، وقيل حبسه وجلده، (انظر: الموصلي: الإسعاف:220 ب (مخطوط، كان بالمكتبة
العامة السعودية - بالرياض)، والبغدادي:
خزانة الأدب: 231/1-233، تح / هارون ، وغيرهما), القيم إذن نسبية والحكم عليها نسبي، ودرس
الأدب اتكاء عليها مضلة لا حدّ لها، كما ان درس القيم اتكاء على الادب مضلة بلا حدود, ومثلما
قال المتنبي آنفا في الظلم فبإمكانك ان تقول في البخل
والبخل من شيم النفوس فإن تجد
ذا عفة فلعلة لايبخلُ
وكذا بإمكانك ان تقوم عن قيم اخرى مرتهنة بأسبابها,,وليست هنالك قيم مجّانية,, مهما يكن
المقابل خفيا او مضمراً او مخجلاً او مرجأ,, وذلك البيت الخسيس ماهو إلا تصريح عن وجه هذه
المسالة الآخر السلبي حينما يكون الضيف ضارياً معتاداً: يضرى فيعود ، والضراء من صفات الكلاب
والسباع العادية,, بمعنى آخر أن هذا النوع من الضيوف نموذج للضيف الطفيلي، الذي لامصلحة ترجي
في تضييفه، ومن ثم فلامندوحة من جفائه، بل إن المصلحة منه قد تكون في هذا الجفاء، قياساً على
المثل الداعي إلى : تجويع الكلب,
وبذا فإن تجربة الكرم قائمة اساساً على قاعدة إنسانية من المصالح المتداولة والطقوس المرعية,
لا على ضرورة اجتماعية فحسب - كما وقفت رؤية سعيد - ولا على مثالية اخلاقية مطلقة، كما كان
مبلغ علم الشراح,,(ولهذا مساق آت),،
آداب جامعة الملك سعود - قسم اللغة العربية
د, عبدالله الفيفي*
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
فروسية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة

الكاريكاتير